عقل الظواهرى وعقل مصر - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقل الظواهرى وعقل مصر

نشر فى : الإثنين 14 ديسمبر 2009 - 9:52 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 ديسمبر 2009 - 9:52 ص

 حينما قرر محررو وباحثو صحيفة النيويورك تايمز أن يختاروا أهم العقول التى بدلت العالم خلال العقد الماضى (2000 ــ 2010)، لم يجدوا من مصر سوى عقل وحيد شرير هو عقل أيمن الظواهرى، ناسبين إليه بطولة السنوات الإلكترونية لحركة التطرف الإسلامى، فهم يعتقدون أنه العقل المدبر لتنظيم القاعدة والرأس المفكر للإرهاب فى العالم.

وأن أى انفجار يدوى يصيب مصلحة ما فى الشرق أو الغرب هو من تخطيطه، وأن هذا العقل الجبار للجراح المصرى، هو الذى يحرك أصابع الإرهاب الخشنة والقاسية فى أرجاء الدنيا، وأن هذا الشخص المختفى فى كهوف الجبال الشاهقة بأفغانستان هو الذى أصر على ارتكاب جريمة الحادى عشر من سبتمبر فى بداية العقد المنصرم.

المدهش، أن الظواهرى هو الوحيد الذى جاء اسمه ممثلا للشر بين العقول الـ25 فجميعهم أصحاب نجاحات مميزة ومتميزة تفيد البشرية بدءا من أصحاب محرك البحث الشهير «جوجل» إلى أساتذة الطب والقانون والصحة والصحافة، فقط الظواهرى هو العقل السلبى الوحيد بينهم.

فقد جاء فى المرتبة الـ21 بعد ويل رايت قائد ثورة الترفيه فى العالم وقبل مايكل بلومبرج عمدة نيويورك الذى أعاد الانتعاش للمدينة الأكبر فى الولايات المتحدة، العقول جميعها مشرفة وقائدة للخير ومفيدة للبشرية إلا الظواهرى فهو الوحيد، شيطان وسط ملائكة، وهو أيضا الملاحق من كل العالم وما زالت تضع أمريكا 25 مليون دولار لمن يساعد ولو بطرف معلومة تفيد فى القبض عليه.

طبعا النيويورك تايمز لم تختره لأنه مصرى، بل لأنه إرهابى، نجح فى وضع تنظيمه على الفضاء الإلكترونى، ووضعه فى مكانة جيدة وهذا من وجهة نظرهم بدل ملامح السنوات الأولى من الألفية الجديدة، وفى ذات الوقت لا ضرر من خلو القائمة من عقول مصرية، فهذا وضع طبيعى ومنطقى، لما تمر به مصر منذ سنوات طوال، فالوضع العام لا ينبئ بأى قدرة على تقديم أى شىء فى أى مجال، فنحن نعيش أسوأ عصور التعليم، والبحث العلمى لا تعرفه ولا تعترف به، وأى إنجاز قدمه عقل مصرى منذ نصف قرن تقريبا، كان بأدوات غير مصرية.

وفى بيئة غير مصرية، وبتشجيع ودعم غير مصرى، فعقول أبنائنا تنتج هناك فى أوروبا وأمريكا، ولو كانت نفس هذه العقول بقيت هنا لما أنجزت ما يهتم به العالم، ولنا فى قصة أحمد زويل أسوة حسنة فهو عقل مصرى، بينما أبحاثه وإنجازاته العلمية نشأت وترعرعت هناك فى الولايات المتحدة، والآن هو يعمل على الإسهام فى الفكر السياسى عبر العلم، وأيضا ضمن فريق الرئيس الأمريكى أوباما، وإن كان الرجل يحمل نوايا طيبة تجاه أوطانه محاولا سد الفجوة التى حدثت بيننا وبين الغرب بفعل عقل الدكتور أيمن الظواهرى.

أما ما يلفت النظر، فى اختيار النيويورك تايمز، أن عقولهم هناك متنبهة لما يفعله الظواهرى بهم وبالدنيا كلها، بينما نحن الذين أطلقنا شرارة الظواهرى و«اتلسعنا» بها طويلا، وأعتقد مازلنا، بينما العقل السياسى والاجتماعى فى مصر لم يبذل الجهد الكافى لقراءة ما فعله عقل الظواهرى بنا وببلادنا، وبصراحة كنا الأولى بفعل ذلك، وأعتقد ومازلنا يجب أن نفعل ذلك.

ربما تكون وطأة الإرهاب قد خفتت، والأسحة قد صمتت وتوقف النزيف، وربما تراجعت صورة الجلاليب القصيرة والذقون الطويلة المبعثرة على وجوه شباب مغلوب على أمره، وجد نفسه ــ فجأة ــ خصما للبشرية جمعاء، وربما صرنا نعيش ــ أو هكذا نعتقد ــ حالة نشطة من المراجعات الفقهية والفكرية بقيادة شباب الجلاليب والذقون «وأحيانا رجال الأمن»..

لكنها مراجعات مصطنعة موجهة لا تحرك ساكنا ولا تبدل سلوكا آمن به بعض من هذا الشباب المغلوب على أمره، فشباب مطلع الثمانينيات صاروا كهولا متعبين.. طيعين لرغبات الأمن.. مطيعين لأوامره حتى فى أفكارهم وما يدور برءوسهم، بينما لم يسأل أحد أو حاول البحث طوال ثلاثين عاما عن نتائج وجود عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب فى السجون والمعتقلات بعضهم لما يغادرها..

وبعضهم الآخر يتركها قليلا ثم يعود ليستقر بها.. وغالبيتهم تعرضوا لتجارب قاسية فى مشارق الأرض ومغاربها من أفغانستان إلى ألبانيا ومن أمريكا إلى إندونيسيا.. وتجاوبوا مع كل أفكار الغضب والحنق، ليس على أنظمة الحكم ولكن على الحياة نفسها.

أمريكا تابعت الظوهرى وأفكاره وما ينتج عنها، ونحن نفتخر بأن الإرهاب قد ولى بلا رجعة وأنه أصبح فعلا ماضيا غير قابل للتكرار وكأن الأفكار لا تنتشر بصورة أو بأخرى وكأن الظواهرى وصحبه ساكنون هاربون وكأن وقود الإرهاب قد نفد وما علينا إلا أن نقول وداعا للإرهاب.

وإذا كان الظواهرى قد فطن إلى الفضاء الإلكترونى ليواجه به من يعتقد أنهم أعداؤه، وصارت الرسائل الإلكترونية هى سلاحه وذخيرته، فإن التطرف فى مصر وجد ضالته فى فئة أخرى وطبقة غير الطبقة التى استهدفها فى البداية، للأسف العقل السياسى والاجتماعى فى مصر يلعن الظواهرى ورسائله الإلكترونية وفى ذات الوقت يرحب بكل أشكال التطرف فى العقول التى استطاع الظواهرى أن يتملكها بطرائق أخرى، أكثر نعومة وأناقة مما كان يفعل قبل ربع قرن من الزمان..

لم يعد التطرف هو الجلاليب القصيرة والذقون المبعثرة على وجوه شباب مغلوب على أمره، ولا التطرف عند جماعة المصحف والسيف، بل ذهبت الأفكار ناعمة أنيقة لطبقة جديدة تتزين «بالإسلام» طبقة غير بعيدة عن أفكار الظواهرى وإن كانت ــ حتى الآن ــ بعيدة عن عنفه، طبقة تختار دعاتها وفقا لشكل هندامهم..

دعاة «مودرن» يتوافقون معهم ويتحدثون لغتهم.. دعاة نجوم مثل نجوم السينما فيهم من الزيف أكثر بكثير مما فيهم من الصدق.. هذه الطبقة التى تتزين بالإسلام لا تتوقف عند محاباة هؤلاء الدعاة بل تجعلهم رموز الحج «الشيك» فهذا حج بيت الله بقيادة الداعية فلان، وهذا حج بيت الله بقيادة الداعية علان.. وصار هؤلاء الدعاة فى الحج أحد مظاهر التمايز الطبقى وكأنهم يتحدثون عن ماركات ملابس عالمية أو ساعات يد شهيرة أو منتجعات سياحية مثيرة.

وكل هذا يشبه المعادل الموضوعى لاستخدام تكنولوجيا المعلومات عند الظواهرى وأتباعه.
حينما تختار النيويورك تايمز الظواهرى كواحد من أهم العقول التى أثرت فى السنوات العشر الماضية فهى تقدمه مرة أخرى لموائد البحث وبيوت التفكير لتفهم الذى يفعله هذا العقل الذى صار إلكترونيا، وأعتقد أننا هنا فى مصر علينا أن نذهب بما يحدث ــ فى مجتمعنا.

خاصة ما يحدث من التزين بالإسلام ونثر أفكار ونشر مفاهيم مختلف عليها، أعتقد أن علينا أن نواجه بشجاعة وجرأة ما يحدث قبل أن تتحول هذه النعومة والأناقة إلى شراسة ووحشية تضيق معها البنادق من صمتها ويستيقظ الرصاص ليلعلع من جديد.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات