عقدة العقدة وارتباك الاشتباك - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقدة العقدة وارتباك الاشتباك

نشر فى : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 6:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 فبراير 2009 - 6:15 م

 قد يبدو الأمر بسيطا وسهلا، وغير مؤثر.. وقد يبدو أيضا أنه يهم السادة الأغنياء ورجال الأعمال الذين يعشقون الاقتراض «بعضهم يعشق الاقتراض ويعشق الهرب بالأموال خارج البلاد».. أما الفقراء الذين لهم الله، فيبدو الأمر بالنسبة لهم من القضايا الكمالية والأفكار الترفيهية.

الأمر البسيط السهل الذى أتحدث عنه هو قيام البنك المركزى المصرى بخفض سعر الفائدة بنسبة 1٪ وهو خفض لو تعلمون كبير وخطير حتى لو كان مجرد واحد.. كما علق الكثيرون.

والمعنى لمن لا يعلم.. أن تخفيض سعر الفائدة هو مؤشر لتشجيع الاستثمار.. وفى ذات الوقت يفك أسر القيود على تحريك الأسعار «لأعلى طبعا لأن الأسعار فى بلادنا لا تعرف الانخفاض»..

والمعنى الآخر من تخفيض سعر الفائدة، أو للدقة المعنى الخفى لهذا التخفيض أن هناك من انتصر فى اشتباك عنيف يدور فى الخفاء كثيرا، وفى العلن قليلا.. والانتصار كالعادة، فى كل الاشتباكات التى تدور على أرض مصر منذ سنوات، جاء لصالح الأقلية الغنية على حساب السادة الفقراء الذين لهم الله.. ولا تفكر الدولة فيهم كثيرا أو قليلا..

فقط تتحدث عنهم بروعة فى جميع وسائل الإعلام، وتضعهم فى صدارة بياناتها، وتجعلهم حجة قراراتها.. ودائما ما يكون الأمر فى عكس الاتجاه «أتمنى أن يتم تطبيق قانون المرور على الحكومة حينما يتم ضبطها وهى تسير فى عكس اتجاه مصلحة المواطن».

صاحب قرار التخفيض هو السيد فاروق العقدة، وأنا انحاز له من دون سابق معرفة، وانحاز دوما لقراراته وأشعر أنه واحد من قلائل يدافعون عن فقراء هذا الوطن، وأنه رجل يبحث عن مصلحة بلاده، وهو بحق جدير بالجلوس على مقعد محافظ البنك المركزى..

كنت أعرف جيدا ماذا كان يفعل الرجل وهو عضو فى مجلس إدارة شركة مصر للطيران.. لكن انحيازى له كان أكبر من انحياز مراقب لرجل مخلص فى عمله ومشهود له بالكفاءة فى كل الأعمال التى تولى إدارتها.. حتى عرفت أنه من بين الرجال الذين شاركوا فى صنع نصر أكتوبر 1973.. وقتها تأكدت أن مواقفه الوطنية جزء من تكوينه وأن مصلحة مصر عقيدة أصيلة، لا وطنية تصريحات، ولا فخر للاستهلاك فى المؤتمرات وصياغة البيانات الصحفية.

والعقدة.. خلال الفترة الماضىة، كانت بمثابة «العقدة» أمام بعض من رجال الأعمال، الذين راودوا الحكومة طويلا، بدعوى تشجيع الاستثمار، من أجل تخفيض سعر الفائدة.. والرجل العقدة يرفض ويقاوم.. حتى أنه قال ذات مرة: «مش علشان عشرة رجال أعمال.. أخفض سعر الفائدة»، فهو يرى صراحة أن تخفيض سعر الفائدة سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار على محدودى الدخل، بينما يستفيد كثيرا نفر قليل من رجال الأعمال بهذا التخفيض.. نفر يبحث عن السيولة عبر الاقتراض..

طبعا الرجل لا يقاوم تشجيع الاستثمار.. بل صنع آلية موازية لفعل ذلك.. فقط يحاول كبح جماح الأسعار.. وقبل أيام قليلة من إعلان قرار خفض سعر الفائدة.. أشارت مصادر حكومية عديدة أنه لا تخفيض فى سعر الفائدة.. حتى كان اجتماع الخميس الماضى لمجلس إدارة البنك المركزى (4 ساعات ساخنة تكشف أن فى مصر رجال يخافون عليها رغم القرار الذى صدر) ليحسم الأمر ويعلن انتصار نفر من رجال الأعمال، وفك عقدة العقدة. ونهاية اشتباك عنيف مع رجل مخلص.

وقد يبدو الأمر معقدا، على مسمى بطل هذا المقال، لكنه فى تقديرى أبسط بكثير، ففى مصر الآن حالة من الارتباك فى جميع الاشتباكات.. المصالح مختلطة اختلاط الزيت بالماء «الماء لا يختلط بالزيت لكن الفراعين الجدد استطاعوا قهر العلم وفعل ذلك»، مصالح لايمكن أن تختلط.. مثل الزيت والماء.. كذلك الاشتباكات.. الدولة تشتبك أحيانا مع الدولة.. والمواطن يشتبك مع المواطن..

الملط «رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات» يشتبك مع عثمان محمد عثمان «وزير التنمية المحلية».. الملط يقول إن عثمان لا يعرف.. وحكومة عثمان تقول إن الملط يرغب فى مقعد نظيف.. ووزير الزراعة خبير فى الأوراق المالية حينما جاء اسمه فى قضية البوشى «لم أره منذ توليه وزارة الزراعة يتحدث فى أمر من أمورها بهذه المهارة والدقة والمعرفة العميقة»

وذهب أباظة لوسائل الإعلام لدحض موقفه فى قضية البوشى الهارب وتباطئ كثيرا حينما كان القمح فاسدا وغير صالح للاستخدام الآدمى. والدولة تشتبك مع بنوكها حلا لمشكلة عقارية سببتها شركة إماراتية.. البنوك رضخت للدولة.. وداماك استراحت قليلا.. وحاجزوا القصور اطمئنوا وأرض المصريين تباع وتشترى وكأنها فيلم سينمائى بات كلاسيكيا «أبيض وأسود» علينا أن نشاهده كثيرا.

حتى القوى السياسية التى تعارض الحكومة، تشتبك مع بعضها لصالح الحكومة (تفعل هذا ولا أعرف بقصد أو من دون قصد).. الإخوان يشتبكون مع الوفد.. ولإخوان يشتبكون مع الإخوان.. والوفد يشتبك مع الوفد.. (مازالت أصوات لعلعة الرصاص فى الدقى تدوى فى مقر الحزب القديم).. والجماعات الإسلامية تشتبك مع فتاوى الجماعات الإسلامية.. الأمن يرعى الاجتهادات الفكرية والفقهية.. والأزهر يشتبك مع جبهة علمائه بسبب مصافحة مع بيريز.. والصيادلة يشتبكون مع الجميع حتى مع المواطن بحثا عن حقوق مسلوبة!


ولكل هذه الارتباكات فى الاشتباكات.. أشعر أن هناك مسئولية علينا لتقف مع العقدة فى وجه الذين يريدون الاشتباك مع عقدته.
وسلام على رجل حمل السلاح لكرامة تراب وطنه.. وحمل الأمانة لحماية حقوق فقرائه.
لفاروق العقدة تحية واجبة.. واحترام لازم.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات