عشان تعرفوهم روحوا شجعوهم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 3:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عشان تعرفوهم روحوا شجعوهم

نشر فى : الأحد 11 أكتوبر 2009 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أكتوبر 2009 - 9:40 ص

 تجرعنا بصعوبات بالغة دون الاستعانة بنقطة واحدة من الكوكاكولا، إعلانات شركة كوكاكولا التى كان يتم عرضها بالتليفزيون المصرى تحت شعار: «عشان تعرفوهم روحوا شجعوهم» قبل وفى أثناء وبعد مباريات كأس العالم للشباب، والتى خرج منها منتخبنا الوطنى بالصفعة القاضية الفنية من منتخب دولة كوستاريكا العريق فى كرة القدم، والذى سبق له الحصول على المركز الثالث بجدارة غير عادية فى مجموعته التى تتكون من أربعة فرق. وهى سلسلة من الإعلانات التى تؤصل مفهوما فى منتهى الخطورة مؤداه أن من يمتلك السلطة أو المال أو الشهرة يمكنه أن يفعل ما شاء فى مجتمع بات بلا قيم إلا قيمة الشهرة والسطوة. أما قيم الحق والقانون والمساواة والإنسانية فلا مكان لها.

كل إعلان يبدأ بخطأ سلوكى من أحد اللاعبين أو من أحد المتعاملين معه، وينتهى الإعلان بإيحاء أن هذا الخطأ السلوكى ما كان له أن يحدث لو كان هؤلاء اللاعبون من المشهورين وذوى الحظوة.

نجد فى أحد الإعلانات أن سيارة أحد اللاعبين تقف فى مكان ممنوع الانتظار فيه، ويقترب أمين شرطة لمنعه من الوقوف، وينتهى الإعلان بالشعار المكرر فى إيحاء واضح لجمهور المتفرجين أن هذا الأمين لو كان يعرف اللاعب لتركه وسيارته يطيح بقواعد المرور، فالمشهور يمكنه أن يبصق دائما على القانون. هذه القيمة المرعبة هى التى أوصلت الكثيرين إلى هاوية الشعور أنهم خارج طائلة القانون.

وفى إعلان آخر يجلس المدير الفنى للفريق داخل دار عرض سينمائى يشرب كوكاكولا (بالطبع) ويحدث صوتا منفرا فيعترض أحد الجالسين بجانبه، وينتهى الإعلان بنفس الفكرة: لو عرفناه لتركناه يزعج من حوله ولا أهمية لحق البشر فى متابعة الفيلم السينمائى الذى نزلوا من منازلهم لمشاهدته، وليدعوا هذا «المشهور» الذى يجلس بجانبهم يفعل بهم ما شاء.

أنا هنا غير مهتم بشركة كوكاكولا، حيث إننى أمتلك من المعلومات العلمية عن الكوارث البيئية التى تحدثها مصانع الشركة فى مناطق مختلفة من العالم، ما يجعلنى أعرف أنهم غير مكترثين بما يحدثونه من كوارث ثقافية أو إنسانية، فعلى سبيل المثال يقوم مصنع كوكاكولا فى مدينة مهديجنج الهندية بسحب ربع مليون لتر مياه جوفية يوميا ــ وهذه كارثة فى حد ذاتها علما بالإشكالية التى تطرحها قضية المياه فى الكرة الأرضية ــ وهو الأمر الذى أدى لانخفاض مستوى المياه الجوفية خمسة عشر مترا خلال أربع سنوات فقط فى دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات حول المصنع.

كما أن لدى من المشاعر التى تبغض سلوكيات ثقافة الشركات العابرة للقارات التى تحطم وجه من يقف فى سبيل نموها المالى، وتاريخها الأسود ماثل للأعين. كما أننى غير مهتم أيضا بالمسئول فى شركة كوكاكولا مصر الذى وافق على نشر إعلانات تروج لمفاهيم فى منتهى الخطورة على المجتمع، وغير مهتم كذلك بوكالة الدعاية التى ابتكرت وأنتجت وروجت، أما اتحاد الكرة المصرى الذى وافق أن يتم استغلال هؤلاء الشباب ومديرهم الفنى لنشر مفاهيم بهذه الخطورة فهو غير مسئول عن سلامة المجتمع... من المسئول إذن؟

هل هى سطوة المال وبريقه الذى دفع التليفزيون المصرى إلى قبول هذه الإعلانات المخربة والتى تؤكد خراب عقول وقيم الشعب المصرى؟ هل شهرة كوكاكولا ونفاذ كلمتها على الكبير والصغير فى العالم قد فرضت منطقهم «عشان تعرفوهم روحوا شجعوهم»؟ أم أن هناك تقاعسا فى دور التليفزيون المصرى فى حماية قيم وثقافة هذا الشعب.

المسئول عن هذه الكارثة هى الدولة المصرية. فالدولة غائبة تماما وتستيقظ فقط لحماية نفسها أو لحماية أحد مريديها ولا يعنيها هنا غير ذلك. تقوم الرقابة فى التليفزيون المصرى تاريخيا بمنع كل ما هو جيد وحقيقى وصادق من أعمال وسيناريوهات حتى أصبح ما يقدم هو الرخيص والغث، أما الجيد الذى يمر من تحت أيديهم فيكون دائما نتيجة لأداء بطولى من مؤلف العمل مع مسئولى الرقابة. وفى المقابل نجد مؤسسة التليفزيون تقبل بلا أى واعز ضمير هذه النوعية من الإعلانات.

أصبح الجيل الجديد يقبل مشاهد الرشوة والفساد والمحسوبية فى الحياة باعتبارها من المسلمات، وتسلل السوس داخل روحه وعقله. ترسخ عفن أحقر القيم الإنسانية داخل النسق الثقافى العام للشباب المصرى، وجاءت بطولة كأس العالم للشباب وراعيها مناسبة جيدة لنشر رائحة هذا العفن للقضاء على قدرة أنوفنا على التمييز إلى الأبد.

خالد الخميسي  كاتب مصري