الورد يريد - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 5:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الورد يريد

نشر فى : الأحد 11 مارس 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 11 مارس 2012 - 9:00 ص

أتذكر فى أحد اللقاءات التى تعد على أصابع اليد الواحدة التى جمعتنى بوالدى الشاعر عبدالرحمن الخميسى، وكنت فى نحو الرابعة عشرة من عمرى، أنه قال لى وهو يتحدث بحماسة فائقة عن شاعر لا أتذكر الآن اسمه: شعره يا خالد يتردد فى الشوارع، الناس تتغنى بقصائده، كلماته صارت أنفاسا للمكلومين والفرحى. أتذكر هذه الجملة بعد كل هذه السنوات لأننى شعرت آنذاك أن ما قاله لى والدى يمثل حلمه الدفين: أن يصير الشعر نبضا لأفكارنا، أن نسير فنجد أشعارا وقصائد تسير هى الأخرى بجانبنا ونحن نشق معها طريقنا بالصعوبة المعهودة فى شوارعنا المسكونة بالحلم. أن يصير الشعر هو الحكم وهو القانون. أن يحكم الشعراء الأرض فيصير عرقنا ملحا يحول الصحراوات لمزارع خضراء.

 

●●●

 

ولماذا هذه الذكريات القديمة عن الشعر والشعراء؟ لأننى التقيت بالأمس امرأة حكت لى فى معرض حديثها أنها قامت بتصوير لوحة مسطور على قماشها:

 

«الورد يريد الشعب فى الميادين».

 

أخرجت هاتفها المحمول ووضعت شاشته أمام عينى لأقرأ عما يريده الورد. قالت لى إنها كانت تسير فى شارع قاهرى مزدحم وعلى الرغم من الجلبة والصراخ فإن صوت الشعر كان أوضح. جذبت اللوحة عيونها من داخل الفاترينة. لم تستطع إلا الدخول إلى المحل وطلبت من صاحبه تصوير اللوحة. قال لها إن الشعر للجميع ولها أن تصور ما تريد. لم تكن تعرف أن هذا البيت من الشعر لأمين حداد. قلت لها إن هذا البيت هو الشطر الثانى من قصيدة / هتاف / صدى روح / نبوءة كتبها أمين حداد قبل مليونية إسقاط شفيق:

 

الشعب يريد الورد فى البساتين

 

الورد يريد الشعب فى الميادين

 

الشمس أكيد ح تنور السنين

 

الفجر سعيد بنصر المنتصرين

 

الحب بريد من مصر للمصريين

 

ومصر نشيد غناء المصريين

 

خرجت من هذا اللقاء وأنا أكثر اطمئنانا على مستقبل مصر. صار شعر أمين حداد خلال عام واحد يتردد فى جنبات الوطن. أصبح جزءا من قمح الخبز الذى نلتهمه كل صباح. أعرفه منذ قرابة الثلاثين عاما ولكن ما حدث له هذا العام أمر رائع. طفرة إبداعية وشعورية رافقت الثورة المصرية يوما بعد يوم. وكأنه ظل يبدع شعرا على مدى حياته فى انتظار هذه اللحظة. لحظة أن يتدفق كالطوفان الطيب، لحظة أن يغزل شعره فى جسد الوطن فتبرق أعيننا بالأمل. ظهرت خلال العام الماضى وجوه وأصوات وأقلام ارتفعت وخفتت، لمعت وانطفأت وظل شعر أمين حداد يضىء الميادين.

 

●●●

 

لا شك أننا نعيش زمن الشعر. فالثورات هى زمن الشعر والموسيقى.

 

يتساءل فى قصيدته «الأساطير حقيقة»:

 

ــ ومتى عرفت الإيقاع؟

 

ــ يوم عرفت أن الشهيد يسكن الجنّة... وأن الشاعر يسكن القلب

 

يا أمين، يسكن الشاعر - فى زمن الثورات - روح الوطن وتصبح أبياته إيقاعا لنبض الثورة.

 

يتساءل كثيرون ممن أعرف: هل يمكن لثورتنا أن تنجو من هول ضربات الأعداء: العسكر والإخوان المسلمين والسلفيين والفلول ومن معهم من قوى ظلامية؟

 

وتجيئهم الإجابة ساطعة من هذه المرأة: طالما بقيت الأشعار حية فى الشارع ظل الأمل باهرا بانتصار الثورة المصرية.

 

أنا أريد أمين فى الميادين

 

خالد الخميسي  كاتب مصري