المقاعد الخاوية - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 11:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المقاعد الخاوية

نشر فى : الأحد 17 مايو 2009 - 6:53 م | آخر تحديث : الأحد 17 مايو 2009 - 6:53 م

 جزء مهم من متعة السياسة وقوتها، أنها قادرة على صنع الإثارة والتشويق للرأى العام. وأروع ما عند الساسة، القدرة على المفاجأة فى اتخاذ القرارات دون التمهيد لها.. و أبدع ما لديهم صدمة الجماهير بما لا يتوقعون.. وهذا كله يصنع حالة درامية، غالبا ما تعجب الجماهير الذين هم فى حالة فرجة على ما يحدث فى كواليس السياسة، ويقف الإعلام بينهما يساعد ويدعم أواصر التواصل بين أصحاب «الشو» و«المتفرجين».

فى كواليس صناعة القرار، يتم التفكير بطريقة دراماتيكية حتى تستطيع جميع الأطراف جنى الأرباح السياسية والغرض من إعلان القرار، وهكذا تستمر المتعة بين أبطال «الشو» السياسى وبين جمهورهم الحبيب.. وعادة ما تتصاعد الإثارة كلما طال زمن صنع القرار.. وتتعاظم الأرباح كلما كان القرار يحمل قدرا من المفاجأة.. تماما مثلما يحدث فى المسرح، حيث يحصل البطل على التصفيق الحاد حينما يفاجىء الجماهير بما لا يتوقعونه.

«العلاوة» هى أحدث العروض التى تقدمها الإدارة الحكومية والحزبية منذ فترة ليست بالقصيرة.. عرض يتصاعد دراميا بطريقة بطيئة.. قوته كانت فى بدايته.. حيث أعلن أحدهم بجسارة أنه لا علاوة هذا العام.. هنا وقف المتفرجون على أطراف أصابعهم من حلاوة المشهد رغم الخسارة التى سيتعرضون لها.. وبعدها.. هبطت وتيرة العرض.. رغم ظهور الأبطال الأكثر شهرة وشعبية.. العلاوة 5٪، إن كانت هناك علاوة.. العلاوة 5٪ لأنه أصبح هناك علاوة.. الرئيس يبحث عن يوسف بطرس غالى ليعرف ماذا حدث فى العلاوة.. يوسف بطرس يعلن أن هناك خيارا ما بين إيجاد فرص عمل جديدة وما بين العلاوة.. خلاص العلاوة 5٪.. الحزب يشارك فى أحد المشاهد، ويقترح أن تصل إلى 8٪.. و لامانع من أن تصبح 10٪ فى المشهد الأخير بمشاركة مجلس الشعب.. وحتى تكتمل دائرة جنى الأرباح السياسية، نظيف يدرس الأمر بتكليف رئاسى حتى تصل العلاوة إلى 10٪.

أكيد أن 10٪ أفضل من لاشىء، وطبعا أفضل من 5٪.. والعلاوة تمثل أهمية كبيرة عند شرائح عديدة فى هذا المجتمع، حتى لو كانت قيمتها «كارت موبايل» كما وصفها البعض فى مناقشات العلاوة.. فالعلاوة علاوة أولا وأخيرا.. قررها الرئيس أو الحزب أو الحكومة.. المهم أن تكون هناك علاوة.. لأن الموظف المصرى مازال يتعامل مع الفلوس باعتبار أنها مهمة حينما تكون ..رقم واحد فقط (من واحد إلى تسعة)، وتكون أكثر أهمية حينما تتكون من رقمين (من عشرة إلى تسعة وتسعين).. حتى لو لم تقتنع الحكومة بأهمية الأرقام الصغيرة عند صغار الموظفين.

لكن العلاوة، وقيمتها ليست هى المشكلة، أو لم تكن هى المشكلة هذا العام، أو فى العرض السياسى لها.. لأن جمهور المتفرجين كان على علم منذ لحظة فتح الستار، وحتى إنزاله.. أن هناك علاوة ستأتى بقرار رئاسى رحيم بهم، لذا ينتظرونه من دون إثارة أو تشويق.. فقد أصابهم الملل من تكرار العرض.. وتركوا أبطال العلاوة وحيدين على خشبة المسرح، تسرى البرودة فى عقولهم، والحماس يخاصم أداءهم.. تركوهم بلا تصفيق أو بأى إحساس بأى نجاح سياسى أو حتى غير سياسى، تركوهم دون أن يمنحوهم ما كانوا يبحثون عنه عبر هذه المسرحية المتكررة.

غياب المتفرجين عن اللعبة السياسية، خطر يجب أن تلتفت له الحكومة، ومأزق يجب أن يخرج منه الحزب الوطنى.. لأن ذلك بداية عزلة النظام عن الشعب.. فنحن لا نعترض على قواعد اللعبة، لكننا فقط نريد إتقانا للعمل، وإبداعاً فى العرض ، وإمتاعاً فى المتابعة.. حتى تبقى الجماهير فى مقاعدها تتابع عبث ما يحدث فى مصالح العباد.. فبصراحة السياسة أطعم وألذ ــ عند الكثيرين ــ من خبز العلاوة وطبيخها «الأرديحى».. فابحثوا لنا عن مسرحية جديدة تعيد المتفرجين إلى المقاعد الخاوية.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات