الانفجار الحزبى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 3:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانفجار الحزبى

نشر فى : الأحد 20 فبراير 2011 - 9:46 ص | آخر تحديث : الأحد 20 فبراير 2011 - 9:46 ص

 حالة الجذوة التى نعيشها الآن فى مصر بعد انقشاع كابوس مبارك تتجلى فى عيون المصريين، كما تتجلى فى رغبة الجميع أن يكون إيجابيا. أصبح هناك شعور عام بعد ثورتنا على النظام أننا قادرون بالفعل على التغيير.

قادرون أن ندفع الأمور فى الاتجاه السليم رغم الأنواء. وعلى الرغم من حالة الترقب والقلق فى هذه المرحلة الانتقالية، وعلى الرغم من حالة الفوضى السياسية وغليان الصراعات الداخلية من التيارات السياسية التقليدية المختلفة، إلا أن الجميع يريد أن يمسك بحقوقه السياسية المهدرة منذ عقود طويلة فى قبضته والا يتركها أبدا.

حالة غبطة مشوبة بحالة مرح تدفع الكثيرين إلى التعبير عن رغبتهم فى إنشاء أحزاب جديدة. وواقع سياسى مريض يدفع البعض إلى القيام بإجراءات لتشكيل أحزاب جديدة. اتصل بى صديق قديم لا علاقة له بالسياسة من قريب أو من بعيد وسألنى أن أنضم إليه فى حزب سياسى يزمع إنشاؤه. سألته وما توجه هذا الحزب فرد قائلا: «لا يهم ولكن الأهم أن نتحرك لنقدم خبرتنا فى الحياة إلى بلدنا فى هذه اللحظة».

أعرف أنها فورة سوف تنتهى سريعا وأنه لن يفعل شيئا فيما يتعلق بإنشاء حزب. ولكنه شىء رائع أن يشعر الجميع أن عليه واجب التحرك للمشاركة المجتمعية والسياسية. بعدها التقيت بفنانة مصرية شابة شاركت فى الثورة المصرية بكل طاقتها وأعلنت للجالسين معنا أنها تنتوى إقامة حزب سياسى جديد. وأضافت أنه لابد أن يكون حزبا ليبراليا يوطد أركان الديمقراطية الحقة فى المجتمع المصرى.

كانت تتكلم بثقة وجدية جعلتنا نشعر بمدى انتمائها لجموع غفيرة تريد أن تفعل شيئا حقيقيا لرفعة ونهضة مصر. وبعدها التقيت رجل أعمال وهنا وجدته قد وصل إلى مرحلة أعلى كثيرا ممن سبقوه فقد أعلن لى أنه انتوى أن يتقدم للترشح لرئاسة الجمهورية وأنه ينتظر التعديلات الدستورية لمعرفة معايير الترشح للمنصب الرئاسى، وأنه سوف يفنى حياته لخدمة بلده وسوف يموت من أجلها وأنه انتهى عهد الأنانية وعهد اللصوص، وبدأ عهد الاستشهاد فى سبيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى سوف تحول مصر إلى القوة الاقتصادية الأهم فى محيطها الاقليمى.

واستمر معى الأمر على هذا المنوال خلال الأسبوع الماضى. شىء رائع حقا. لا أنكر أننى استمعت بالإضافة إلى هذه المشاريع السياسية إلى عشرات الاقتراحات المتعلقة بالعمل التنموى فى قطاعات مختلفة من المجتمع المصرى وتأكيدات خاصة بمحاربة الفساد والمحسوبية، ووعود بدفع الضرائب من أصحاب المهن الحرة. أما الفنانون والكتاب فيمرون بحالة شبق إبداعى غير عادى، كل منهم يريد أن يمسك بفرشاته أو قلمه أو آلته الموسيقية كى يبدع لبلده أجمل ما لديه وبأقصى طاقاته الابداعية.

وعندما تفحصت الانترنت وجدت إعلان عن إنشاء حزب يدعى «25 يناير». فأرسلت لهم رسالة إلكترونية أطلب فيها معرفة البرنامج. تلقيت فى البداية ردا قصيرا مفاده أنه تم نشر البرنامج المبدئى على الانترنت فطلبت عنوانه الالكترونى. وبعدها تلقيت هذا النص:

« شكرا جزيلا على تطوعك للانضمام معنا لمستقبل افضل لمصر وطن واحد لنا جميعا.. وطن افضل سيتم الابلاغ قريبا على كيفيه الاشتراك والانضمام والشروط المطلوبه وكل التفاصيل الاخرى نحن حاليا بمرحاه صياغه مبادىء الحزب والعمل على برامج لكل قطاع من حياة المصريين ونرجوا اذا كان لك اى رؤيه سياسيه او فى اى مجال ان تشاركنا بها فى مل لايتعدى سطرين لكثافه الخطابات الوارده شكرا مره اخرى بالنسبه للمؤسسين نحن نقبل اى شخص عادى ذو رؤيه واقعيه للمستقبل مبنيه على ارقام وبيانات واقعيه لعمل برنامج يمكن تحقيقه فعليا وان لا يقل العمر عن 24 عام ولا يشترط ان تكون سياسيى او اقتصادى لاننا نحتاج إلى اشتراك كل الخبرات فى الحياه اليوميه لتأسيس هذا المجلس بتوازن وشرط العمر للمؤسسن فقط انما للاعضاء سيكون مفتوح. شكرا جزيلا».

بالطبع صدمت صدمة كبيرة وكأن أحدهم ألقى على وجهى دلوا من الماء. فهناك عشرات الأخطاء الإملائية والنحوية واللغوية فى 132 كلمة، لا توجد فصلة أو نقطة، كتابة نرجو بالألف فى نهاية الكلمة هو أمر غير مقبول لطالب فى المرحلة الابتدائية. والطامة الكبرى المضحكة والمبكية هى الطلب الغريب فى أن يشاركهم من يمتلك رؤية سياسية أو غير سياسية رؤاه فى مل (رسالة إلكترونية على أرجح التقديرات) لا يتعدى سطرين. أتساءل كيف يمكن لشخص أن يتقدم بإضافة أو اقتراح فى برنامج حزب سياسى دون أن يعرف الاطار الفكرى والمنهجى والفلسفى لهذا الحزب، دون أن يعرف توجهه الفكرى فى المجالات السياسية الداخلية والخارجية وكذلك فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية؟ كيف يمكن لمن يمتلك هذه الرؤية السياسية أن يتقدم بتصور فى حالة معرفته وموافقته على الإطار الفكرى فى سطرين فقط؟ هو أمر يدعو للتأمل والتفكير ولا أريد الإطالة فى تقديرى للأمر، ولكنه فى نهاية الأمر لا يدعو إلى الإحباط.

بعدها تلقيت بيانا عن الشروع فى تأسيس حزب جديد لليسار المصرى. هذه مقتطفات منه: «جاء هذا البيان استجابة للنداء الذى وجهته مجموعة من اليساريين المصريين فى 10 فبراير إلى كل القوى اليسارية فى مصر لتوحيد صفوفهم وتجميع قواهم فى حزب جديد يمثلهم.

قد اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة تمثل فيها العناصر الشبابية اليسارية تمثيلا قويا، وعلى أن يكون الدكتور إبراهيم العيسوى منسقا لهذه اللجنة ومتحدثا باسمها، وتتولى هذه اللجنة إصدار الإعلان عن البدء فى تأسيس الحزب الجديد، وتحضير مشروع وثيقة أولى بالمبادئ الرئيسية والنقاط البرنامجية للحزب، ومشروع وثيقة ثانية تحدد عددا من المبادئ التنظيمية. وقد تشكلت ثلاث لجان فرعية تتولى مهام الاتصال واجتذاب العضوية، ومهام الدعاية والإعلام، ومهام إعداد مشروعات الوثائق المشار إليها سابقا وسوف تواصل اللجنة التحضيرية اجتماعاتها، تمهيدا لعرض هذه الوثائق على المجموعة التأسيسية، ولمباشرة الاستعدادات اللازمة لانعقاد المؤتمر التأسيسى للحزب الجديد. كما ستوالى اللجنة التحضيرية إصدار بيانات وفق تطور العمل وتطور العملية الثورية الجارية». بالطبع بيان لا غبار عليه لغويا ومنهجيا وفكريا. فاليسار المصرى لديه خبرات سياسية طويلة. ثم قرأت بعدها مشروعا لتأسيس حزب ليبرالى.

نحن نعيش حالة رائعة من الغليان لتدشين حياة سياسية مصرية جديدة، كان الواقع السياسى محروما منها لعقود طويلة. طريق جديد يندفع إليه عدد كبير من المصريين وهم فى حالة سعادة فائقة. يشعر الجميع أنه قادر على بناء دولته بفكر جديد وروح جديدة. علينا استكمال مسيرة النضال نحو حياة سياسية حرة وديمقراطية، علينا الضغط الدائم على القائمين على الأمر كى لا ينسوا أننا ــ شعب مصر ــ قد قام بثورته وأنه سوف يستكملها حتى يحصل على جميع حقوقه.

خالد الخميسي  كاتب مصري