القاهـــــــرة اليـــــــــوم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القاهـــــــرة اليـــــــــوم

نشر فى : الأحد 12 سبتمبر 2010 - 10:03 ص | آخر تحديث : الأحد 12 سبتمبر 2010 - 10:03 ص

 شاء حظى العثر والمرض الذى ألزمنى الفراش أن أتابع برنامج القاهرة اليوم ليلة الثلاثاء الماضى الموافق 28 من رمضان. وحيث إننى لا أتابع عادة أى مادة تليفزيونية، فكل مرة أخوض فيها هذه التجربة القاسية تواجهنى فيها أسئلة لا حصر لها عن واقعنا الإعلامى. وبما أننى أكتب فى إطار الانطباعات قررت هذا الأسبوع أن أكتب عن انطباعاتى عن هذه الحلقة التى تعبر بشكل كبير عن تصورى للحالة التى وصل إليها إعلامنا بشكل عام.

عرضت هذه الحلقة فقرتين طويلتين عن مسلسلى «الجماعة» و«فتاة ليل»، وحوار مع الدكتور على الدين هلال. وتغطية سريعة فى قضية ستيفو كريازى المتهم فى الشروع فى قتل ضابط أمن الدولة السابق ولى الدين صبرى. بدأت الحلقة بحديث لمذيعة البرنامج، ومنذ أول لحظة كان زميلها الأستاذ «عمرو أديب» المقدم الرئيسى للبرنامج بادى التبرم من حديث زميلته، فى حالة تأهب دائمة أن يأخذ منها الكلمة، وظل على مدار الحلقة فى حالة توتر عضلى واضحة عندما كانت زميلته تأخذ ناصية الحوار مما أشاع جوا من التوتر العام. فى النهاية أخذ منها الميكروفون بقدر من العصبية وبدأ فى مونولوج بلا رابط منطقى حقيقى أتذكر منه حديثه أن كلمة «كع» هى كلمة من أصل فرعونى وأنه لا وجود لهذه الكلمة فى المعاجم العربية. ثم أخذ يستطرد فى هذا المعنى بلا طائل اللهم إلا تأكيد الإيحاء بأن الرشوة بدأت فى مصر. وبدأ يتحدث مع جمهور المشاهدين أن من لديه عكس ما يقول أن يظهر ويبان ولكنه واثق من قوله.

وأمام ثقته هذه أقول له إن عليه الرجوع للسان العرب فى مادة: كعع: الكَعُّ والكاعُّ: وزنه فَعْلٌ. هذا التأكيد من جانب مقدم البرنامج أن الإفساد والرشوة، هذا الاضطرار أن نكعّ حتى نسّير أمورنا هى «ماركة مسجلة مصرية»، هى حالة إعلامية عامة لجلد الذات، مجهود متصل يقوم بها الإعلاميون المصريون فى التليفزيونات العربية للتأكيد أننا ــ الشعب المصرى ــ بلا مصادر قوة، يسكننا الخواء، مجهود متصل يعلى صوته لنطأطئ رءوسنا من هواننا. على العموم كلمة «كع» أكانت كلمة عربية أو مصرية أو من أى أصول أخرى هو أمر لا معنى له والرشوة ليست مصرية إنما هى نتاج حالة إنسانية واجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية ومن العيب تبسيط المسائل إلى هذا الحد.

ثم بدأ الحديث عن مسلسل «الجماعة» فى فقرة طويلة دامت لأكثر من 45 دقيقة. استمعنا خلالها لرأى مقدم البرنامج أن المسلسل جيد جدا مع عرض فقرات منه، وإلى حوار هاتفى مع كاتبه «وحيد حامد» وفى النهاية إلى حوارات هاتفية مع الجمهور للإجابة عن سؤال طرحه مقدم البرنامج: هل تغير موقفك من حركة الإخوان المسلمين إيجابا أم سلبا بعد مشاهدتك المسلسل؟

القضايا التى تمت إثارتها كانت كالتالى: هل كان هناك تدخل من جهات سيادية لتغيير السيناريو ولماذا لم يتم تصوير اغتيال حسن البنا؟ ومدى تعاطف الجمهور من عدمه مع حركة الاخوان؟ أكد الكاتب أنه توخى الحقيقة وأنه لم يتعرض لأية ضغوط لتغيير النص وأنه تعرض لحملة هجوم شرسة من الاخوان.

وجاءت المحادثات الهاتفية مع الجمهور بلا معنى فى معظمها. ما قدمه البرنامج يعبر عن حالة من الاستسهال الشديد لعرض موضوع شديد الثراء. كما يعبر عن هبوط واضح فى المستوى الاعلامى، أتصور أن هدفه هو أن «الجمهور عايز كده». لم يتم طرح العديد من القضايا المتعلقة بهذا الموضوع مثل العلاقة بين الكتابة الأدبية والواقع التاريخى والسياسى. مناقشة نماذج أدبية وسينمائية ودرامية أخرى تناولت حركات سياسية. مناقشة حدود الأدب وحدود الواقع التاريخى. تقييم التردى فى حالة الحوار بين آراء فنية وسياسية متباينة. تقييم الفكرة الغريبة التى تم طرحها فى البرنامج، فكرة أن يتغير موقف مواطن من حركة سياسية قائمة من مجرد مشاهدة عمل تليفزيونى، ومن ثم تقييم حالة ضعف الوعى السياسى العام وانحسار الفضاء العام والهم العام خلال حكم الرئيس مبارك.

الحديث عن حرية الإبداع وحرية تناول الكتاب لموضوعاته. تحليل الفكرة الهزلية عن «نقل الحقيقة» وكأن هذه الحقيقة لها وجه واحد تم تصويره من زاوية واحدة بإضاءة محددة سلفا. عشرات وعشرات القضايا الجادة التى كان من الممكن مناقشتها ولكن ما استمعت إليه كان لا شىء. كلمات معادة لا معنى حقيقى لها بالإضافة إلى طرح إعلامى سيئ وخطير على العقل العربى.

د.على الدين هلال هو الآخر لم يقدم الجديد فى حديثه عن الانتخابات التشريعية المقبلة. وجاءت فقرة مسلسل «فتاة ليل» بحوار مع الكاتب حازم الحديدى والممثل باسم سمرة. قدم «عمرو أديب» الممثل بطل المسلسل قائلا إنه اشتهر بتمثيل أفلام «طليعية» وقام مشكورا بتقديم تعريف للمصطلح الذى استخدمه أنها هذه الأفلام غير المفهومة للجمهور من إخراج يسرى نصر الله ويوسف شاهين وغيرهم. ثم سأله ساخرا أو مستهزئا هل كان هو نفسه يفهم شيئا من هذه الأفلام؟ فرد باسم سمرة بأدب جم أنه لا يمكن التمثيل فى أفلام لا نفهمها وأضاف أنه استفاد كثيرا من عمله مع هؤلاء المخرجين الكبار أمثال يسرى ومحمد خان وغيرهما. هنا أيضا يؤكد مقدم البرنامج فى نبرة سائدة للأسف احتقاره للفن (الطليعى)، وسخريته من هؤلاء الذين يقدمون فنا حقيقيا (من وجهة نظرى)، انحيازه لذوق ورغبات المواطن البسيط (المتخيل فى ذهنه بالتأكيد) على أمل الحصول على رضاه. هذه اللعبة الإعلامية شديدة الخطورة.

منحتنى مشاهدة هذه الحلقة من القاهرة اليوم انطباعا أن ما يتم تقديمه إعلاميا هو خطاب غير جاد، غير عقلانى، يخاطب الغرائز، بسيط وتافه ولا تعب حقيقى فيه. شىء محزن.

خالد الخميسي  كاتب مصري