الذكاء الاصطناعي تحت مقصلة الغباء الطبيعي - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 12:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذكاء الاصطناعي تحت مقصلة الغباء الطبيعي

نشر فى : السبت 12 أغسطس 2023 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 12 أغسطس 2023 - 9:40 م
لنتخيل سيناريوهات ثلاثة:
تخيل أننا فى المستقبل وقد بدأ القطاع الطبى فى تعميم استخدام أجهزة روبوت صغيرة جدا (نانو روبوت) يتم حقنها داخل الجسم البشرى وتعيش بداخله بشكل دائم لتتبع أى خلل منذ البداية وتتعامل معه، تعمل تلك الروبوتات طبعا عن طريق برمجيات ذكاء اصطناعى متقدمة تقوم بتحليل البيانات الحيوية عن الجسم البشرى الذى تعيش فيه الروبوتات وتقوم باتخاذ القرارات التى من شأنها منع المشكلات الصحية قبل حدوثها أو استفحالها، هذا شىء مبهر ومن شأنه أن ينهى الحاجة إلى الجراحة. تخيل أن تلك الروبوتات تعيش داخل سيدة حامل وبرمجيات الذكاء الاصطناعى وجدت أن هناك احتمالا كبيرا أن يخرج الجنين مشوها أو مريضا بمرض لا يرجى شفاؤه لذلك اتخذت قرارا بإنهاء حياة الجنين دون الرجوع لأهله، الآن يتحول الانبهار إلى رعب.
<<<
برمجيات المحادثة مثل: (chatGPT) من شركة OpenAI و(Bard) من شركة جوجل و(Bing) من شركة مايكروسوفت والكثير غيرها تمثل الآن شيئا مسليا، لكن فى المستقبل القريب ستكون تلك البرمجيات جزءا من الأدوات الأساسية التى نستخدمها فى الأبحاث العلمية والمقالات الإخبارية، بل وفى شتى فروع الأدب. هذا من شأنه أن يجعل مهمة الكتاب والباحثين أسهل كثيرا، لكن ماذا لو بدأت تلك البرمجيات فى «تأليف» معلومات خاطئة؟ وهذا يحدث الآن ويسميه خبراء الذكاء الاصطناعى (hallucinations) أى هلوسة؟ مثلما حدث عندما اتهمت تلك البرمجيات أحد أساتذة القانون بإحدى الجامعات الأمريكية بأنه قد أدين فى قضية تحرش جنسى بإحدى الطالبات، بل و«ألفت» تلك البرمجيات مقالا بأكمله «زعمت» أنه نشر فى جريدة النيويورك تايمز الشهيرة عن تلك القضية. تأثير تلك الهلوسة سيكون مدمرا ما لم نأخذ الحذر.
>>>
نحن فى عصر بدأ استخدام الطائرات المسيرة (drones) على نطاق واسع فى العمليات الحربية، الذكاء الاصطناعى يمكنه التحكم فى تلك الطائرات والتنسيق فيما بينها إذا كان هناك أكثر من طائرة حتى تقوم بهجوم ناجح، ماذا لو حدث خطأ ما وبدأت هذه المسيرات فى مهاجمة أهداف خاطئة أو مهاجمة بعضها البعض؟ ستكون كارثة.
ماذا تقول لنا تلك السيناريوهات؟
تطبيقات الذكاء الاصطناعى مبهرة والخطأ فى استخدامها كارثى.
هنا الخوف الحقيقى من الذكاء الاصطناعى وليس الخوف من تمرد الأجهزة أو احتلال كوكب الأرض وكل هذا الكلام الذى يصلح فقط لأفلام الخيال العلمى. برمجيات الذكاء الاصطناعى لن تشعر بجنون العظمة أو الازدراء، لن تشعر بأى شىء لأن المشاعر لا يمكن «ميكنتها» لأننا لا نفهمها.
الخوف من استخدام تلك البرمجيات يأتى من الاستخدام الخاطئ لها وهذا الاستخدام الخاطئ يأتى من طريقين:
إعطاء تلك البرمجيات مساحة للتحكم أكثر مما ينبغى دون رقيب، واستخدامها على نطاق واسع فى بعض المجالات قبل أن يكون الإنسان مستعدا لها.
ما الذى نحتاجه كى نقلل من تلك المخاطر؟
أولا: يجب أن تكون هناك دائما وسيلة يتمكن بها الانسان من إيقاف برمجيات الذكاء الاصطناعى والسماح بالتدخل البشرى، وهذا من حسن حظنا لأن الضغط على زر لإطلاق السلاح النووى هو خطوة بلا رجعة، لكن إطلاق برمجيات الذكاء الاصطناعى للقيام بمهمة ما يمكن إيقافه والسماح للبشر بالتدخل.
ثانيا: يتعين وجوب تشريع دقيق لاستخدام تلك التكنولوجيا وعقوبات صارمة لمن يتجاوز فى ذلك، مثلا إذا صدمت سيارة ذاتية القيادة شخصا ما فمن يتحمل المسئولية؟ هذا سؤال صعب للغاية، هذه التشريعات لا تشمل الأفراد فقط، بل والدول أيضا. الأمم المتحدة تعكف على اصدار توصيات بخصوص الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعى، لكن هذه خطوة أولى تنتظر ما بعدها.
ثالثا: يجب أن تتحمل الشركات الكبرى المسئولية وتبطئ من استخدام تلك التكنولوجيا المتقدمة على نطاق واسع قبل أن تدرس بدقة التأثيرات السلبية لها على المجتمع، عادة ما تسرع تلك الشركات إلى إطلاق المنتجات التكنولوجية إلى السوق حتى لا تسبقها شركات أخرى مثلما أطلقت جوجل تطبيق (Bard) للرد على (chatGPT) وحتى لا تستأثر شركة OpenAI بالسوق ولم يكن (Bard) جاهزا، إذا هناك نهم للمكاسب وهناك عدم ثقة بين تلك الشركات الكبرى وبعضها، هناك مسئولية أخلاقية كبرى تقع على عاتق تلك الشركات الكبرى.
رابعا: يجب أن يكون هناك تعاون بين البشر وتلك البرمجيات وليس منافسة، البشر لهم قدرات مختلفة عن الآلة فالتكامل أفضل من التنافس، وهذا موضوع بحثى مازال فى مهده: ما هى الطريقة المثلى للتعاون بين الآلة والإنسان فى مختلف المجالات لما فيه الخير للبشر؟
هناك فروع بحثية أتمنى وجودها فى مصر على نطاق واسع:
علم المستقبليات وكيف ستكون التكنولوجيا والعلاقات بين البشر والدول فى المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
كيفية التعاون بين الانسان والبرمجيات
قياس التأثير النفسى والاجتماعى لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى مختلف مجالات الحياة
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات