ليه بلدنا وسخة؟ - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليه بلدنا وسخة؟

نشر فى : الأحد 16 مايو 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الأحد 16 مايو 2010 - 10:27 ص

 اخترت عنوان هذا المقال بالعامية المصرية لأننى بهذه الكلمات تحديدا قد سمعت هذا السؤال مطروحا على سمعى وعلى فكرى عشرات المرات: «ليه بلدنا وسخة؟». وأحيانا كانت هناك إضافة بسيطة لهذا السؤال: «للدرجة دى». وهو عنوان يقرر مبدئيا أننا جميعا كمصريين متفقين أن مصر بلد غير نظيف. أو هذا ما أظنه. فمن الصعب أن أتخيل أن يعترض مصرى واحد ويدعى العكس حتى لو كان رئيس الوزراء المصرى د. أحمد نظيف شخصيا. من غير المتصور أن أجده يسألنى كيف تبدأ بتقرير حال غير متفق عليه بين المصريين؟.

فمصرنا بلد غير نظيف للأسف الشديد. ومع هذا الاتفاق العام على قذارة بلدنا، هناك اتفاق عام يربط عدم النظافة هذه بالفقر فى مصر. فكثيرا ما استمعت إلى تبريرات لا نهاية لها مع مصمصة شفاة تؤكد أننا بلد فقير، ذو إمكانيات محدودة، لا يمكننا ونحن نسعى لتحقيق الكفاف أن نحقق النظافة المرجوة.

أو أننا نجرى وراء لقمة العيش ليلا نهارا فكيف يمكننا التفكير فى رفاهية كالنظافة؟ وتحولت النظافة مع تعليق لافتة الفقر إلى ظاهرة مبررة إلى شريحة من المواطنين. والحقيقة أنه لا علاقة بين الفقر والنظافة. لسبب فى منتهى البساطة ودون الدخول فى تبريرات تبدو فلسفية: أن هناك مناطق شديدة الفقر فى العالم وشديدة النظافة فى نفس الوقت.

قمت بزيارة قرى فى سوريا وفى المغرب وفى تونس شديدة البؤس وأزقتها وشوارعها ومنازلها نظيفة. ولماذا نعبر الحدود المصرية؟ فقد شاهدت قرى نوبية جنوب خزان أسوان نظيفة وفقيرة جدا. فلا علاقة إذن بين هذين الظاهرتين ولنلقى جانبا لافتة الفقر، فصحيح أنه لو كان الفقر رجلا لقاتلناه وبكل ما أوتى لنا من قوة، ولكنه فى هذه التهمة الفقر برىء تماما.

لماذا إذن مصرنا قذرة؟ عوامل كثيرة تضافرت، سوف أسعى إلى أن أوجزها بشكل متتالٍ وسوف أفرد لكل عامل بعضا من أجنحته:
أولا: هناك بالتأكيد الخلل فى العلاقة بين الخاص والعام فى الوعى المصرى. الكراهية التاريخية العميقة تجاه الدولة ــ النظام (فى معظم فترات تاريخنا وبالتأكيد فى هذه المرحلة التى نعيشها) وعلاقتها بالتعامل السيئ للمواطن مع الفضاء العام (هى فلوسنا ــ هى بتاعتنا). فحالة التمرد العام على النظام أثرت وتؤثر بالسلب فى علاقتنا مع المساحة العامة.

هناك قول مصرى شائع يتعلق بفهمنا للحيز الخاص والعام: فنحن دائما نقول إن منازلنا من الداخل نظيفة ولكن أمام باب شقتنا هناك تل من القمامة. السلم فى حال يرثى له. أمام باب المبنى الذى نقيم فيه أكوام من الطوب والزلط ولكن لا أحد يهتم طالما أننا نعتنى بفضائنا الخاص وهو داخل الشقة التى نعيش فيها.

نجد واجهة عمارة جميلة وفى جزء من جدارها نتوء يشوه المنظر لنافذة أو شرفة مخالفة أبدعها ونفذها أحد السكان. لا يهم لأنها تؤذى الفضاء العام ولا تخص الفضاء الخاص. والأمثلة فى هذا المجال لا حصر لها.

ثانيا: التربية والنشأة داخل العائلة وعلاقتها بقيمة النظافة فى قائمة القيم المنقولة للنشء: فالتربية داخل العائلة المصرية لا تضع النظافة فى مكانة أساسية داخل منظومة القيم الخاصة التى يتم غرسها فى الأبناء. فالنظافة فى العموم هى مسئولية الأم أو الخادمة فى العائلات الثرية وهذه المسئولية إذا تم نقلها إلى الأبناء فيتم هذا الأمر كعقاب أو بالإكراه. الأمر الذى يجعل فى النهاية علاقة النشء بتحقيق النظافة علاقة إما منعدمة أو علاقة كراهية أصيلة. وبالتالى فيتم تربية أبنائنا على الفوضى من ناحية أو التبعية المطلقة فيما يتعلق بالنظافة والاعتماد على طرف آخر من ناحية أخرى. وتأتى النظافة فى ذيل قائمة القيم التى يتلقاها الطفل. وما أقصد للتوضيح بجملة «ما يتلقاه الطفل»: هو جملة ما يحصل عليه من إشارات رمزية معقدة وإحالات تربوية تشكل نسقه العام وليس ما أقصده بالتأكيد ترديد الأهل أو المدرسة لشعارات جوفاء مثل «مدرستك نظيفة» وغيرها من شعارات تدعو للرثاء. فالنشء يتشكل ذهنه وضميره عن طريق تركيب آلاف الإشارات التى تأتى إليه من الفعل المجتمعى الواقعى المحيط به.

ثالثا: عدم وجود رابط فى وعى المصرى بالعلاقة البديهية بين القذارة العامة والصحة. والعلاقة بين نظافة البيئة الخاصة من ناحية وبيئة الشارع والحى والمدينة والبيئة العالمية من ناحية أخرى. فنجد فى الشارع المصرى باعة يعرضون منتجات غذائية وهى معرضة للتلوث وللحشرات.

وكأنه أمر عادى جدا. يتم استخدام الأكياس البلاستيكية لحمل منتجات غذائية ساخنة كالفول أو الطعمية أو الخبز دون الاهتمام بالتفاعل الكيميائى شديد الضرر بين الغذاء وبين البلاستيك الردىء الصنع. كما أنه لا علاقة فى ذهن المصرى بين الممارسات اليومية التى تؤدى إلى إتلاف نظافة المشهد العام فى أسيوط مثلا وصحة من يقيم فى بنى سويف. أو بين من يرمى بمخلفات مصنعه فى النيل وبين صحة ابنته. أو بين القذارة فى الحى الذى نقيم فيه وبين تجمعات عائلات محترمة من الفئران والذباب ومدى تأثيرها على صحتنا. والأمثلة فى هذا المجال لا حصر لها.
وأستكمل الموضوع فى الأسبوع المقبل.

خالد الخميسي  كاتب مصري