(شهوة) السياسة و(القبض) على الصحافة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 10:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(شهوة) السياسة و(القبض) على الصحافة

نشر فى : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:30 ص

 تعيش الصحافة المصرية منذ سنوات ليست بالقليلة، حالة من التشتت بين واجبها المهنى وبين ما يفترض أنه دور سياسى.

وسط مساحة التشتت هذه، غابت معايير مهنية كثيرة واختفت تقاليد صحفية، كانت راسخة، حتى بات هناك من يحاسب الصحف على أنها أحزاب أو معبرة عن تيارات سياسية.. بل هناك من يعاتب الصحف على بعض مواقفها تجاه قضايا سياسية غابت عنها صياغات مفضلة لهؤلاء.. بينما لم نعد نسمع أى أصوات تعترض على هيمنة السياسة على المعايير المهنية المتعارف عليها.. وباتت بعض قيم المهنة يتيمة لا تجد من يسأل عنها أو يطمئن على وجودها..

هذه المتوالية المزدوجة، ساعدت على غموض دور الصحف ووظيفتها خلال الفترة الماضية، وباتت الصورة غائمة تمامًا ومشوشة حتى بين أبناء المهنة ذاتها. فالذين يقفون فى صفوف معارضة نظام مبارك يستنكرون نشر ومتابعة أخباره بشكل بارز حتى لو كانت هذه الأخبار هى الأخبار العاجلة والمهمة.. وكذلك أخبار الحزب الوطنى الحاكم وكأنه من المفترض أن يحكم حزب بلدا ولا تكتب عنه صحيفة أى خبر.. فأى منطق هذا؟

فى المقابل.. الذين يجلسون بجوار مقاعد النظام الحاكم يستنكرون وبشدة أن تحتل أخبار محمد البرادعى أو من يدعمه المساحة التى تستحقها من وجهة النظر المهنية، ويلومون الذين يبرزون أنشطته، بدعوى أنه بلا سند أو شرعية، ويطالب بما يخالف النظام السياسى الحاكم.

وكلا الفريقين يطلب من أى صحيفة أن تتبنى مواقفه وتصرخ بصراخه ولصراخه.. وتخرس حينما يكون الخرس مطلوبًا ولا تفتح فمها حينما يكون الصمت مطلبها.. وكلا الفريقين، طوال الوقت، يبحث عن الدور السياسى للصحيفة حتى لو على حساب المهنة، بل المطلوب أن تدوس السياسة على المهنة حتى تتحقق أهداف ومطالب كل فريق.

أكيد أننا نعلم أن السياسة فعل مغر، ومثير لشهية الصحافة والصحفيين، وهذا الإغراء يصل دومًا ــ وسط تشجيع الجماهير المكبوتة ــ إلى أن تنساق الصحف لاتخاذ مواقف سياسية لا تقتنع بها، بل من أجل نفاق الجماهير ضاربة عرض الحائط بجميع التزاماتها المهنية، وواجباتها الصحفية، وللأسف تكون معظم هذه الأفعال تحت دوافع تجارية بحتة.

وسط هذا المشهد المرتبك، اختارت «الشروق» أن تكون صحيفة مستقلة بحق، حتى لو كان وصف مستقلة يزعج البعض، لكن هذه هى حقيقة الأمر، صحيفة «خاصة» فى التمويل «قومية» فى التوجه لا يحركها تجاه أى قضية سوى الدافع الوطنى، وهناك فارق كبير بين دعم الدولة بمفهومها الشامل، والاعتراض على حكومة من المفترض أنها تحكم لبعض الوقت وترحل، ومن حقنا محاسبتها سلبًا وإيجابًا، وهذا لا يعد خروجًا عن الثوابت الوطنية التى نضعها إطارًا عامًا لسياستنا التحريرية، أما السياسة فهى بطبعها، خلافية وغير متفق عليها، وهنا اخترنا المهنة فقط، فنحن ننشر ما ينبغى أن ينشر (من وجهة نظرنا بالطبع) لا ما يحب البعض أن ينشر.. وربما هذا هو بدء الخلاف ومنتهى الاختلاف.

«الشروق» عبر أكثر من أربعمائة عدد، فعلت ذلك بمنتهى المصداقية سواء فى قضايا خارجية كبرى مثل الغارة الإسرائيلية على السودان، أو فى نشر البيانات التى كشفت رغبة البرادعى بالمشاركة فى الحياة السياسية المصرية، أو حوارات خاصة مثل ذلك الحوار الذى أجريناه مع عمرو موسى وألمح فيه عن رغبات سياسية ما، وإلى كشف ما يدور فى الحزب الوطنى، أو ما يحدث فى جماعة الإخوان المسلمين.. أحيانًا يغضب الجميع مما نكتب، وهذا لا يزعجنا، لأننا لا ننزعج إلا عندما يغضب القارئ.

مؤخرًا كتبنا عن صحة الرئيس وانفردنا بالأخبار وصدق كل ما كتبناه.. وانزعج البعض، ونشرنا ما دار فى مؤتمر ائتلاف الأحزاب بدقة، فاتهمنا بعض قادة الأحزاب بالتآمر عليهم.. لأننا كتبنا ما ينبغى أن يكتب لا ما يفضلون هم أن نكتب، إذا كانت هذه الأحزاب تبحث عن صحافة تدللها وتتبنى مواقفها فعليها أولا أن تبحث عن جماهير حتى تصبح أحزابًا بالمفهوم السياسى المتفق عليه.

فى كل هذه القضايا، كانت «الشروق» غالبًا هى مصدرا أساسيا للصحافة العالمية من النيويورك تايمز، والواشنطن بوست فى أمريكا إلى الجارديان والفايننشيال تايمز فى بريطانيا.. والليموند فى فرنسا، وليس فقط قصصنا الإخبارية أو تحليلاتنا لبعض القضايا ولكن أيضًا بعض المقالات التى نشرناها وطلبت بعض هذه الصحف إعادة نشرها.

ورغم إحساسنا بأهمية ما ننشر ويكفينا دومًا القارئ أو ردود الفعل القيمة التى نحصل عليها من الداخل وليس لدينا أى أحاسيس بالانسحاق تجاه «الأجنبى» إلا أن ما ينشر فى هذه الصحف العالمية هو شهادة بالطبع لصحيفة مازالت فى بدء عامها الثانى. وحينما نشرت «فورين بوليسى» أمس الأول مقالا لباحث سياسى مهم هو ناثان براون تحت عنوان «من يحكم مصر؟» اعتمد المقال عما نشر فى «الشروق» فقط وللحق فإن ناثان، وهو أستاذ للعلوم السياسية فى جامعة جورج واشنطن، كشف وهو يكتب عن نظام الحكم فى مصر عن أهمية ما تنشره «الشروق» وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التى تعتمد فيها هذه المجلة الأمريكية الكبيرة على ما ينشر فى صحيفتنا.

حينما تطرح سؤالا صعبًا، مثلما قالت فورن بوليسى، من يحكم مصر فى غياب مبارك؟ وعندما تتحدث عن أزمات مؤتمر ائتلاف الأحزاب، أو تعترض على بعض ممارسات الجماعات والجمعيات الاحتجاجية، هذا لا يعنى أننا ضد الجميع لكنه يعنى شيئا واحدا فقط هو أننا ننشر ما يجب أن يعرفه القارئ ولن ننساق تحت أى شهوة سياسية أو تجارية لإزاحة المعايير المهنية التى اخترناها كصلب لسياستنا التحريرية التى لن نحيد عنها، سنظل نفعل ذلك حتى لو لم نحصل على ما نستحقه من تقدير، ولن يغرينا إشادة صحافة عالمية كبرى بنا.. فالقابض على المهنة فى صحافة هذه الأيام، كالقابض على الجمر، ولو كره السياسيون والمشتهون.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات