نموذج سعد الهلالى - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 11:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نموذج سعد الهلالى

نشر فى : الثلاثاء 12 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 فبراير 2013 - 8:00 ص

كلما أستمع إلى الدكتور سعد الهلالى، أتيقن من جديد، أن هذا البلد به من الرجال من يعرفون العلم ويأخذون بأسبابه، وكلما تكلم الرجل، أدرك تماما بأن هناك فرقـًا بين من يعلم ومن لا يعلم، وأن هذا الفارق أصبح يعرفه الكافة ويشعرون به دون التنبيه أو الإشارة إلى ذلك، بل إن البعض من المتابعين يعتبرون الدكتور الهلالى والذين فى مكانته هم الأمل والخلاص، حتى لو كان أملا لحظيـًا « زمن حديثه على الشاشة»، وخلاصا نفسيـًا وروحيـًا خاصـًا لا ينسحب بالضرورة على الجميع.

 

وهذا الأمر على وجه الخصوص، يمثل الجزء الأكبر من الأزمة المصرية، وهو الصراع الذى استمر  منذ يوليو ١٩٥٢ وحتى يناير ٢٠١١، وهو ما نطلق عليه صراع «أهل الثقة وأهل الخبرة»، حيث كانت الفكرة الأساسية التى خلص إليها عبدالناصر أنه من الضرورى أن يعهد بالمهام إلى من يثق أنهم يؤمنون بحركة الجيش (الثورة بعد ذلك) حتى لو على حساب الأكثر خبرة وقدرة من الذين كانوا ضد حركة الجيش، أو على الأقل لم يباركوها، وتبدو انحيازاتهم أو مصالحهم مع ما كان سائدًا قبل ٢٣ يوليو، ثم تحولت هذه الثقة بعد ذلك من الثقة فى إيمانهم بالثورة إلى ثقة الزعيم فيهم ومدى إخلاصهم له.

 

ما حدث فى الخمسينيات والستينيات، كان انقلابـًا على سياسة وبيروقراطية الدولة فى ذات اللحظة، حيث كانت الأمور الفنية للتكنوقراط وأهل الخبرة، وتبقى السياسة لأهلها خاصة فى منصب الوزير، وربما فى الرجل الأول الذى يسيِّر الأمور مثل وكيل أول الوزارة (طبعـًا مع الإشارة إلى وجود الفساد فى بعض أحيان هذه المعادلة السياسية المنضبطة)، وهذه المعادلة حققت الكثير لمصر ما قبل ثورة يوليو، فى حدود أنه كان هناك استعمار، وملكية غير أصيلة ومشوهة نتجت عن انهيار مفاجئ للدولة العثمانية، وهى المعادلة التى كانت تمكن أجهزة الدولة ــ لحد كبير ــ من الانتظام  فى تقديم خدماتها، بعيدًا عن أى صراعات سياسية أو حزبية.

 

أما ما يحدث الآن، فى أمور إدارة الدولة، فهو انقلاب شبيه بانقلاب يوليو، إن لم يكن منسوخـًا منه، فهو انقلاب كامل على فكرة الكفاءة والمهارة فى إدارة أمور الدولة، وهى الحالة التكنوقراطية الخالصة التى لجأ إليها السادات ومبارك من بعده، والتى اعتمدت فى الغالب على أساتذة الجامعات، رغم أن من بيده الأمر الآن أستاذ جامعى، إلا أنه لم يجنح إلى ذلك وذهب مدفوعـًا، إلى ما بعد الثقة، (الولاء المشفوع بالسمع والطاعة)، بغض النظر عن الإيمان بالثورة من عدمه (ثورة يناير طبعـًا لأن ثورة يوليو وأى امتداد لها هو العدو التاريخى)، وفكرة الولاء جاءت برجال لا يعرفون ماذا يفعلون، سوى ما يملى عليهم من أعلى (بالطبع هناك استثناءات).

 

لا جدال أن من فاز فى الانتخابات هو الذى يحكم ويدير، ومن حقه اختيار إدارته، لكن الذى ليس من حقه أبدًا، خاصة  فى ظل ثورة  مطلوب استكمالها وتحقيق أهدافها، أن يعبث بكامل أجهزة الدولة ويعيد ترتيبها وفقـًا لهواه، فهذا ليس اختياراً بين الثقة والخبرة، بل اختيار بين البناء والخراب، وهذا بالضبط ما يحدث الآن فى بنية الدولة المصرية، سواء كان بحسن أو سوء نية، لا فرق، لأن الذى يحدث الآن أن الذين لا يعلمون ولا يعرفون هم من فى القيادة (فقط يعرفون ويعلمون ما هو الولاء)، على العكس تمامـًا من نموذج الدكتور الهلالى الذى عرف العلم وآمن به ويأخذ بأسبابه فيعمل به، لذا فالمطلوب الآن أن يكون رجال العلم والخبرة والمعرفة والقدرة على الإنجاز فى مقدمة صفوف إدارة هذه الدولة، ومرحبـًا برجال الجماعة الفائزة فى الانتخابات فى المناصب السياسية،  فهذا حقهم، لكن من حقنا أن يدير أمورنا مثل نموذج الدكتور الهلالى، وهم كثر، واختيارهم يمثل القضاء على الفساد الذى طالبت به ثورة يناير، أما السخرية والنقد والهجوم المستمر على حكومة الدكتور قنديل فهو لا يعبر إلا عن عدم مسئولية من يحكم ومن يعارض فى هذا الوطن.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات