بيزنس الأيتام - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيزنس الأيتام

نشر فى : الأحد 18 أكتوبر 2009 - 10:32 ص | آخر تحديث : الأحد 18 أكتوبر 2009 - 10:32 ص

 لم أقرأ أبدا إحصائيات رسمية عن عدد الأيتام فى مصر. لم أقرأ كذلك دراسات ميدانية وإحصائية عن الملاجئ الحكومية أو الخاصة فى مصر وعن أعداد الأيتام فى كل دار أو دار إيواء أو ملجأ حسب المسميات المختلفة التى تعطى لمراكز إيواء الأيتام. قرأت يوما فى جريدة رسمية أن هناك 2000 ملجأ موزعة على الجمهورية، ولكن لم يكن فى المقال ذكر لعدد الأيتام فى كل واحد من هذه الملاجئ. ولكننى رغم عدم معرفتى هذه فإننى كنت أتصور أن عدد الأيتام فى مصر كبير وكبير جدا. من المحتمل أننى تأثرت بحملات «اكفل يتيم» التى استمرت لسنوات وكانت تنشط نشاطا عظيما فى شهر رمضان. ومن المحتمل أننى تأثرت بعدد كبير من الحكايات التى سمعتها عبر حياتى عن الأطفال الذين يتم التخلى عنهم فى الشوارع المظلمة.

صديق لى ركب سيارته فى ليلة ليلاء، جاءه إلهام من السماء أن يترجل لينظر أمام سيارته فقد كان قد شك فى وجود حجر أو ما شابه، فإذا به يفاجأ برضيع ينام أمام إطار السيارة الأمامى الأيمن الملاصق للرصيف. أخذ الطفل واتجه من فوره إلى قسم الشرطة ولاحظ فى أثناء مغادرته القسم علامات الفرحة ترقص فى عين من تسلمه هناك. قصة أخرى مريرة مرت على فؤادى فجرحته جرحا غائرا، وملخصها أن فتاة تنتمى إلى الطبقة المتوسطة، محدودة الذكاء أحبت وهى فى الثانوية العامة شابا أهوج، غرر بها وتركها وهى حامل. لم تعرف ماذا تفعل ولم تخبر أحدا. وفى الشهر الخامس ذهبت وحدها إلى طبيب نصحها بالإبقاء على الجنين وطمأنها أنه سوف يأخذ الطفل لو أرادت. ظلت فى منزلها طوال فترة الحمل دون أن يلحظ أحد من أهلها المقيمين معها فى نفس المنزل، بعد أن بدأت فى ارتداء ملابس متسعة جدا مدعية أنها موضة هذا العام!!.

وقام الطبيب فى النهاية بتوليدها مجانا وأخذ منها طفلها. عندما عرفت تفاصيل هذه القصة وتأملتها راعنى فيما تتضمن من معانى الدور الذى لعبه هذا الطبيب.

ولكن يبدو أن حكايات التخلى عن الأطفال التى استمعنا إليها أو قرأناها لا علاقة لها بواقع أعداد الأيتام فى مصر. فقد أفطرت أمس مع امرأتين شاركتا فى تأسيس دار رعاية للأيتام، وهى أحد أنشطة جمعية خيرية ينتميان إليها. قامت الجمعية بشراء قطعة أرض ثم تم بناء دار الرعاية بمواصفات علمية دقيقة لاستقبال الأيتام ورعايتهم.

ثم قاموا بتعيين مجموعة العمل الخدمية والطبية والاجتماعية. وأصبحوا جاهزين تماما لاستقبال الأيتام. وبدأت هنا المشكلة. لا يوجد أيتام فى مصر. شهر، شهران، ثلاثة، ستة. لا يوجد يتيم فى بلدنا. بدءوا فى التحرك يمنة ويسارا دون نتيجة تذكر.

تبدأ القصة من المستشفى التى يتم فيها التخلى عن الطفل. أو فى قسم الشرطة الذى يستقبل الأطفال الذين تم تركهم فى الشارع. ثم يتم تحويل هؤلاء الأطفال إلى وزارة الصحة التى تقدم لهم الرعاية حتى يبلغ الأطفال عاما واحدا ثم يتم تحويلهم إلى وزارة التضامن الاجتماعى التى تقوم بتوزيعهم على دور الأيتام المختلفة فى مصر أو على أسر لكفالة هؤلاء الأطفال. لكن وبعد زيارات عديدة للوزارة لم يفد لهذه الدار أى طفل يتيم. واستمرت الجمعية فى سداد المبالغ الشهرية لتشغيل الدار دون طفل واحد.

وبدءوا يستمعون إلى جمل كثيرة تحمل معنى واحدا: «فتح دماغك»، و«أبجنى تجدنى». وهناك من اقترح دفع مبالغ لممرضات وآخرين صرخوا قائلين إن الممرضات سوف يسرقن أطفالا للحصول على المال. وأدركوا تدريجيا أن هناك تجارة متكاملة الأركان فى عالم الأطفال الأيتام. فالحصول على طفل معناه تبرعات ومعناه تحويلات نقدية وبالتالى فيجب أن تدفع مقدما لتحصل على المراد.

هذا الطبيب الذى أخذ طفلة الطفلة التى تم التغرير بها هو جزء من تجارة منتشرة تنافس تجارة الأعضاء البشرية. فأيتام مصر أصبحوا مثل كل شىء فى هذا البلد الآمن.. بيزنس فى بيزنس.

خالد الخميسي  كاتب مصري