ترشيح البرادعى وتعديل الحكومة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترشيح البرادعى وتعديل الحكومة

نشر فى : الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 9:16 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 9:16 ص

 نفهم جيدا، بل واعتدنا، على عدم جدية الحكومة فى التعامل معنا، وكأن لا وجود لنا أو أهمية، فقط هى تفعل أحيانا، ما تراه ضروريا لإسكاتنا، وترضيتنا، بقرارات عابرة على أساس أنها تنصت للرأى العام وتحترم مشاعره مثلما فعلت فى قرارها بإقالة وزير النقل محمد منصور بعد حادث قطارى العياط، وربما يكون لها فى القرار مآرب أخرى، لكن ما حدث بعد إخراجه من الوزارة هو الهزل بعينه، هو عدم الجدية الكامل، بل العبث السياسى أيضا، فقد تواترت الأخبار عن تعديلات وزارية ما بين أربع وثمانى حقائب، على الرغم من عدم وجود ضحايا أو بقع دماء فى عمليات ومشروعات تابعة لهذه الحقائب الوزارية، حتى حقيبة النقل أصبحت فى خلفية مشهد التعديلات، وتقدمت حقائب مثل التعليم والعدل والزراعة لواجهة التعديل، وسيطرت أسماء على حركة التعديلات وأن الأمر مجرد ساعات، ثم اختفى التعديل واختفت الأسماء، بل اختفى رئيس الوزراء نفسه وهو المعنى بهذه التعديلات فجأة.. ولم تعد هناك مقابلات أو اجتماعات أو حتى تسريبات من مجلس الوزراء حول موعد التعديل الوزارى، وبقى يونس وزيرا للنقل إلى جانب الكهرباء، أى فعليا صارت النقل بلا قائد، وصارت الوزارة بلا أخبار أو قيادات، أو حتى اعتذار للشعب عن إرجاء موعد هذا التعديل، وهذه هى الحدود الدنيا لاحترام الرأى العام، ومع ذلك لا تشغل بال السيد رئيس الوزراء.

أما الذى لا أفهمه، لماذا يسكت الرأى العام، ويصمت أمام عدم احترام الحكومة له، وعدم وضعه فى الصورة، وكأن أمور هذه التعديلات شأن داخلى تخص بعض الأشخاص يملكون شركة يديرونها لحسابهم، شركة لا شأن لنا بها، وكأن على الرأى العام السمع والطاعة ومتابعة الأجندة، التى يرغب بعض السادة فرضها علينا دون أى حق لنا فى مناقشة موضوعاتها، أو الجدل حول مواعيدها، وأصيب الجميع بالخرس: الحكومة والإعلام حكومى وخاص، وقبلهم قمة النظام السياسى.

هذا الصمت يبدو هو الخطيئة الكبرى، التى نمارسها جميعا، لأنه على ما يبدو أن هناك استفادة جماعية، حكومة معارضة، من هذا الإيقاع البطئ، الذى تمضى فيه الحياة السياسية المصرية.. فالذين يقفون فى صف الحكومة فى حالة استفادة دائمة من هذا الثبات، وبالتالى تكون الحركة أو السرعة فى اتجاه معاكس لمصالحهم،

فالتعديل الوزارى المحدود هو حركة سياسية بطيئة تحقق مجموعة من الأهداف فى أولها ضمان بقاء رئيس مجلس الوزراء فى مقعده عدة أشهر إضافية، وبالتالى تبقى مصالح من حوله مؤمنة عدة أشهر أيضا، على العكس تماما من التغيير الشامل للحكومة، الذى يعكس نزعة ثورية فى اتجاه التغيير، كما يعكس السرعة فى اتجاه تحسين الأوضاع، وضخ أفكار جديدة فى حركة الأنشطة المرتبطة بمصالح المجتمع، والمؤسف أن هذا ما تتحاشاه الحكومة دائما، وتفضل التعديلات المحدودة، على طريقة تعديل وزير «الرى» أو إضافة وزارة «السكان».. حتى تحافظ على الحركة البطيئة للنظام السياسى فيتجنب أى حوادث محتملة، على طريقة قطار العياط.

حتى السادة الذين يقفون على الجانب الآخر من النظام والحكومة، أو نعتقد نحن أنهم يقفون فى مواجهة النظام والحكومة، فعلى ما يبدو أنهم أيضا استقروا فى مناطق مصالح سياسية وغير سياسية، مصالح مضمونة فى ظل الحركة البطيئة للأداء السياسى للحكومة، وأنهم يشعرون بالخوف من هز هذا الاستقرار، أو من أى حركة سريعة أو مفاجئة من النظام السياسى.

المشكلة، أن هذا البطء الذى يقترب من الثبات، دفع الحياة العامة فى مصر إلى الركود الآسن الذى سبب نوعا من العفن داخل جسد المعارضة، وزاد من مرضه وأظهر عرضه «عرض المرض» وما يحدث فى الأحزاب المختلفة أو حتى الحركات الاجتماعية مثل «كفاية» خير دليل على تمكن العفن من جسد هذه الأحزاب والحركات، وإن كان هناك فارق مهم.. فالأحزاب يكفلها النظام ويضعها طوال الوقت على أجهزة التنفس الصناعى، فيحميها من طلوع الروح وإعلان الوفاة، وإن كان يملك ذلك فى الوقت الذى يريده «مثل حالة حزب الغد»، بينما الحركات الاحتجاجية غير مشمولة بهذه الرعاية، وبالتالى هى الأقرب إلى التحلل من جراء العفن السياسى، وتقف على حافة الحل مثل كفاية، أو التشرذم مثل الحملة المصرية لمواجهة التوريث.

أما المشكلة التى لا يفهمها النظام، ولا تدركها الحكومة، أن عدم الجدية فى التعامل مع الرأى العام، وعدم الإسراع بخطوات سياسية حقيقية لتحريك الحياة فى مصر سيوجد فورات داخلية مكتومة غير منضبطة ستكون وقودا سريع الاشتعال فى أى لحظة لحالة من الفوضى.

الأكيد أنها ستكون فوضى غير خلاقة، لأنها ستخرج من مناطق بلا أفكار أو إبداعات، وستحركها قوى غير واعية بطبيعة الدولة ووظيفتها، إلى جانب أن كل ذلك سيحدث مع منظومة شديدة البطء، لذا ستكون النتائج قاسية على الجميع، وبالتالى يجب أن تكون الدولة، أو بعض أقطابها على وعى، وإدراك لأهمية وجود قوى معارضة بأى شكل من الأشكال، لأن هذه القوى بطريقة أو بأخرى، ستكون مراقبة للأداء الحكومى، على خلاف قوى الفوضى التى ستكون معاقبة للنظام، فالمعارضة الحقيقية المخلصة يهمها هذا الوطن فى نهاية الأمر ويدركون خطورة الفوضى، كما ندرك نحن خطورة الاستقرار الفاسد والحركة السياسية البطيئة، فكلاهما البطء والفوضى، وجهان لعملة واحدة لا تصلح لضرورات الإصلاح فى مصر.

وفى المقابل أتفهم جيدا رفض ومقاومة الحكومة والنظام وأنصارهما لوجود اسم مثل الدكتور محمد البرادعى على سطح الحياة السياسية، ففكرة احتكار السلطة تلفظ وبشدة طرح أى أسماء من خارج الدوائر، التى تفهم وتتفهم مصالحها بل تحميها وربما توافق ضمنيا على ممارسات فاسدة رغم إعلان اعتراضها على مثل هذه الممارسات، والمتابع لبعض الصراعات الآن داخل منظومة الحكم الواسعة «الرئاسة، الحكومة، الحزب» يكتشف بسهولة حجم الصراع بين الذين يمارسون الفساد والذين يقاومونه، وبين الذين يغضون الطرف عن الفاسدين، والذين يطالبون بإبعاد كل فاسد عن أى موقع سياسى أو حكومى، وهذا ما نسميه بمحاولات الإصلاح من الداخل، لذا يبقى كل هذا مفهوما، حينما ننظر إليهم من الخارج بزاوية الحياد والمراقبة.

أما غير المفهوم، بل ويدعو للجنون، هو ما تفعله بعض القوى، وما تقوله بعض النخب، وما يعلنه نفر من المعارضة حول عدم حماسهم لاسم مثل الدكتور محمد البرادعى ويثار حول احتمال ترشحه للرئاسة، فهل يصدق أحد أن تسارع بعض الشخصيات المعارضة بإعلان ترشحها للرئاسة لقطع الطريق على البرادعى؟! أو يصدق أحد أن يقول قيادى حزبى ونقابى، ومعارض شهير إن ترشيح البرادعى قفز على النظام السياسى، وكأن ما يفعله الحزب الوطنى أو جمال مبارك هو الوضع السياسى الطبيعى؟! أما المثير للضحك فقد أعلنه أحد الأحزاب بأن على الدكتور البرادعى أن يبدأ سلم العمل السياسى من أوله من شياخة القرية ثم القرية.. ثم المركز ثم المدينة.. ثم هل يصدق أحد أن هذا ما تفعله المعارضة وتقدمه النخب المثقفة تجاه مجرد فكرة ترشيح شخص مثل البرادعى لرئاسة الجمهورية؟ ثم هل يعتقد أحد أن أفكار مثل أفكار هؤلاء المعارضين يمكن أن ينصلح حال بلد مريض بالحزب الوطنى وبالتوريث؟!

ثم.. هل خلا هذا الوطن.. من أفكار وطنية مخلصة فى قبول دعوة رجل محترم مثل البرادعى؟


وما بين خبث وبطء النظام فى مصر، وبين عفونة ورعونة من يقفون على شاطئ المعارضة، يبدو إصلاح هذا البلد من الأمور التى لا تلوح فى الأفق.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات