شجاعة إغضاب الجماهير! - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شجاعة إغضاب الجماهير!

نشر فى : الأحد 15 مارس 2009 - 7:44 م | آخر تحديث : الأحد 15 مارس 2009 - 7:44 م

 أعتقد أن أخطر ما يواجه الحياة السياسية الآن فى مصر، هو ما نطلق عليه المنظومة الإعلامية بكل مشتملاتها وأنواعها وأصنافها وطرائق تمويلها، لأنه لا توجد حياة سياسية فعلية دونما بيئة اتصال فعالة مع الجماهير.. وعقل إعلامى يعرف ماذا عليه أن يفعل تجاه تدفقات الأفكار والآراء التى من شأنها العمل على تغيير أوضاع قائمة سيئة إلى أوضاع أفضل فى المستقبل القريب.

وفى مصر الآن منظومة إعلام شبه متكاملة، على الأقل من الناحية النظرية..فأصناف الوسائل متعددة: مطبوع ومرئى ومسموع وإلكترونى وشفاهى (ندوات، ولقاءات جماهيرية واسعة).. وكذلك أنواع الملكية: حكومية، ومعارضة، وخاصة، ومستقلة، ومختلطة، ومصرية، وعربية، وأجنبية (مطبوعات، إذاعات، قنوات).. وكذلك تعدد فى اللغات واللهجات.. ولايبقى شىء غائب وسط كل هذا الزحام الرهيب سوى الحقيقة.. حقيقة ما يحدث وحقيقة ما يجب أن تعرفه الجماهير.

والأمر لايحتاج إلى خبير أو باحث قدير لفهم حجم العوار الذى أصاب منظومة الإعلام هذه.. فالإعلام الحكومى بات سيئ السمعة فى مجمله (بالطبع هناك من هو خارج هذا النص الكريه).. وأسوأ ما فى سمعة الإعلام الحكومى أنه إعلام منافق، يبذل قصارى جهده فى نفاق نظام الحكم وما يريده الحكام، وما يصب فى مصلحة رجال هؤلاء الحكام بتعدد رتبهم ودرجاتهم وقربهم وابتعادهم عن مركز الحكم.. وللأمانة، هذا الصنف من النفاق صنف حميد لا خوف منه ولا ضرر ولا ضرار، أو هكذا أصبح بعد خبرة طويلة للجماهير معه وصك العقل الجمعى الشعبى تعبيرا باطشا أجهز على مصداقية هذا الإعلام الحكومى.. تعبير شائع هو، كلام جرايد، والأمر ينسحب على بقية الوسائل، فيجوز القول، كلام تليفزيونات، كلام إذاعات، وهكذا.. فقد الإعلام الحكومى جل مصداقيته، وبالتالى فقد تأثيره وفاعليته فى تشكيل الوعى العام أو فى تكوين رأى عام فى أى قضية من القضايا.. ومن الطريف أن هذه الجماهير باتت فى حالة استغناء تام عن أخبار الإعلام الحكومى حتى أخبار الطقس وأسعار الذهب والعملات.. وهو تطرف يعكس هول خواء وزيف الإنتاجات الإعلامية لهذا القطاع.

فى المقابل، سقط الإعلام المعارض المنتمى للأحزاب، بدون مقدمات، وبات شديد الشبه بالإعلام الحكومى، بل وبطريقة أسوأ وأسود فى النفاق، فما كانت تفعله صحيفة حزب الوفد لنعمان جمعة، لا تجرؤ أى صحيفة حكومية أن تفعل نصفه للرئيس مبارك (هناك قطعا بعض الاستثناءات لجبابرة الإعلام الحكومى والرسمى).. وما كان يحدث فى صحيفة الأهالى من تغيير وتبديل فى مواقف لا تتفق مع مبادئ وتاريخ حزبها (التجمع).. تخجل بعض صحف الحكومة على فعله.. ومن هنا وجد الإعلام المستقل أو الخاص نفسه، فى مواجهة صريحة مع الحكومة، حيث أصبحت كل مقاعد المعارضة شاغرة لا تجد من يحتلها سوى رجال هذا النوع من الإعلام المستقل أو الخاص (مستقل عن الحكومة، وخاص فى ملكيته).

هنا نتحدث بصراحة عن نوع آخر من النفاق.. نفاق خبيث.. ضرره أكثر من نفعه رغم وطنية صناعه وإخلاصهم، ورغم نبالة نواياهم.. وما أقصده تحديدا، هو نفاق الرأى العام، حيث غلب على هذا القطاع اتجاه صريح فى مجاملة الجماهير والتهليل لكل ما تبتغيه وتريده.. وهو اتجاه معاكس لإعلام الحكومة الذى يهلل للحاكم ويصفق له مصيبا أو مخطئا.. فالإعلام الخاص المستقل لا يقول للجماهير ما يجب أن يقال، بل يعمل جاهدا على إنتاج إعلام تحب الجماهير أن يقال، حتى لو كان ذلك ضد مصالحها، فمن المفترض فى قادة الرأى العام (خاصة قادة الإعلام المطبوع والمرئى) أن يكون لديهم الوعى الكافى فى توجيه الرأى العام لمصالحه.. على عكس الجماهير التى من الممكن أن تسير فى اتجاه خاطئ ومعاكس لمصالحها دون أن تعى ذلك.

والخطر هنا، أن يهلل الإعلام لهذا الاتجاه، لأن الجماهير هى التى اختارت أن تسير فيه، والأخطر ، أو للدقة، الأخبث أن يكون فعل الإعلام الخاص لهذا النفاق، من أجل أهداف صغيرة ومصالح ضيقة، يأتى فى مقدمتها الأسباب التجارية المتعلقة بالمكاسب المالية، مثل الحرص على عدد المشاهدين، وبالتالى الاحتفاظ بمساحات إعلانية جيدة تدر العائد المالى المطلوب، أو نفاق خبيث يتعلق بأسباب معنوية، يأتى فى مقدمتها الشهرة والنجومية (تأتى بالمال بعد ذلك) حيث أصبح كل معارض لما تقوله الدولة، نجما جماهيريا وبطلا شعبيا، هكذا فعلت بنا بعض وسائل الإعلام.. وصنعت العشرات من الأبطال المزيفين بعلم الحكومة وبعلم بعض من المعارضة، رغم علمهما معا بالتواريخ الرديئة لهؤلاء الأبطال.. هنا سحر الجماهير الغريب والعجيب يسحق الحقيقة بسهولة، ويمنح ببساطة الشرف لمن لا شرف لهم.

نفاق الرأى العام، هو ورم الإعلام الخبيث فى مصر مطلع القرن الجديد.. ولا سبيل للنهوض أو الخروج من المأزق الذى نعيش فيه، سوى التعامل بواقعية بما نحن فيه.. ومواجهة أقدارنا بشرف الحقيقة.. وبقوة الحق، كل من زاوية رؤيته.. فلا كل ما ينتج عن إعلام الحكومة باطل، ولا كل إنتاج الإعلام المستقل شريف.. وتبقى الحقيقة فى زماننا هذا.. مثل الجمر، يصعب الإمساك بها.. فهل هناك من يمتلك الشجاعة ويمسك بجمر الحقيقة حتى لو أغضب الجماهير؟!

تحية لكل من يفعل ذلك، ويارب اجعلنا من هؤلاء، وقنا شر نفاق الرأى العام.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات