..وكأنها القاهرة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 12:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

..وكأنها القاهرة

نشر فى : الأحد 10 مايو 2009 - 5:20 م | آخر تحديث : الأحد 10 مايو 2009 - 5:20 م

 منذ سنوات، والقاهرة تتبدل وتتغير وتتحول.. أحيانا تكاد تخرج من جلدها وتهرب من جلدتها.. وأحيانا أخرى تتجمل بغباء شديد.. تجميل كاذب كريه طارد لمحبيها.. تجميل يخفى أجمل ما فيها ويظهر أقبح ما لديها.. حتى صارت القاهرة ــ تقريبا ــ مدينة أخرى غير تلك التى كان يعشقها كل من يمر عليها.. ويعشق أهلها.. وعاصمة مختلفة عن تلك العاصمة، التى كان ينتظر العالم أخبارها ويتابع ما يحدث فيها وما يخرج منها من قرارات تؤثر فيما حولها، وأحيانا إلى أطراف عواصم العالم الكبرى.

القاهرة تبدلت حسيا وتغيرت معنويا.. فلم تعد القاهرة هى المدينة التى تعرفها من شكلها ومن ملامح قاطنيها الطيبين.. ولم تعد أيضا العاصمة التى كانت تجعل العالم فى بعض الأوقات يقف على أطراف أصابعه انتظارا لما تعلنه هذه العاصمة المهمة.. وكذلك اختفى اسمها فى غالب الأحيان من جميع المحافل الدولية، بعدما كانت هى الاسم المسيطر طويلا على نقاشات وخلافات الشرق والغرب ومؤتمرات المنظمات الدولية ومؤامرات الدول الكبرى.

على أى مقهى شهير فى هذه المدينة المبهرة لم يختف فقط صوت محمد رفعت أو مصطفى إسماعيل أو عبدالباسط عبدالصمد وهم يرتلون آيات كتاب الله ليصنعوا صبحا مختلفا عن أى مكان فى العالم.. وإنما اختفى أيضا الرجال الذين كانوا يجلسون على هذه المقاهى لإصلاح حال البلاد والعباد.. اختفى عبدالله النديم ومحمد عبده ومحمد فريد ومصطفى النحاس.. كما اختفى نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومختار وإسماعيل ياسين وفريد الأطرش وفتحى قورة وبليغ حمدى وصلاح عبدالصبور.. بقيت المقاهى وكأنها المقاهى.. وجلس رجال يشبهون هؤلاء الرجال.. وكأنهم الثوار والمفكرون والمجددون والفنانون.

فى القاهرة صخب سياسى لا يتوقف.. وهو أيضا للأسف، يبدو مثل الصخب يشبه الصخب.. وكأنه الصخب.. حكومة شبه الحكومات.. ومعارضة شبه المعارضين.. سياسة وكأنها السياسة.. ساسة وكأنهم ساسة.. صحيح يجلجل بعض المعارضين بأصواتهم تحت قبة مجلس الشعب وكأنهم المستشار ممتاز نصار أو الدكتور محمود القاضى أو الشيخ عاشور.. فقط أشباه معارضين يواجهون أشباح حكوميين.

الإحصاءات تقول إن فى القاهرة أكثر من عشرين حزبا معارضا.. لكن جميعها شبه الأحزاب كأنها أحزاب.. حتى الحزب التاريخى المجيد الوفد لا يشبه الحزب القديم إلا فى اسمه.. ومثله الحزب الوطنى الذى يسير عكس اتجاه الحزب الذى كان قائما قبل الثورة.. فقد كان أخلص الأحزاب للوطن وأطيبها وأنبلها.. وباتت المشكلة فى أن أشباها تتصارع.. بل وكأنها تتصارع على خشبة مسرح تواطأ الجميع ليعلن أن ما يحدث هو حقيقة وليس مجرد تمثيل على خشبة ستطفئ أنوارها بعد قليل.

وحتى أنوار الفن المبهجة التى كانت تضيء عقل وروح هذا الوطن.. صارت شبه أنوار الفن.. بلا بهجة.. فالأفلام شبه الأفلام والنجوم وكأنهم نجوم.. لم تعد هناك براعة خدع نيازى مصطفى، ولا رومانسية عز الدين ذوالفقار، ولا ابتسامات فطين عبدالوهاب، ولا إثارة كمال الشيخ.. وطبعا انتفت واقعية صلاح أبوسيف وتبخرت الموهبة برحيل يوسف شاهين.. ولا داعى للحديث عن أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وحفلاتهم التى كانت أحد أهم عناوين القاهرة.

ومثلما كانت السينما رائدة، وقائدة فى منطقتها بل وعلى المستوى العالمى.. كانت القاهرة عاصمة رياضية تعرف معنى الروح والتنافس والمتعة.. تبنى قلاعا رياضية حقيقية.. وانتهى أمرها مثل غيرها.. شبه الرياضة وكأنها لعبة كرة القدم.. وكأن نجومها.. نجوم كرة مثل حسين حجازى ومختار التيتش ومحمد لطيف.. يطلبهم العالم لمواهبهم.. نعم العالم مازال يطلب أبناءنا من اللاعبين.. لكنهم والله شبه من يلعبون هناك فى أوروبا لعبة أخرى اسمها كرة القدم.. حتى الملاعب والاستادات.. أصبحت قلاعا لا يضمن من يذهب إليها ماذا سيحدث له.

فى القاهرة مدارس كبرى ذات أسماء رنانة.. وجامعات تاريخية بعضها يتحدث عن ألف عام.. فى القاهرة تعليم وكأنه تعليم.. وطلاب وكأنهم متعلمون واسألوا سوق العمل إن كنتم لا تعلمون، ولأن التعليم كأنه تعليم، فللأسف أصبحت التربية كأنها تربية.. فالسلوكيات العامة فى شوارع العاصمة لا تكشف عن أى تربية.. سواء فى المواصلات العامة أو فى قيادة السيارات الخاصة وبات السلوك الجماعى الوحيد الذى أصبحنا قادرين عليه هو «لم الأجرة فى الميكروباص».

القاهرة أصبحت شبه القاهرة.. وعندما تتحدث عن القاهرة تتحدث وكأنها القاهرة.. المبانى والمعانى.. إلا أن هذا الملعون المصر على تغيير العالم باراك أوباما أعلن أنه سيأتى إليها.. إلى القاهرة ليخاطب العالم الإسلامى.. وحتى يكون هذا الملعون واضحا.. قال إنه يجىء للعاصمة ولدلالتها ومكانتها وتاريخها بل وجغرافيتها أيضا.. وإنه لن يكون هناك من أجل من يحكمونها.. وكأن هذا الملعون يلفت الأنظار مجددا إلى القاهرة عاصمة القوة السياسية والهيبة الحضارية وتأثيرها اللا محدود عربيا وإسلاميا.

ولأنها القاهرة.. فكأن هذا الملعون يعلن بأعلى صوته: مازال الأمل يطرق الأبواب.. فعلى الأقل علينا أن نفتح الأبواب للأمل القادم للتغيير طالما مازلنا عاجزين عن صنعه.. وفاعلين فقط فى شبه كل شىء.. لا أصل أى شى.

القاهرة تستقبل أوباما.. وكأنها بداية.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات