الجمعية الوطنية ورأى فى التغيير المطلوب - أهداف سويف - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 1:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجمعية الوطنية ورأى فى التغيير المطلوب

نشر فى : الثلاثاء 13 أبريل 2010 - 10:44 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 13 أبريل 2010 - 10:44 ص

بالاشتراك مع علاء سويف 

 

يتفق الكثيرون على أن مبادرة الدكتور محمد البرادعى قد أوجدت حالة من الحراك والأمل فى التغيير والإصلاح، وأوجدت فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، إلا أن الآراء تتعدد حول الطريق الأمثل لاستغلال هذه الفرصة التاريخية.. أو: ماذا يجب أن يفعله الدكتور البرادعى، وماذا يجب أن نفعله معه.

انصب معظم حديث الدكتور البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير ــ حتى وقت قريب ــ على إصلاح الحكم عن طريق تعديل بعض آليات الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وفى رأينا أن الحكم الفاسد ليس هو كل الأزمة التى تعيشها مصر، وإنما هو أحد وجهى هذه الأزمة، والوجه الآخر هو الصفوة المصرية، الغائبة ــ أو المتقاعسة ــ عن أداء دورها فى صياغة مستقبل الأمة.

فإذا عرّفنا نظام الحكم الصالح بأنه النظام الذى يشتمل على آليات ــ تعمل بدرجة معقولة من الكفاءة ــ على تحقيق رغبات وتطلعات الأمة وترجمتها إلى واقع قابل للاستدامة والتطور، يتضح أنه فى غياب تبلور ووضوح هذه الرغبات والتطلعات، يصعب وجود نظام حكم صالح، مهما استوفى الشكل الديمقراطى أو غيره.

ونؤكد هنا على أن نظام الحكم لا يجب أن يكون مسئولا عن صياغة رؤى لمستقبل الأمة، ولا مكلفا ببلورة رغبات الأمة وتطلعاتها، وإنما تقع هذه المسئولية على عاتق مفكرى الأمة ومثقفيها وقادة الرأى بها، وهذا ما نعنيه بالصفوة.

فالصفوة ــ باعتبارها عقل الأمة ــ عليها أن تضطلع بمسئولية صياغة مستقبل الأمة ورسم الطريق للتقدم نحوه. وتقوم بذلك من خلال الإنتاج ــ والتطوير المستمر ــ لحزمة من المنتجات الفكرية التى يمكن أن تمثل أساسا علميا وفكريا لعملية سياسية إيجابية، تسير بالبلاد إلى مستقبل أفضل من حاضرها. والوضع الطبيعى فى المجتمعات المتقدمة فكريا وسياسيا أن تكون هذه الحزمة، أو الحزم، الفكرية ــ المرتبطة بصياغة المستقبل وتوجيه وقيادة الشعب إليه ــ موجودة ومتضمنة فى مجمل الإنتاج الفكرى المتجدد لصفوة المجتمع.

أما فى مصر فهذه الحزمة غائبة، وإن كانت بعض عناصر منها موجودة هنا وهناك بشكل جزئى. ونرى أن هذا الغياب ناتج عن المسافة التى تفصل بين غالبية الصفوة والمفكرين والعلماء فى مصر من ناحية وبين واقع غالبية الشعب المصرى وحياته ومشاكله من ناحية أخرى. وهذا الغياب ــ فى نظرنا ــ هو الوجه الآخر المتلازم مع فساد الحكم.

بناء عليه، فإننا نرى أن حركة الإصلاح المنشودة يجب أيضا أن يتلازم فى إطارها محوران:
التحرك السياسى، الموجه إلى أجهزة الحكم وآلياته، لتقويم الجوانب السلبية بها (وهو المحور الذى حظى بالاهتمام الأكبر حتى الآن).

التحرك الفكرى المجتمعى، الذى يستهدف صفوة المجتمع، لتفعيل وإحياء دورها فى صياغة مستقبل الأمة، من خلال حفزها وقيادتها لإنتاج ــ والتطوير المستمر ــ لتلك الحزمة من المنتجات الفكرية، التى تمثل المرجعية الضرورية لوجود نظام حكم صالح ورشيد.

بينما التحرك السياسى وحده قد تكون نتائجه مكاسب حينا وخسائر أحيانا، وحتى المكاسب يمكن أن تكون مؤقتة أو شكلية أو يجرى الالتفاف عليها، إلا أن التحرك المجتمعى الذى ندعو إليه يؤدى إلى بناء وتراكم فكرى ومعرفى، ثم إلى مزيد من التقوية والتدعيم لهذا البناء، الذى يصل ــ عند مرحلة معينة من النضج ــ إلى أن يمثل المرجعية والضمان لحركة سياسية فعالة.

من هذا المنطلق، فقد سعدنا بما نشرته الصحف أخيرا بخصوص قرار الجمعية الوطنية للتغيير إصدار وثيقة تحت عنوان «مصر التى نريد أن تكون» بحيث تكون مقدمة للمشروع الفكرى والاجتماعى للدولة المدنية التى يطالب بها محمد البرادعى رئيس الجمعية.

ونحن ندعو الجمعية الوطنية للتغيير إلى ألا تكتفى بإصدار هذه الوثيقة وإدارة نقاش حولها، لكن أن تنظر إلى هذا الإصدار باعتباره الخطوة الأولى فى مسار طويل ومتواصل للتحرك الفكرى المجتمعى، بهدف:
إحياء وتفعيل دور الصفوة المصرية فى صياغة مستقبل الأمة، من خلال إنتاج ــ والتطوير المستمر ــ لمنظومة فكرية، يمكن أن تمثل أساسا علميا وفكريا لعملية سياسية إيجابية، تسير بالبلاد إلى مستقبل أفضل من حاضرها.

من خلال العملية السابقة: بلورة مشروع فكرى اجتماعى محدد، ليصبح بمثابة المرجعية الفكرية للتحرك السياسى للجمعية.

وفيما يلى بعض الأفكار التفصيلية حول ما سبق.

دور النخبة

المنظومة الفكرية، أو حزمة المنتجات الفكرية التى ندعو إليها، ليس لها بالضرورة شكل أو حجم معين، لكن لها صفتان تتسمان بأهمية خاصة:

أنها تشتمل على ثلاثة جوانب رئيسية، هى:

الجانب الأول: رؤية ووصف لمصر التى نريد أن تكون ــ الهدف.

الجانب الثانى: وصف لأحوال مصر الآن.

الجانب الثالث: مقترحات للكيفية التى يمكن بها ــ عمليا ــ الانتقال من حالة مصر الآن إلى حالة مصر التى نريد أن تكون: الخطوات والمراحل والمحطات.

إنها ديناميكية، أى خاضعة للتطوير المستمر، فى اتجاه مزيد من التفصيل، ومزيد من الشمول، والتصحيح، والتحديث.. إلخ.

وقد تنشأ صياغات ورؤى ومقترحات متعددة ومتباينة لمستقبل الأمة، ويجرى الحوار والصراع الفكرى بين هذه الرؤى. وكلما كانت الأفكار متبلورة وواضحة وتفصيلية، كلما زادت إمكانية أن يكون الحوار والصراع حولها موضوعيا، وأن تنشأ تيارات فكرية، وأن تكون نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق بين هذه التيارات الفكرية واضحة ومحددة. وفى هذا الإطار يتبلور المشروع الفكرى الخاص بالجمعية الوطنية للتغيير، فيتميز باختيارات محددة، سواء فى جانب الرؤية المستقبلية المستهدفة لمصر، أو فى جانب الخطوات والأساليب المطروحة للوصول إليها.

وبقدر فاعلية التحرك المنشود فى تنشيط وتفعيل اضطلاع الصفوة بمسئولية الإنتاج الفكرى هذه، بقدر ما ستتهيأ بيئة خصبة قابلة لنشأة عملية سياسية فعالة، تتكون فى إطارها جماعات تطور وتطرح وتلتف حول خيارات سياسية مبنية على هذه الرؤى والمشروعات الفكرية، ومرتبطة بها، وساعية إلى تحققها فى الواقع.

وفى هذه الحالة فقط، فإن عملية انتخابية سليمة ــ والتى ينحصر دورها فى توفير آلية سلمية وشرعية وواضحة للمفاضلة بين خيارات سياسية ــ يمكن أن تفرز السياسات الأجدر بالاتباع، والخطوط التى على الحكومة أن تعمل فى إطارها، والمحددات التى يمكن مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها على أساسها.

فى السطور التالية نقدم بعض الأفكار حول الجوانب الثلاثة للمنظومة الفكرية المنشودة:

الجانب الأول: رؤية ووصف لمصر التى نريد أن تكون، الهدف

أشار الدكتور البرادعى ــ فى بيانه الأول الذى أرسله إلى الصحف فى ديسمبر 2009 ــ إلى بعض الملامح الرئيسية لرؤيته، ومنها:

دولة مدنية عصرية تقوم على الحداثة والاعتدال والحكم الرشيد.
كفالة جميع الحريات وحقوق الإنسان المتفق عليها عالميا.
توازن دقيق ورقابة متبادلة بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى.
قناعة بأن الدين لله والوطن للجميع.
نظام سياسى واقتصادى واجتماعى قائم على تمكين الشعب نساء ورجالا، وعلى مشاركة الجميع بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.
احترام الأغلبية وحماية الأقلية وتكافؤ الفرص.
التفكير العقلانى والتعليم المتميز والتركيز على البحث والتطوير العلمى.
توازن بين الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية.
مجتمع يقوم على حرية الرأى وحرية العقيدة والحرية من الحاجة والحرية من الخوف.
مجتمع غايته الأولى ضمان حق كل إنسان مصرى فى حياة حرة كريمة.
ثم أعلنت الصحف عن قرار الجمعية الوطنية للتغيير إصدار وثيقة «مصر التى نريد أن تكون» ــ كما أسلفنا ــ والتى نتوقع أن تحتوى على مزيد من التفصيل لملامح هذه الرؤية.

جهود سابقة

فى هذا الصدد فإننا ندعو الجمعية إلى التعرف على الجهود ــ القليلة ــ التى سبق بذلها فى هذا المجال: مجال صياغة رؤى مستقبلية لمصر، أو عرض لأفكار أو ملامح أو جوانب يجب أن تؤخذ فى الاعتبار عند صياغة مثل هذه الرؤى. كما ندعو الجمعية للاستفادة من هذه الجهود والبناء عليها بقدر ما يتناسب ذلك مع توجهات الجمعية.

فمن أمثلة المجهودات المؤسسية: مشروع صياغة رؤية مستقبلية لمصر عام 2030 والذى قام به مركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بمشاركة مجموعة من المؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدنى، وذلك فى الفترة من 2005 إلى 2007.

أما على مستوى المجهودات الفردية، فنذكر ــ على سبيل المثال ــ كتاب الأستاذ راجى عنايت «صندوق الانتخاب يسقط عن عرشه ــ ديمقراطية جديدة لمجتمع المعلومات»، الصادر عام 2008.

على كل حال، سوف تصدر الجمعية الوثيقة المشار إليها أعلاه، والمقدر لها أن تتكون من نحو 10 صفحات، مما يعنى أنها سوف تقتصر على توضيح الخطوط العريضة لملامح «مصر التى نريد أن تكون». فنعود إلى دعوتنا للجمعية بأن تنظر إلى إصدار هذه الوثيقة باعتباره الخطوة الأولى فى مسار طويل ومتواصل، فندعوها ــ بعد طرح الوثيقة على الرأى العام لمناقشتها فى إصدارها الأول ــ إلى إخضاعها لعملية مستمرة من التطوير نحو المزيد من التفصيل والشمول والتصحيح والتحديث.

وفى كل الأحوال، فإن ملامح مصر المستقبل التى نحتاج أن نصيغها، والتى تمثل الجانب الأول من المنظومة الفكرية المنشودة ــ يجب أن تكون:

على درجة من التفصيل، أى ألا تكون مجرد شعارات عامة متسقة مع بعضها البعض قابلة للاستدامة مرتبطة بزمن معين فى المستقبل، وقابلة للتحقيق فى خلال هذا المدى الزمنى. فعلى سبيل المثال، وإذا أخذنا سنة 2030 كتاريخ مستهدف، هذه بعض الملامح التى قد تتناولها الرؤية المستقبلية:

انطلاقا من الأولوية المطلقة للمياه، فمن المؤكد أن «الحالة المائية» يجب أن تكون على رأس الملامح التى نضع وصفا دقيقا لها: كمية المياه التى نتوقع أن تكون متوافرة سنويا ــ فى سنة 2030 ــ ومصادرها وتوزيع استهلاكها جغرافيا واقتصاديا، خاصة أن هذا يعتبر من العوامل الحاكمة للكثير من الملامح الأخرى.

ملامح مصر السكانية: مع أخذ الوضع الحالى فى الاعتبار، أى العدد الحالى للسكان، والمعدل الحالى للزيادة السكانية، والثقافة السائدة، ومستوى التعليم ومستوى الرعاية الصحية المتاحة... إلخ، علينا أن نضع تصور لأفضل وضع يمكن تحقيقه بحلول عام 2030 : عدد السكان وتوزيعهم الجغرافى ــ التوزيع العمرى ــ معدل المواليد ومعدل الوفيات ــ التوزيع المهنى (وهذا يرتبط بتوزيع استخدامات الأراضى وتوزيع الأنشطة الاقتصادية وكمية المياة وتوزيع استخدامها... إلخ).

توزيع استخدامات الأراضى وأشكال الحيازة.
نوعيات التعليم وتوزيع المؤسسات والخدمات التعليمية.
نوعيات وتوزيع واستخدام خدمات المعلومات والاتصالات والإعلام.
الزراعة ــ التركيب المحصولى ــ درجة تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء.
الصناعات ــ التعدين ــ إنتاج الخامات ــ عمق التصنيع.
الطاقة: توزيع استهلاكها وإنتاجها جغرافيا وتكنولوجيا.
التقسيم الإدارى ــ العاصمة ــ المدن الكبرى ــ وسائل النقل والانتقال.
الحكومة: المركزية ــ اللامركزية ــ الحكم المحلى.
المجتمع المدنى: نوعيات وتوزيع أنشطته ومنظماته.

ومن البديهى أن هذه الملامح، التى ذكرنا بعض أمثلة لها، تتقاطع وتتداخل مع مجموعة أخرى من الملامح التى قد تكون الأهم على الإطلاق، وهى ملامح الحالة الثقافية والقيمية والاجتماعية، والتى يجب عدم إغفال دورها كعناصر مهمة من ضمن عناصر الرؤية المستقبلية لمصر، وكذلك كعوامل قوة وتمكين لتحقيق هذه الرؤية.

كإطار عام لإنشاء وتطوير الجانب الأول من منظومتنا الفكرية المنشودة، وهى الرؤية المستقبلية لمصر، يمكن انتهاج أحد الأساليب الآتية:

البدء بوضع الأهداف الرئيسية للرؤية، ثم تحليل كل هدف رئيسى إلى مجموعة من الملامح، يعالج كل منها بدرجة من التفصيل.

الاسترشاد بالتقسيم الوزارى الموجود حاليا أو أى تصنيف نمطى للجوانب الرئيسية للمجتمع والدولة.
الاكتفاء بعدد محدود من المحاور، والتى نعتبر أنها المحاور الأساسية والقائدة والمهيمنة على رؤيتنا المستقبلية لمصر.

الجانب الثانى: وصف مصر الآن

هذا الجانب مهم جدا، حيث إنه لا يتصور الشروع فى حركة واسعة وجادة للإصلاح دون معرفة حقيقية وتفصيلية بالوضع الراهن.

نتوقع أن نجد هنا كمية كبيرة من الأعمال التى تم إنجازها، ولكن فى أماكن متفرقة (أقسام فى جامعات، مراكز أبحاث، جمعيات، مؤسسات صحفية وإعلامية... إلخ). وقد تكون الإضافة الرئيسية التى نحققها هنا هى إيجاد نظرة شاملة تعمل على التنسيق والترابط والتكامل بين هذه الدراسات، سواء فى توجيهها وتخطيطها أو فى تجميع نتائجها بشكل يضيف إلى الصورة الشاملة والتفصيلية الآخذة فى التبلور لدينا.

يؤدى هذا الجانب من الحركة إلى تنشيط وتفعيل المؤسسات البحثية وموارد وإمكانيات البحث فى مصر، وتوجيه قدراتها إلى خدمة قضايا الإصلاح والتنمية.

الجانب الثالث: مقترحات العبور للمستقبل

وهذه مقترحات للكيفية التى يمكن بها ــ عمليا ــ الانتقال من حالة مصر الآن إلى حالة مصر التى نريد أن تكون: الخطوات والمراحل والمحطات.

هنا أيضا قد نجد الكثير من المساهمات فى شكل مشروعات مطروحة أو مقترحات عملية تغطى بعض مجالات التنمية. ونتوقع أنه كلما زاد تبلور ووضوح الجانبين الأول والثانى من المنظومة الفكرية التى ندعو لها، فإن هذا من شأنه أن ينشط ويرشد التفكير والبحث والعمل فى الجانب الثالث منها، والذى يصبح ــ عند وصوله إلى مرحلة معينة من النضج ــ هو المكون العملى لمشروع النهضة، والمدخل الطبيعى للعمل السياسى.

النتيجة: إذا، فنحن ندعو الجمعية الوطنية للتغيير إلى تعظيم رسالتها، لتشمل «حفز وقيادة الصفوة المصرية للاضطلاع بمسئوليتها التاريخية، لتقود نهضة فكرية شاملة: تصيغ وتبلور تطلعات الأمة، ترصد وتسجل أحوالها ومشاكلها وتبحث وتحلل فى الأسباب والنتائج، وتبتدع الأفكار والحلول، وتضع المشروعات والخطط للنهضة والتقدم».

ونحن إذ ندعو الجمعية إلى تبنى هذه الرسالة، فإننا ندرك أن التحدى الأكبر الذى يواجهها هو انعدام الخبرات واضمحلال القدرات الخاصة بالتفكير الجمعى لدى معظم أفراد الصفوة المصرية، وهى القدرات الضرورية لإنجاز أى خطوة فى مثل هذا المشروع الحضارى الطموح.

وقد أكد لنا أصدقاء ــ أثبت تاريخهم، المرة تلو المرة، حبهم للبلاد، وتفانيهم فى العمل لها ولمن يقع تحت أيديهم من أهلها ــ أكدوا أن مثل هذا التحرك محكوم عليه بالفشل، لأن الكل سوف يختلف، وأن من سمات مجتمعنا فى الوقت الحالى أن أى مجموعة من الزملاء، وإن اتفقت على أهداف أو مطالب أو آليات مهنية محدودة، تختلف لحظة محاولة الخروج من الضيق المهنى إلى الأوسع المجتمعى. ومن تجربتنا أن هذا صحيح، خاصة بين المثقفين، إلا أن الزمن يتطلب منا، ومحنة الوطن تلح علينا، أن ندرك أن هذا هو التحدى الأكبر، فنحرر أنفسنا من أنماط الأعوام الماضية، ونعود من جديد إلى معرفة كيف نفكر وننتج فكرا بشكل جمعى.

تحقيق النجاح فى الإنتاج الفكرى الجمعى ليس مستحيلا، لكنه يتطلب إدارة فرق العمل بواسطة شخصيات تتوافر فيها العديد من المقومات، لعل أهمها: سعة العلم وسعة الأفق، والإخلاص للعمل المطلوب إنجازه، والقدرات الفكرية والمنهجية المتميزة، وقدرات الإدارة والقيادة، والثقة، والاحترام المتبادل مع فريق العمل.

وبنظرة سريعة، نجد بيننا اليوم من الرجال ومن النساء أمثلة ونماذج تتمتع بكل هذه المقومات، كما أنهم ــ كل فى مجاله ــ لم يسمحوا للمناخ المحبط أن ينال من همتهم، فظلوا يعملون، بدرجات مذهلة من الإيجابية والكفاءة، فأنجزوا، وبنوا، وأفادوا، ومنهم أشخاص هم فى قلب هذه الحركة المتوجهة للتغيير، قد يكون من أشهرهم وأكبرهم الأستاذ الدكتور محمد غنيم والأستاذ الدكتور محمد أبوالغار، وقد يشكل هؤلاء الأفراد عددا مما يمكن أن نسميه بالبؤر المشجعة على التعاون وعلى التفكير الجمعى ــ وقد يكون هذا فى النهاية هو الإسهام الأكبر والأهم لهذه النخبة ذات التاريخ الكبير والخبرة الكبيرة: أن تعيد تحفيزنا وتدريبنا وتمكيننا من العمل الفكرى الجمعى لنبلور معا تصورا واضحا لمصر التى نريدها وكيف نصل إليها.

خاتمة: قبل انهيار الدولة

منذ نحو أربعة آلاف سنة، انهارت الدولة المصرية القديمة، وعاش المصريون مرحلة عصيبة: أزمات اقتصادية متلاحقة، انهيارات مؤسسية وفساد سياسى وتفكك مجتمعى، حتى قال بعضهم بأنها نهاية مصر ونهاية التاريخ. ولكن فى مناطق متفرقة من البلاد كان هناك من لم يرتضوا هذه النهاية فهبوا يعملون، بإخلاص وبإبداع وبكفاءة، فأنجزوا، وبنوا، ووضعوا الأساس الذى قامت عليه الدولة المصرية الوسطى: ألف عام جديدة من الحياة المستقرة ومن المشروعات والكشوفات الكبرى ومن الإدارة المحكمة ومن الفن الخلاب. 
نحن فى مفترق طُرُق. يتزايد الشعور بأننا نعيش لحظة فاصلة، وفرصة نادرة، إن عرفنا كيف نستغلها أعدنا بلادنا إلى مسارها الصحيح، مسار النهضة والتقدم، مسار التأهل لتستعيد المكان اللائق بها ــ هى السبّاقة العريقة صاحبة الألفيات السبع ــ تنير الطريق لعالم يدخل ألفيته الثالثة.

يهدى الكاتبان هذا المقال إلى كل من الأستاذ الدكتور مصطفى سويف، والدكتور على نويجى
يرحب الكاتبان بالتعليقات والمداخلات، سواء من خلال الجريدة أو على البريد الإلكترونى
contactus@shorouknews.com
asoueif@yahoo.com

التعليقات