البربر الجدد - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البربر الجدد

نشر فى : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص

هذا عنوان مقال كتبه «لوى فرنسوا بيرتان» (1766ــ 1841) وتم نشره فى يوم 8 ديسمبر من عام 1831 فى «جورنال دى ديبا» أى جريدة الحوار بعد ثورة عمال النسيج التى اندلعت فى مدينة ليون فى يوم 22 نوفمبر عام 1831. ويعد «لوى فرنسوا بيرتان» من أشهر الصحفيين الفرنسيين فى بداية القرن التاسع عشر، محافظ ومؤيد لعودة الملكية ويمثل تاريخه صورة صارخة من زواج المال بالسياسة وتم تخليده باللوحة الزيتية المرسومة له من الفنان التشكيلى الشهير «انجر» والمعروضة فى باريس فى متحف «أورسيه». كتب يقول إن ثورة ليون كشفت سرا خطيرا ألا وهو صراع الأمعاء داخل المجتمع، الصراع بين من يمتلكون وبين من لا يمتلكون. وقد نتج عن صراع الأمعاء هذا جرح غائر داخل المجتمع الصناعى. والمتسبب فى هذا الجرح هو العمال. والمصيبة أن هؤلاء «البربر» الذين يهددون أمن المجتمع ليسوا «البربر» فى القوقاز أو فى بلاد التتار بل هم يقطنون فى شوارع مدننا. والأدهى أن عددهم داخل المصانع أكثر كثيرا من عدد أصحاب رأس المال، فالنسبة قد تصل من 1 إلى 100. وللأسف لا أستطيع أن ألقى باللوم على هؤلاء «البربر» الجدد لأنهم يرزحون تحت وطأة البؤس، فكيف وهم مسحوقون من الفقر نتهمهم بالثورة؟ فهم يسعون فى حقيقة الأمر لحياة كريمة؟ من البديهى وهم فى هذا الوضع الحياتى الصعب أن يفكروا فى التحرك ضد البرجوازية. هؤلاء العمال الفقراء هم أكثر منا قوة، وأكثر عددا، كما أننا زودناهم بالأسلحة وأكرر أنهم يعانون بقسوة من حالة بؤس مستعصية. كم يحتاجون من حكمة ومن شرف ومن صبر لكى يقاوموا إغراء الثورة. ولابد ألا ننسى أن المجتمع حرمهم من التعليم اللائق، لم يمنحهم الثقافة لتهذيبهم بل قام بتسليحهم، ويطالبهم فى آن الوقت بالصبر على حالهم.

 

لابد للطبقة التى تمتلك المال والمعرفة أن تدرك الآن أين تقف؟ فتحتها طبقات تغلى ولا تعرف ماذا تريد؟ كما لا تعرف أين تتجه؟ طبقات تريد التغيير. وهنا يكمن الخطر على المجتمعات الحديثة. سوف يخرج هؤلاء «البربر» للقضاء على مجتمعنا. ومن هذا الموقع الذى يحتله داخل المجتمع من يمتلكون، من الحتمى أن يفهم هؤلاء أين تقع مصالحهم؟ ثم كيف يدافعون عن هذه المصالح؟ وهذا الدفاع عن صالح المجتمع ككل لابد ان يرتكز على ثلاثة جوانب: وهى ألا تكون الطبقة المهيمنة مغفلة أو متسلطة أو قاسية.

 

 

تصورت وأنا أقرأ هذا المقال حوارا يدور بين من يمتلكون المقدرات اليوم، كانوا يتساءلون ولا شك: ما العمل مع هؤلاء الغوغاء الذين يريدون التغيير؟ الروشته المكتوبة لهم من قرابة القرنين من الزمان واضحة. لابد أن يتم التعامل مع هؤلاء «البربر» الذين يشكلون جرحا غبيا فى جسد المجتمع بأساليب ثلاثة لكى لا تنفجر الأمعاء الغليظة من جديد وتؤثر بالسلب على العقل السليم الذى يتصورون أنهم يمتلكونه:

 

الأسلوب الأول: بعدم غفلة، أى بحنكة ودهاء. فلابد من إجراء حوار مع الغوغاء وإقناعهم بأن من يمتلكون المقدرات هم أنفسهم من يدافعون باستماتة عن مصالحهم، وأن السياسة فى نهاية الأمر قائمة على التمثيل. فعلى الفقراء اختيار الأغنياء والحكماء للحديث باسمهم والسهر على مصالحهم، وفى ذات الوقت دفع هؤلاء الفقراء خارج الحيز العام وإرجاعهم إلى جحورهم.

 

الأسلوب الثانى: إنهاء المرحلة السلطوية، فقد كانت سبب تلبك الأمعاء. وعلى هذا يجب اتباع طريق سياسى جديد. يحمى المصالح المالية والاقتصادية المتشابكة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية ويؤسس دولة قانون محافظة، ويبنى نظاما سياسيا يكبح أى تيارات ثورية ويحتكر الحديث باسم الثورة، ويتعامل مع القوى الدولية بنفس أسلوب نظام مبارك.

 

الأسلوب الثالث: التعامل مع الفقراء بقدر من اللين. فلابد من تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء بنسبة محسوبة. والحد من الفقر وإلا هاج «البربر» مرة جديدة وعرضوا سلام المجتمع لخطر جسيم. فلو كانوا اليوم مسحوقين من قسوة العوز فيمكن أن يعيشوا على خط الفقر وليس تحته. فالقسوة خطر على المصالح المالية والاقتصادية لمن يمتلك المقدرات محليا ودوليا.

 

 

 

يبدو لى أن القوى السياسية المختلفة فى مصر الآن تتحرك وفقا لهذه الروشتة ولهذا سوف تفشل كلها، ونحن فى انتظار قوة سياسية ثورية تستطيع التحرك بانطلاق وحيوية ودون خوف وتكون ممثلة بحق لقوى التغيير لتنفيذ مطالب الثورة المصرية.

خالد الخميسي  كاتب مصري