ما بعد «خيانة العنوان» - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد «خيانة العنوان»

نشر فى : السبت 11 يناير 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : السبت 11 يناير 2014 - 8:50 ص

كنت أعتقد أن حكاية استخدام عناوين مثيرة للمواد الصحفية والتى لا تعبر عن حقيقة محتوى الموضوع أو المقال، قضية حصرية للصحافة العربية بوجه عام، وللصحافة المصرية بوجه خاص، وأن ذلك من بين قيم المبالغة التى نهواها فى عالمنا العربى، حتى فوجئت أخيرا بمقال للروائى الإيطالى المعاصر تيم باركس، وهو أيضا أستاذ للأدب والترجمة يشكو من العبث بعناوين مقالاته وموضوعاته، وأن المحررين المسئولين عن هذه المهمة يخونون نصوصه ومحتوى ما يكتبه بحثا عن الإثارة ولفت انتباه القراء، والمدهش أن باركس أشار لوقائع عديدة سواء فى صحف بلده إيطاليا، أو فى الصحافة الإنجليزية التى تهتم بنشر ما يكتب، وقد وصف أستاذ الأدب والترجمة الايطالى ذلك بأنه خيانة للعنوان، والذى يعتبره جزءا بالغ الأهمية من أى مقال أو دراسة، وأن وضع عنوانا لا يعبر عن محتوى المقال، أو ما يرمى إليه الكاتب بتحول فى نهاية الأمر إلى خيانة كاملة للنص.

أما إذا تعمقنا فى ما ينشر فى صحافتنا، خاصة فيما يتعلق بعناوبن الموضوعات والمقالات، فأعتقد أن الأمر تجاوز بكثير فكرة «خيانة العنوان» وربما يكون قد وصل لمرحلة اغتصاب المحتوى، والانحراف بالحقيقة عبر عنوان زائف، وغالبا ما يكون النص نفسه قد شهد تحريفات عنيفة حتى يتلاءم مع العنوان التى تعتقد إدارة تحرير الصحيفة أنه سيلفت انتباه القارئ، ويعكس أهمية ما تنشر صحيفتهم، ووصل الأمر عند بعض الصحف بنشر عناوين دون وجود محتوى من الأساس، ومازلت بعض الصحف التى صدرت صباح أمس تفعل ذلك بدم بارد، لدرجة ان بعض القراء اعتادوا عليه، وربما أدمنوه، من باب تلخيص التلخيص، دون أن يدرك أحدهم مدى إخلال ذلك بقيم الصحافة وأخلاق الاعلام، فأقل وصف لذلك هو خداع كامل للرأى العام.

القضية ليست فنية كما يعتقد البعض، أو أن هذه مجرد أخطاء أو تجاوزات عابرة، بل إن هذه النوعية من الخيانة اللغوية، تدفع لتكوين اتجاهات رأى عام خادعة تؤثر فى أفعال الذين تعرضوا لها، فغالبا تكون الصياغات مثيرة وحاشدة لمشاعر من يقرأها، وقد تدفعه لممارسة عنف كرد فعل على ما عرف أو استقر فى مشاعره مما قرأه فى هذه الصحيفة أو تلك، خاصة فى ظل أجواء محتقنة مثل التى تعيشها مصر منذ ثلاث سنوات، ولا أبالغ إذ قلت إن الإعلام كما كان له ادوار جيدة فى دعم الثورة، أيضا كان لبعض وسائله أدوار شديدة السلبية بسبب مبالغاته اللغوية والصحفية، وبالطبع ناهيك عن التضليل فى المعلومات، لكن التضليل جريمة واضحة متفق عليها، وغالبا يفطن قطاع كبير من القراء لها، أما مبالغات العناوين واستخدام تعابير غير حقيقية لوصف الأحداث فهذا ما يمر على القارئ، ويؤثر فيه دون أن يلتفت لعملية الخداع التى تعرض لها، ولا يبقى إلا أن نشير إلى أن هذه الجرائم الجانبية بعضها ينتج عن جهل وعدم وعى بخطورة ما تتم كتابته، وبعضها الآخر، للأسف الشديد، يتم بوعى كامل ومع سبق الإصرار والترصد.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات