الموت للعالم القديم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 3:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الموت للعالم القديم

نشر فى : الأحد 13 نوفمبر 2011 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 13 نوفمبر 2011 - 9:10 ص

القاهرة ــ يونيو 2011: اجتماع حزبى داخل قاعة تعج بعدد كبير من أعضاء هذا الحزب. بدأ الحوار حول الانتخابات التشريعية القادمة والسؤال عن المرشحين المحتملين للحزب للدوائر البرلمانية المختلفة. وقف رجل طويل جدا ونحيف جدا تخطى الستين من العمر وقال إن عملية الانتخابات لابد أن تتم من خلال نواب لديهم سطوة داخل دوائرهم. فكل دائرة لدينا فيها علاقات مع عائلات لها تاريخ برلمانى. لا يمكن اللجوء إلا لهؤلاء، فأهل مكة أدرى بشعابها. لو تقدم أى عضو فى الحزب لاعتبارات فكرية أو سياسية سوف يخسر بلا أدنى شك. ولابد أن نقوم بالاتصال بهؤلاء بأسرع وقت لأن جميع الأحزاب دون استثناء سوف تتصل بهم. وهم سوف يختارون الحزب لاعتبارات شخصية وليست بالتأكيد مذهبية.

 

الإسكندرية ــ يوليو 2011: اجتماع سياسى آخر مع مجموعة حزبية أخرى. نفس الكلام ولكن هذه المرة كان رجل ضخم فى السبعين من العمر  هو الذى تولى شرح سطوة العشائر فى عملية الانتخابات منذ سعد زغلول إلى أحمد عز. مع الاعتذار العميق لسعد زغلول أن يعطف اسمه مع اسم الذى تلاه فى الجملة السابقة.

 

سويسرا ــ أغسطس 2011: اجتماع سياسى كبير ضم عددا كبيرا من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. وضمنى حوار إلى عدد من رجال السياسة والمفكرين السويسريين. قال لى أحدهم إنهم شعب يصوت كثيرا فى الاستفتاءات والانتخابات. ولعلهم أكثر شعوب الأرض فى عدد المرات التى يذهب فيها الناس للإدلاء بصوتهم الانتخابى. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك شعورا عاما فى سويسرا بعبث اللعبة السياسية. وأن النظام يسير بقوى دفع لا علاقة لها حقيقة بقدرتنا كشعب ــ من خلال العملية التصويتية ــ على تغيير دفة الأمور.

 

ألمانيا ــ سبتمبر 2011: مهرجان مسرحى. لقاء مع عدد كبير من الفنانين الألمان الشباب فى مجال المسرح والغناء. وأدرت الحوار كعادتى نحو موجة السياسة. فصاحت فى وجهى مخرجة شابة وقالت لى: عن أى سياسة تتحدث. قالوا لنا إن السياسة هى أن نصوت لحزب معين. قلنا عظيم هى بالفعل كذلك. سعدنا بالمشاركة وجعلونا نتصور ألوانا ليست موجودة بالفعل. أدرك الشعب الألمانى متأخرا جدا أن كل الأحزاب سواء. وأن زيد كعبيد. لا فرق حقيقى بين ميركل وعبدالصبور. هذا على الرغم أن كلا منهما يتقول كلاما مختلفا عن الآخر. نعيش فى خدعة كبرى منذ سنوات طويلة. لا أشك أن هناك من يحكم، وأن هؤلاء يصيبون ويخطئون. وأنه من الممكن أن يتقدموا أو يتقهقروا. ولكن لا علاقة لنا حقيقة كشعب بكل ذلك. صدقنى كل الألوان سواء.

 

القاهرة ــ أكتوبر 2011: فى شارع عبدالخالق ثروت أمام نقابة الصحفيين. حوار صاخب. نظر لى صحفى شاب وقال لى: هل تتذكر جيدا شكل أوباما؟ إنه يشبه البومة تماما. وكاميرون، يشبه البومة أيضا. أما بيرلسكونى فهو البومة شخصيا. ورجال السياسة المصريون كلهم بوم. يتحدثون بثقة وأعينهم مفتوحة وبلا احساس، تبدو على وجوههم العظمة الكاذبة وكلامهم الرصين بلا معنى. فحديثهم كله من محفوظات كتب التعبير. هل تعرف المثل الشعبى القائل: «اتبع البوم يوديك الخراب». هذا ما سوف يفعله بنا رجال السياسة الحاليون: قدما نحو الخراب.

 

فرنسا ــ نوفمبر 2011: ندوة سياسية. أعلن فيها أستاذ فرنسى موت السياسة. وبدأ قوله بذكر نسبة المشاركة فى الانتخابات التشريعية فى فرنسا منذ 1958 وحتى 2007. وأكد أن هذه النسبة انخفضت بمعدل نحو خمسة وعشرين فى المائة عبر هذه السنوات. وكانت النسبة بصفة دائمة نحو الانخفاض. نسبة من يثق فى العملية السياسية تقل كل يوم. نحن نعيش نظاما رأسماليا فى أزمة شديدة. ولا حل إلا لاستبداله بنظام جديد.

 

لإزاحة النظام القديم هناك مظاهرات فى 847 مدينة أمريكية. فى بريطانيا كاميرون يضرب التمرد بكل ما أوتى له من قوة. طلبة يحتلون جامعاتهم فى أكثر من دولة. تعلن فرنسا منذ أيام عن طريق رئيس وزرائها سياسة تقشف لمحاولة الإبقاء على النظام القائم أطول فترة ممكنة. فى إيطاليا يسقط بيرلسكونى أخيرا. اليونان على حافة الهاوية. إسبانيا والبرتغال يقفان بجانب اليونان وهما يرتجفان. والشعوب ساخطة.

 

كيف يتحول الخوف إلى غضب؟ وكيف يتحول الغضب إلى تمرد؟ وكيف يتحول التمرد إلى ثورة؟ وكيف تتحول الثورة إلى ثورة دائمة تزيح العالم القديم الذى مات بالفعل ونشم رائحته العفنة فى كل أنحاء العالم؟

 

<<< 

 

هناك اليوم محاولة فى مصر شبيهة بمحاولة سياسة التقشف الفرنسية للإبقاء على العالم القديم لأطول فترة ممكنة، بمحاولة إقناع الشعب المصرى أن الانتخابات التشريعية القادمة سوف تكون بداية لشىء جديد، وهى بالفعل استمرار لتقاليد بالية. وفى محاولتهم البائسة هذه دخل النظام فى صفقات مع أحزاب مهترئة تليق بعوالم ما قبل التاريخ وبدأوا فى اعتقال أصوات تبشر بعالم جديد. ولكن الغضب القادم آت وأنا كلى إيمان.    

خالد الخميسي  كاتب مصري