كأس الاقتصاد العولمى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كأس الاقتصاد العولمى

نشر فى : الأحد 20 يونيو 2010 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأحد 20 يونيو 2010 - 9:50 ص

 كم نسبة ما هو اقتصادى ومالى فى كأس العالم وكم نسبة ما يتعلق بكرة القدم؟ تبدو الإجابة فى كل دورة أكثر وضوحا وأكثر فجاجة من الدورة السابقة. فالإجابة هذا العام واضحة للجميع. فالكأس تتعلق بما هو اقتصادى ومالى أما كرة القدم فليست إلا وسيلة لتحقيق مكاسب مالية للفيفا من ناحية ولشركات العولمة الجديدة من ناحية أخرى وبأكثر الطرق مباشرة ووقاحة.

الغريب أننا كنا نتصور أن هذه المكاسب تصب أيضا فى صالح الدولة المنظمة وليست فقط فى جيوب الشركات العابرة للقارات. ولكن جاءت نتائج دراسة قامت بها المؤسسة المالية الكبرى «ميريل لينش» مع بنك أوف أميركا عكس ما كنا نتصوره. فالحقيقة أن معدل الاستهلاك يرتفع فقط أثناء بطولة كأس العالم والاستعدادات للبطولة تكون مرتفعة التكاليف.

قامت الدراسة ببحث معدلات النمو للدخل القومى للدول المنظمة لكأس العالم منذ سويسرا عام 1954 وحتى ألمانيا عام 2006 وخلصت الدراسة أن معدل نمو الدخل القومى لهذه الدول فى عام تنظيمها للبطولة كانت دائما أقل من معدلات النمو العادية لهذه الاقتصادات فى نفس فترة البطولة.

وقد تم مقارنة معدلات نمو الدخل القومى فى عام تنظيم كأس العالم بمعدلات النمو عامين قبل البطولة وعامين بعد البطولة. وجاءت النتيجة أن نموا اقتصاديا قد تحقق بأقل من معدلات العامين السابقين واللاحقين فى سويسرا والسويد وإنجلترا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا أما فى الأرجنتين عام 1978 وفى المكسيك عام 1986 فقد جاءت نتائج العام المالى للبطولة كارثية بمعدل ركود ــ 3%.

لماذا إذن تقدم الدراسات المتوالية لتنظيم كأس العالم نتائج وردية؟ محتمل لأن من يقوم بهذه الدراسات هو أحد المستفيدين ماليا من إقامة كأس العالم. محتمل أن هذه الدراسات تضع سيناريوهات غير واقعية أمام صانع القرار السياسى. محتمل أن السياسى يفوق الاقتصادى فى هذا الأمر. محتمل أن القائمين على الأمور يؤمنون بالمثل القائل: «الصيت ولا الغنى». ولكن المؤكد أن جميع هذه الدراسات أغفلت التكلفة الباهظة لقائمة مطالب الفيفا، كما بالغت فى أعداد السياح ومعدلات استهلاكهم.

ولم تفلت جنوب أفريقيا من هذه النوعية من الدراسات للشركات المنظمة للحدث الرياضى/ المالى. فقط تخطت جنوب أفريقيا ميزانية الإنفاق على المنشآت الرياضية بمعدل 30% حتى وصل ما أنفقته إلى 50 مليار جنيه فى مقابل توقعات ببيع تذاكر بقيمة 25 مليار جنيه. كيف يمكن تغطية هذه الفجوة.

الرد يكون دائما بضرورة حساب فورة الاستهلاك من سكان البلد المنظم للبطولة. ولكن دراسات السلوك الاستهلاكى للسكان فى ألمانيا أو فى فرنسا مثلا أثناء تنظيم كأس العالم قد أثبت أن الاستهلاك ارتفع أثناء البطولة وعاد للانخفاض بشدة بعد ثلاثة شهور فقط من انتهاء البطولة، هذا الانخفاض يكون من الحدة بحيث يوازن أى ارتفاعات فى معدلات الاستهلاك أثناء البطولة.

وقد أكدت دراسة أخرى أنه بالنسبة للدول الفقيرة أو النامية كجنوب أفريقيا لا يعود حتى هذا الارتفاع فى معدلات الاستهلاك بفائدة على صناعات هذه الدول، حيث يتجه الإنفاق الاستهلاكى على منتجات مستوردة وهى ذات المنتجات المسيطرة على عالم الإعلانات.

أما بالنسبة لأعداد السياح فقد صرحت ثانديرى جانويرى ماكلين، رئيسة شعبة السياحة فى جنوب أفريقيا، أن عدد السياح المتوقع أثناء دراسة تنظيم البطولة كان 450 ألف زائر. ثم انخفضت التوقعات إلى 375 ألف زائر وأكدت أنها تأمل الآن أن يصل عدد السياح إلى 250 ألف زائر.

هناك إحباط عام من حقائق الأرقام. ويتمنى العاملون فى قطاع السياحة أن تكون للبطولة آثار إيجابية طويلة الأمد. ولكن من المعروف من التجارب السابقة أن ذاكرة البشر قصيرة الأمد.

الفيفا مع عصابات العولمة هم إذن أصحاب الفرح وهم الذين يملون على الجميع قواعد العولمة الجديدة ونحن نلهث وراء استهلاك الروشتة المكتوبة بحروفهم السويسرية والانجليزية والألمانية والفرنسية. وجاءت قرارات القبض على 36 فتاة بعد مباراة هولندا والدنمارك فى ملعب سوكر سيتى لتوضح للجميع لمن يتم تنظيم كأس العالم.

فقد ارتدت هذه الفتيات ملابس برتقالية اللون وجلسن سويا داخل الملعب. جذبن أنظار المصورين الذين قاموا بتصويرهم أكثر من مرة وهن يشجعن الفريق البرتقالى وهو الفريق الهولندى. وعندما خرجن من الاستاد تم القبض عليهن جميعا وتم استجوابهما لعدة ساعات قبل الإفراج عنهن.

كانت التهمة الموجهة إليهن من الفيفا أنهن قمن بالدعاية لمنتج ليس من ضمن رعاة الفيفا. وقد صرح وزير الخارجية الهولندى «ماكسيم فيرهاجن» أن ما قامت به الفيفا من القبض على هذه الفتيات هو فضيحة بكل المقاييس. وأنها كارثة أن يتم تهديد فتيات بالسجن لمجرد أنهن ارتدين ملابس برتقالية.

هذه إذن كأس للعولمة. من يحكم هم الرعاة. هم الشركات التى تدير هذه الكرة التى نعيش عليها. ونشكر د. على الدين هلال بتحقيقه صفر المونديال فنحن لسنا فى وضع اقتصادى يسمح بمزيد من الركود الاقتصادى.

خالد الخميسي  كاتب مصري