بين السياسة والصحافة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين السياسة والصحافة

نشر فى : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:39 م | آخر تحديث : الأحد 12 يوليه 2009 - 8:39 م

 أهم ما يميز الدكتور عبدالمنعم سعيد، أنه رجل قادر طوال الوقت على وضع أفكار مهمة على مائدة الحوار، وسواء اتفقت أو اختلفت مع هذا الرجل، فإنك تجد نفسك مدفوعا لمناقشة ما يقول، أو فى أضعف الإيمان التعليق على ما يقول.. والدكتور سعيد يملك أيضا رحابة صدر غير عادية مع كل المختلفين معه فكريا.. وهو يمتلك جدية مدهشة سواء كتب فى شئون العلاقات الدولية والتى يملك نواصيها ببراعة كعالم قدير، أو فى كرة القدم والتى ينحاز فيها للمتعة والإثارة كعاشق للنادى الأهلى.. وقبل كل ذلك وبعده، فإن الدكتور سعيد يكتب ويطرح أفكاره من رؤية وطنية خالصة، تصب فى المصلحة المصرية، حتى لو غضب منه البعض أحيانا لرؤاه البراجماتية.. رغم أن هذه البراجماتية هى صلب السياسة شئنا أم أبينا.. أحببنا ذلك أو كرهناه فالسياسة مصلحة.. حتى لو كره الرمانسيون والحالمون بأمجاد ولّت، وعلى ما يبدو أنها لن تعود.

ولأن الدكتور سعيد يملك كل هذه القدرات، فإن ما كتبه يوم السبت الماضى (11/7/2009) فى صحيفة الأهرام التى تشرف برئاسة مجلس إدارتها (وتشرفت به المؤسسة أيضا) حول حل المجلس بدا مثل الطلقة القاتلة تجاه بعض الصحف التى أشارت إلى حل مجلس الشعب.. ولأن الرجل يملك مواهب خاصة فملأ المقال وأعاد وأطنب بأن كل ما تنشره الصحف لا يستند على أى مصادر.. بل كلها مجهولة النسب والهوية على طريقة: مصادر عليمة.. موثوقة.. قريبة من الحزب الوطنى.. وهو يرى أن كل ذلك مجرد إشاعات وفرقعات صحفية لا أساس لها من الصحة، ولأن الرجل بارع فقد خلص مقاله إلى أن النظام مستقر والأمن مستمر والحزب يعانى من ويلات الصحف الكاذبة، وتجنب الدكتور فيما كتب الإشارة إلى أى صحيفة كتبت عن الحل، أو قام بتحليل مضمون أى قصة إخبارية علقت على حل المجلس.

أولا: من حق الصحف أن تنشر أخبارها منسوبة إلى مصادر من دون ذكر أسمائها فهذا أمر يتعلق بأخلاق المهنة، ففيه حماية لمصادر ترفض ذكر أسمائها لمراكزها القانونية أو لأوضاعها الحزبية أو لمسئولياتها السياسية.. أو حتى من أجل عدم الرغبة فى خوض معارك سواء مع الحياة السياسية أو داخل منظومتها الحزبية أو الوزارية.

ثانيًا: وهو الأهم، أن بعض الصحف نشرت أخبار حل المجلس مصحوبة بأسماء المصادر، مثل جريدة «الشروق» التى نشرت التصريحات منسوبة إلى الدكتور مصطفى الفقى والذى كان يناقش توقيت الحل، أى أنه على يقين من حل المجلس، فقط الاختلاف على التوقيت، أو مثل صحيفة «الوفد» التى حاورت الدكتور مفيد شهاب حول حل المجلس، وقال تلميحا عن الحل وأن القرار فى يد الرئيس، وكما يعلم الدكتور سعيد أن تحليل مضمون ما ذكر د. شهاب هو حق أصيل للإعلام، وبينما ذكر اللواء محمد عبدالفتاح عمر فى برنامج «الحياة اليوم» الذى تبثه قناة «الحياة» فى معرض حديثه الهاجم على الإخوان.. أن هؤلاء ــ يقصد الإخوان ــ سيكونون أهم أسباب حل مجلس الشعب.. وطبعا سيادة اللواء إلى جانب كونه وكيلا للجنة الأمن القومى بالمجلس فهو من القيادات البارزة للحزب الوطنى.. مثله مثل الدكتور مصطفى الفقى وهو أيضا وكيل لجنة فى المجلس، بينما الدكتور شهاب هو وزير المجلس نفسه إلى جانب الشئون القانونية.

ثالثًا: دار حوار بينى وبين واحد من أبرز قيادات أمانة السياسات، وطبعا سأحتفظ باسمه فهذا حقى بل وواجبى المهنى، وأكد لى أن فكرة حل المجلس واردة وهناك من يناقشها داخل الأمانة، ومن بين الأسباب أن الحزب يرغب فى انتخابات مبكرة من أجل أن يكون المجلس الجديد قد استعد لفترة زمنية لا بأس بها من أجل انتخابات الرئاسة فى 2011، بينما لو استمر المجلس الحالى سيكون الفصل التشريعى الأول فى ذات عام الانتخابات الرئاسية.

يا دكتور سعيد.. ما دار عن حل مجلس الشعب كان فرصة للحوار حول المستقبل السياسى لمصر، خاصة أن الصحافة دوما تجد نفسها فى مساحة ليست من اختصاصها الأصيل وهو التعبير السياسى عما يحدث وليس التعبير الإعلامى والذى هو دورها الأصيل ومهمتها الرئيسية.. لكن الصحافة تفعل ذلك لشغل الفراغ الذى خلقه موت السياسة عند الحزب الوطنى أولا والذى يلعب متفردا.. بل إن القوى الحزبية الأخرى تذكرنى بما فعله نادى ريال مدريد الإسبانى عندما أسس ناديا آخر هو «خيتافى» ليكون النادى الذى تترعرع فيه المواهب الجديدة حتى تنضج وتكون جاهزة للعب فى الريال.. وهكذا تماما فعل الحزب الوطنى.. فقد أنشأ أحزابا لتربى له كوادره المحتملة فى المستقبل.. ولا مانع أحيانا من مواجهة هذه الأحزاب. «الريال» يلاقى «خيتافى» فى الدورى وأحيانا يتلقى الهزيمة على يديه.. ولكن يبقى خيتافى الباب الخلفى للنادى الملكى ويده الخفية حينما يستلزم الأمر اختفاء الريال.. وأعتقد أن الحزب الوطنى يفعل ما يفعله النادى الإسبانى.. وربما «أكثر شوية».

يا دكتور عبدالمنعم أنت ذكرت أن السياسة عادت من موتها.. والمياه الراكدة تحركت.. وها أنت ترفض عودة السياسة عبر مقالك عن حل المجلس.. وعدت إلى معسكر موت السياسة.. وهذا حقك.. لكن تأكد أن الصحافة قامت بواجبها دون تجن ٍعلى الحزب الوطنى، وإن كان هناك مخطئ فى هذه القضية فهو الحزب الوطنى الذى يرفض الإفصاح عما يدور بداخله، ويمتنع عن ممارسة السياسة ويهرب من أى اشتباك فكرى، هذا من ناحية.. وهو المخطئ أيضا فى تسريب هذه المعلومات فكما قال رئيس مجلس الشعب د. أحمد فتحى سرور (طبقا لجريدة العربى الناصرى) إن وراء شائعة حل مجلس الشعب قيادات من الحزب الحاكم.

يا دكتور هذا هو حال الحزب.. يتراجع ويتخفى.. ويتقوقع.. فهل تريد من الصحافة أن تفعل ذلك أيضا؟! إذا كان الحزب يربح من هذا الانسحاب فإن الصحافة لا تكسب سوى من ذكر ما يحدث من أنباء للرأى العام.. فهذه وظيفتها، هذا هو همها الوحيد.. وأيضا شرفها.. فلا تطعنوا الصحافة فى شرفها.. فالصحافة ليست مثل السياسة.. الصحافة لديها أخلاق وهذا ناموسها.. والسياسة أحيانا بلا أخلاق وهذا شعارها العام.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات