فى تناقضات النخبة المصرية - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى تناقضات النخبة المصرية

نشر فى : الإثنين 15 يونيو 2009 - 10:28 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2009 - 10:28 م

 عندما يتابع المرء ما يجرى فى الساحة المصرية من تطورات متتابعة وما يدور حولها من حوارات فى وسائل الإعلام والساحات السياسية المختلفة، يكاد فى كثير من الأحيان يصاب بالدوار وفقدان القدرة على فهم الاتجاهات والمواقف التى يتبناها المتحاورون من تلك القضايا، سواء بسبب سرعة تغيير هذه المواقف والاتجاهات منها أو بسبب الطرق التى تعالج بها من المسئولين عن إدارتها.

وخلال الأسابيع الأخيرة تكرر هذا الوضع مرات عديدة تجاه موضوعات وقضايا داخلية وإقليمية ودولية يوضح تأمل طريقة الحوار حولها من الفرقاء المصريين أننا بالفعل أمام حالة مصرية فريدة، ها هى بعض ملامحها:

أوباما وخطابه.

اتخذ الجدال حول خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى القاهرة مسارات عديدة أفاض كثير من زملائنا فى وصفها وتحليلها فى كتاباتهم وتصريحاتهم فى وسائل الإعلام المصرية.

إلا أن أمرين مهمين لم يأخذا حقهما فى هذه الكتابات، أولهما أن الغالبية قد ركزت على تحليل القضايا السبع التى تحدث عنها الرئيس الأمريكى من زاويتين رئيسيتين: مدى التغيير فى سياساته تجاهها عن سلفه الرئيس جورج بوش بما يحقق قدرا أكبر من المصالح والأهداف العربية والإسلامية، ثم بعد ذلك ولمن رأى فيها تغييرا، مدى رغبته أو قدرته على تحويل كلماته البليغة إلى سياسات واقعية.

وفى خضم التحليل والتأويل والتفسير لرؤى ومواقف أوباما من قضاياه السبع، وهى التطرف وفلسطين والسلاح النووى والديمقراطية والمرأة والحرية الدينية والتنمية الاقتصادية، لم يتطرق المختلفون حولها، وبخاصة الناطقون باسم النظام السياسى والمدافعون عن سياساته والناقدون لناقدى خطاب أوباما، إلى حقيقة مواقف هذا النظام من نفس تلك القضايا وعرضها بصورة تفصيلية على الرأى العام المصرى حتى يستطيع أن يقارنها بالمواقف الأمريكية كما أعلنها أوباما بدلا من الاكتفاء بالإشادة المطولة بتلك الأخيرة وكأنها هى بذاتها مواقف النظام الذى يدافعون عنه.

أما الأمر الآخر الذى لم يأخذ حقه من التحليل لما دار بعد خطاب الرئيس الأمريكى من جدال فهو موقف الغالبية الساحقة من نفس هؤلاء المدافعين عن نظام الحكم فى مصر وبخاصة من يطلق عليهم «الليبراليين الجدد» من أمرين: الأول هو دفاعهم عن الرئيس الأمريكى وحسن نواياه وهجومهم الحاد على أى ناقد له أو مشكك فى نواياه أو قدرته وكأنهم يدافعون عن رئيس مصر، بحيث ذابت لدى هؤلاء الحدود بين رئيس بلادهم ورئيس بلاد حلمهم، وهو أمر يحتاج إلى مناهج تفسير مختلطة بين علوم السياسة وعلوم التحليل النفسى لتحليله وفهمه.

أما الأمر الآخر فهو تعامل هؤلاء الليبراليين الجدد مع أوباما وخطابه بصورة مفرطة فى الحماس لأفكاره الجديدة وما أتى به من تغيير فى السياسة الأمريكية عما كان فى عهد الرئيس بوش، بما يعطى الانطباع بأنهم كانوا دائما ضد سياسات هذا الأخير، فى حين أن ما يعرفه كل الناس أن هؤلاء أنفسهم كانوا من أشرس المدافعين عنها طوال عهد بوش وأن بعضهم كان أكثر محافظة ويمينية فيما يخص قضايانا من أكثر المحافظين الجدد تشددا حول الرئيس الأمريكى السابق، وهو أمر يحتاج بدوره لفهمه وتحليله إلى مناهج تفسير مختلطة بين علوم السياسة وعلوم التحليل النفسى، بالإضافة لبعض المعرفة القانونية نظرا لما يتضمنه من تغييرات مفاجئة ترتبط بالنصب والاحتيال وانتحال الصفات والمواقف.

التطبيع مرة أخرى

جدال حاد دار فى وسائل الإعلام المختلفة حول قضيتين متباعدتين حملتا عنوانا واحدا هو «التطبيع مع إسرائيل»، الأولى المتعلقة بحضور الزميل مجدى الجلاد رئيس تحرير المصرى اليوم لقاء صحفيا مصغرا مع الرئيس الأمريكى عقب إنهاء خطابه حضره صحفى إسرائيلى بينما رفض الصحفى المخضرم فهمى هويدى حضور اللقاء لهذا السبب، والثانية هى التصريحات والكتابات والمواقف المتتابعة التى يتخذها وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى عبر وسائل الإعلام الأجنبية والفرنسية خاصة لكى يؤكد عدم عدائه لإسرائيل واستعداده لتقديم جميع الاعتذارات والتفسيرات عما سبق واتخذه من مواقف وقرارات تجاهها، حتى تصفح عنه وتتراجع عن معارضتها وأنصارها حول العالم لانتخابه مديرا عاما لليونسكو. والحقيقة أن ما يجمع القضيتين بغض النظر عن تفاصيلهما هو توقيتهما الغريب، حيث يظهر بعض أبناء النخبة المصرية ترددا تجاه موضع التطبيع مع إسرائيل أو كسرا له فى الوقت الذى تحكمها فيه واحدة من أكثر الحكومات تطرفا ويمينية فى تاريخها وبعد شهور قليلة فقط من المجزرة الوحشية التى قامت بها حكومتها «المعتدلة» السابقة فى غزة على بعد خطوات من الحدود المصرية. فهل هذا هو الوقت المناسب للتردد تجاه التطبيع أو كسره ليس وفقا لأى منظور عربى شامل بل فقط من منظور المصلحة المصرية الصرفة والأمن القومى المصرى القُح؟

وغير ذلك الأمر المشترك، ففى كل قضية من الاثنتين أمر فريد غريب يخصها، فبالنسبة للقاء الصحفى مع الرئيس أوباما تبدو دعوة السفارة الأمريكية صحفيا إسرائيليا للقائه مع صحفيين ينتمون إلى العالم الإسلامى الذى جاء ليخاطبه من القاهرة أمرا مقحما بل ومريبا، فهل إسرائيل جزء من العالم الإسلامى؟

وإذا كانت الحجة أنها احتلت جزءا مهما من خطابه، فهو نفس الحال بالنسبة لإيران، فلماذا لم تتم دعوة صحفى إيرانى لحضور اللقاء؟ أم أن الأمر برمته كان بمثابة بالونه اختبار من الجانبين الأمريكى والإسرائيلى لمدى استعداد النخبة الإعلامية العربية عموما والمصرية خصوصا لقطع خطوات ــ ولو قليلة ــ فى طريق التطبيع؟

فإن لم يحدث، فلا بأس من معركة إعلامية حامية تفرز فيها المواقف ويتحرك البعض فيها قليلا عن مواقفهم السابقة الرافضة لأى اشتراك أو تعاون مهنى أو سياسى أو نقابى مع الإسرائيليين. أما الأمر الفريد الذى يخص وزير الثقافة فهو أنه يتصرف فى تغيير مواقفه وتصريحاته بل وسياسة الوزارة التى يديرها تجاه إسرائيل وكأنه شأن فردى يخصه وحده يتصرف فيه كما يشاء دون رجوع أو استئناس حتى برؤى عموم مثقفى مصر المفترض أن يكون هو صوتهم والمعبر عنهم فى مثل تلك القضية الحساسة. ولا شك أن للوزير كل الحق إذا ما استقال من منصبه أن يتصرف بالطريقة التى يريد ويرى أنها تحقق له مصالحه، أما وأنه لا يزال يشغله فهو ملزم بأن ينتهج ما تراه الأغلبية ممن يعبر عنهم تجاه التطبيع. وإذا لم يكن يعرف بدقة هذه الرؤية فإن الواجب اليوم ملقى على أكتاف الاتحادات والنقابات والجمعيات التى تضم فئات هؤلاء المثقفين بأن تجتمع مجالسها أو جمعياتها العمومية لكى توضح لوزير الثقافة مواقفها الحقيقية من التطبيع، وعليه عندها أن يختار إما أن ينحاز إليها ويتراجع عن تراجعاته أو أن يصر على مواقفه الجديدة وفى هذه الحالة فالأكرم له أن يعتذر عن مهمة إدارة الثقافة المصرية ويتفرغ لتحقيق حلمه باليونسكو بالوسائل التى يراها ملائمة دون أن يحمّل مثقفى مصر تبعة تراجعاته ومواقفه الجديدة.

خالد مشعل فى مصر والشهر القادم أحمدى نجاد

عندما وقع الهجوم الإسرائيلى الوحشى على غزة فى نهاية العام الماضى شهدت وسائل الإعلام المصرية حملات شرسة ضد حركة حماس إجمالا وقيادات الخارج بها خصوصا وفى مقدمتهم خالد مشعل رئيس مكتبها السياسى، وكانت إيران هى الهدف الثانى لنفس الحملات حيث ربط المهاجمون بينها وبين حماس باعتبار أنها المحرك الحقيقى لها وأن كليهما يهدف إلى زعزعة وتهديد الأمن القومى المصرى. وطوال الفترة التى استغرقتها تلك الحملات ــ وهى لم تتوقف بعد تماما ــ حاولت بعض الأصوات العاقلة أن تهدئ من حدتها وتنصح القائمين بها بالتريث وعدم إشعال الموقف حرصا على المصالح المصرية والأمن القومى للبلاد اللذين يستوجبان علاقات إيجابية وبناءة سواء مع حماس أو إيران، إلا أن العاقبة كانت هى مد الحملات الإعلامية إلى أصحاب تلك الأصوات واعتبارهم بدورهم خطرا على أمن مصر ومصالحها القومية. واليوم وعندما يحل خالد مشعل فى القاهرة بدعوة من الوزير عمر سليمان لكى يبحث فيها مع كبار المسئولين عن أمن مصر القومى ومصالحها العليا بروح إيجابية وبناءة القضايا المشتركة التى تحقق هذه المصالح وتحفظ ذلك الأمن، فكيف يمكن لمن قادوا وأشعلوا حملات الأمس ضده وضد حركة حماس أن يبرروا لأنفسهم قبل قرائهم ومشاهديهم بين ما كانوا يتهمونها به بالأمس وبين ما يقوم به اليوم تجاهها المسئولون الحقيقيون عن أمن مصر القومى ومصالحها العليا؟ والأمر يبدو مرشحا للتكرار فى منتصف شهر يوليو القادم عندما يعقد فى شرم الشيخ مؤتمر دول عدم الانحياز الذى أرسلت مصر دعوة رسمية لرئيس إيران لحضوره، وهو ما أعلنت الخارجية الإيرانية عن أن الرئيس القديم ــ الجديد محمود أحمدى نجاد سوف يلبى الدعوة ويأتى إلى مصر. فهل نتوقع بعد إعادة انتخاب نجاد ودعوة مصر له والتغيير الواضح فى السياسة الأمريكية تجاه إيران أن يتحلى أصحاب الحملات الإعلامية ضد إيران ببعض العقل والتروى وتقديم المصلحة المصرية والأمن القومى للبلاد على أى اعتبارات أخرى، وبخاصة أن الذى دعا الرئيس الإيرانى هو رئيس الجمهورية حسنى مبارك المسئول الأول عن صيانة هذا الأمن وتلك المصالح؟

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات