عن القطط - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن القطط

نشر فى : الأحد 10 يناير 2010 - 10:02 ص | آخر تحديث : الأحد 10 يناير 2010 - 10:02 ص

 احتفت دار الشروق منذ أسابيع قليلة بكاتبنا الكبير «أحمد بهجت» حول مائدة غذاء بمناسبة عيد ميلاده السابع والسبعين، وتحدث الحاضرون عن إسهاماته المتعددة. ويقرر محمد حسنين هيكل أن يقص قصة طريفة دارت أحداثها فى الستينيات من القرن الماضى. وملخص القصة أن الدكتور لويس عوض ــ وكان حينذاك رئيسا للقسم الثقافى فى الأهرام ــ كان يستعد إلى السفر هو وزوجته إلى أوروبا، فطلب من صديقه ونائب القسم الثقافى أحمد بهجت أن يحتفظ له فى منزله بقافلة القطط، التى تؤانس زوجته حتى يعودا من الخارج. وافق أحمد بهجت بأريحيته المعروف بها. ويعود الدكتور لويس عوض قبل زوجته فيطالبه أحمد بهجت باسترداد قططه. ولكن فى لحظة طيش يطلب منه الدكتور لويس أن يسرحهم.

وتمر الأيام وتعود الزوجة من أوروبا وتطالب بأحبائها وأبنائها، التى اشتاقت إليهم كثيرا فلا يجرؤ زوجها على الاعتراف بما اقترف، فتضغط زوجته عليه وتضيق الخناق، فيتصل الدكتور لويس بأحمد بهجت لمطالبته بإرجاع القطط من الشارع. بالطبع طلب مستحيل والكارثة أن ذهن د.لويس المنشغل بتاريخ الأفكار لم يدرك استحالته. وتتفاقم المشكلة حتى تصل إلى رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام. يترك هيكل مسئولياته، ويسعى لحل المشكلة التى بدأت تتصاعد بين لويس عوض وأحمد بهجت. فرئيس القسم الثقافى لن يستطيع العودة إلى منزله ونائب القسم لا يعرف ما العمل أمام عبثية المسألة. يفكر هيكل بالاستعانة بتوفيق الحكيم، ولكن حبات لؤلؤ قلب زوجة الدكتور لويس كانت قد تفرقت وانفرطت فى شوارع القاهرة العامرة.

تذكرت هذه القصة بالأمس وأنا أفصل باعتبارى قاضى غرام بين اثنين من أعز الأصدقاء أعرفهما منذ الصبا فى أزمة زوجية ألمت بهما ومرتبطة بمصير القطة التى تعيش فى منزلهما. ولفهم أبعاد الأزمة الإنسانية الحادة لابد هنا من العودة إلى الجذور. فالزوجة كان حلم طفولتها أن تحول منزلها إلى حديقة حيوانات وأن يكون فى شقتها بقرة تحلبها كل صباح وتعطف عليها. ولكن لأن الحلم كان بعيد المنال فقد اكتفت أن ترعى قطط سلم البناية التى كانت تقطنها. كانت تضع اللبن الدافئ أمام باب شقتها فى موعد محدد يوميا، وبدأت علاقة سرية تربطها بهذه القطط وتطورت عبر السنوات لغة خاصة بينها وبينهم حتى تأكدت أنها تفهم ما يريدون وأنهم يفهمون تماما ما تقوله لهم بلغة العيون. وفى موعد كل طلق، كانت تستمع لدقات على باب الشقة فتفتح الباب فتدخل القطة بحملها الثقيل وتتوجه من فورها إلى دولاب الفتاة فى حجرة النوم وتلد بجانب السترة الصوفية برتقالية اللون. وظل الأمر على هذا المنوال فى كل موعد طلق حتى تقرر أمها بالاتفاق مع البواب التخلص من كل قطط العمارة وينزل الخبر كالصاعقة على رأس المسكينة. أما الزوج فكان فى طفولته يرتعد من فكرة أنه من المحتمل أن يرى قطة. فكان ملمس أى قطة له كفيل بأن يحول جسده كله إلى قطعة جمر حمراء. تتناثر حبات حمراء اللون على جسده تجعله وكأنه شعلة من لهب. أتذكر أننا كنا نذهب سويا إلى سينما ريو الصيفى فى حى باب اللوق ونحن ما زلنا فى مرحلة الصبا، وكانت القطط تحيطنا من كل جانب، وكان المسكين يقرفص فوق مقعده لا يستطيع أن يضع قدميه على الأرض، يقضى معظم الوقت فى متابعة حركة القطط من حوله ويخرج لا يعرف عن الأفلام التى شاهدناها غير أسمائها.

كبرا وتزوجا وأبناؤهما الآن فى المرحلة الجامعية. ومنذ بضعة أشهر كان الزوج فى رحلة عمل فى الخارج والزوجة تفطر فى النادى وإذ بأذنيها تلتقطان نداء عزيزا عليها. قط يموء. اقتربت فوجدته حديث الولادة. كلمته فصرخ وظل يصرخ كثيرا، وفهمت ما قال: كان يطلب منها أن تأخذه. فكرت فى زوجها وتركت الوليد ورحلت. وبعد الظهيرة قررت أن تعود لتطمأن عليه. ولكنها وجدته على حاله يصرخ مطالبا إياها أن تأخذه. عادت به إلى منزلها وبدأت ترضعه لبنا دافئا بسرنجة. وتفجرت مرة جديدة مشاعر أمومة كانت قد تيبست داخلها. عاد الزوج من أوروبا وأعلن أنه لن يعيش فى منزل واحد مع هرة. ذكّرها أن الهر فى اللغة من «هَرَرْتُه هَرّا» أَى كَرِهْتُه، وهَرِيرَة أَى كراهية. فكيف يعيش والكراهية تقطن منزله.

كانت ليلة طويلة حاولنا جميعنا الوصول إلى نقطة نور فى نهاية نفق الحوار المظلم. ولكن ما العمل فى قضية إنسانية تبدو بسيطة وتافهة للغاية ولكن تتشابك داخلها كل خيوط تركيباتنا النفسية شديدة التعقيد؟ ما العمل والزوجة لا تستطيع إلقاء جزء أصبح منها فى الشارع أضاف إلى حياتها دفئا، والزوج يطالب بحقه فى أن يعيش فى راحة داخل منزله؟

ما العمل أمام عدم وضوح الرؤيا الذى يتميز به معظم الأزواج أمام خلافاتهم؟ الكلام حول التضحيات التى يجب أن يمارسها كل طرف ليسير قارب الحياة أصبح كلاما قديما ولا مكان له تحت شمس الكوارث المصرية، التى أصبحت كوارث مصيرية تهدد مصير مؤسسة العائلة. كان على أحدهما أن يضحى براحة الآخر، لكن كليهما رفض التضحية. هل باتت القطط الآن سببا جديدا فى ارتفاع معدلات الطلاق فى مصر إلى نسب غير مسبوقة؟ ربنا يستر على العائلة المصرية.

خالد الخميسي  كاتب مصري