انتهى الدرس - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتهى الدرس

نشر فى : الأحد 19 سبتمبر 2010 - 10:44 ص | آخر تحديث : الأحد 19 سبتمبر 2010 - 1:19 م

 انتابنى شعور بالعار تضافر مع مشاعر غضب وأنا أطالع الصورة المعدلة التى نشرتها الأهرام بعد أن تدخلت بجراحة تجميلية للصورة الأصلية المملوكة لوكالة اسوشيتدبرس. كان أوباما يسير فى المقدمة على سجادة حمراء داخل البيت الأبيض وعلى يمينه نتنياهو وعلى يساره أبومازن، وعلى يسار أبومازن كان يسير الملك عبدالله وعلى يمين نتنياهو وفى المؤخرة كان يسير الرئيس المصرى حسنى مبارك. وكان هدف مؤسسة الأهرام من عملية تغيير الصورة هو تعديل موقع الرئيس المصرى ووضعه فى مقدمة الركب بعد أن كان فى ذيل الركب فى الصورة الأصلية، فأصبح الرئيس المصرى يتقدم الجميع ومن خلفه أوباما وأبومازن وفى الخلف يسير نتنياهو والملك عبدالله.

بداية تغيير صورة مملوكة للغير يعد جريمة وتعديا على حقوق الوكالة المالكة للصورة. ثانيا: التزوير بتغيير صور يعد انتهاكا صارخا لشرف مهنة الصحافة ويجب على نقابة الصحفيين اتخاذ الإجراءات النقابية المعتادة ضد المؤسسات التى تنتهك شرف المهنة. ثالثا: الكذب والنصب على الناس بهذه الطريقة السافرة فى هذا العصر الرقمى الذى نعيش فيه والذى يتم خلاله عرض كل شىء على شبكة الانترنت هو إما جهل مطبق بطبيعة العصر أو عدم اكتراث مطلق بالشعب المصرى وبالعالم وبردود الفعل على ارتكاب مثل هذه الجريمة ويكون الوضع فى هذه الحالة هو أن مغازلة الرئيس هو الهم الوحيد للقائمين على الأهرام. (أعلم أن هذا الأمر يعد من البديهيات ولكن كل مرة أواجه هذه البديهية أشعر بالإهانة). ثالثا: تعكس هذه الصورة المعدلة الطبيعة الديكتاتورية للنظام. نظام حاكم يغطى ضعفه بسلسلة من الأكاذيب وعمليات التجميل والترقيع وإضافة الرتوش على الصورة الحقيقية المرعبة التى نعيشها.

أمام قتامة مواجهة الكذابين وفظاعة الشعور بالخزى، أضحكنى صديق لى ــ يعمل فى مجال تصميمات الجرافيك ويجيد بالتالى التعامل مع برنامج «فوتوشوب» الذى قام مصمم الأهرام باستعماله للقيام بجريمته ــ عندما قال لى إن المحزن أيضا أنهم رغم إتقانهم لفن الكذب منذ عقود طويلة فإن أداءهم فى تعديل الصورة سيئ للغاية. حينها بدأنا نسير معا داخل سيناريو افتراضى لما يمكن أن يكون قد دار فى عقل مصمم جرافيك الأهرام أثناء قيامه بعملية التزوير.

عندما تلقى مصمم الجرافيك أمرا من رئيسه بوضع الرئيس مبارك فى مقدمة الركب. قرر أنه أولا: عليه عمل بعض التعديلات على صورة الرئيس للابتعاد عن شبهة التزوير. ماذا أعمل؟ قرر أن يعكس صورة الرئيس المصرى مبارك وهو ما يطلق عليه Flip horizontal ففى حين أن القدم اليمنى فى الصورة الأصلية هى المتقدمة نجد أن القدم اليسرى فى الصورة التى قام بتعديلها هى التى فى الأمام، وبنفس الطريقة نجد الكرافتة مائلة ناحية اليمين فى الأصل ومائلة ناحية اليسار فى التقليد. تصور المصمم أنه بهذه الخاصية المتاحة فى البرنامج يكون قد سلم من شبهة التزوير بالتعديل فى الصورة.

ثانيا: وجد المصمم أن الحل الأمثل هو طمس معالم المكان. فهناك أعمدة ومقعد وشكل بلاط محدد، فكر أنه يجب عليه حذف كل ذلك من الصورة بحيث لا يظهر غير القادة والسجادة الحمراء. ثالثا: هناك مشكلة الخيال. كيف يمكننى اللعب فى الخيال وقد قمت بتعديل الأماكن؟ قام المصمم بمسح كل الظلال فى الصورة الأصلية وقام بوضع ظل للرئيس مبارك وظلال لأبومازن والملك عبدالله ولم يضع ظلالا لمعسكر الأعداء. وهنا قرر عمل ظل ملاصق لجسد ورأس كل شخص فى الصورة بأداء سيئ للغاية، أداء هواة. رابعا: عندما قرر المصمم قطع السجادة الحمراء من أعلى، اضطر إلى قص ولصق أبومازن ونتنياهو. هنا قام بقص crop أجسادهم حيث إن رءوسهم قد تخطت فى الصورة التى يقوم بترقيعها الحاجز الأعلى للسجادة. وهنا قام بأصعب مهمة وقعت على عاتقه وهو وضع أبومازن خلف الرئيس مبارك.

فلو تأملنا مليا الكتف اليمنى لأبومازن نجد أن المصمم فشل تماما فى أداء مهمته باحترافية فقد اضطر إلى تشويه ذراع أبومازن اليمنى تماما. خامسا: لعب المصمم فى الـbrightness والـblur والـ contrast بحيث أفقد الصورة تماما طبيعيتها، وجعل أحمر السجادة فاقع اللون والوجوه محمصة وكأنها قد تعرضت لإشعاع نووى.

لا أعلم على وجه اليقين إذا كان الدرس انتهى وأدرك الكذابون أنهم يجب أن يغيروا منهج الأكاذيب فى العصر الرقمى. لا أعلم إذا كان من الأفضل أن يكون التزوير والتضليل بهذا السوء كى ينكشف أمرهم أمام الجميع، لا اعلم إذا كان من المنطقى أن نطالب قادة المرحلة بالتعقل والابتعاد عن الضلال ومواجهة الواقع، ولكن ما أعلمه يقينا أن ما نواجهه يوميا هو أمر مهين.

خالد الخميسي  كاتب مصري