معارضة جديدة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 10:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معارضة جديدة

نشر فى : الإثنين 9 نوفمبر 2009 - 10:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 نوفمبر 2009 - 10:15 ص

 من الواضح أن المشهد السياسى فى مصر بات أكثر أسفا مما كنا نتوقع أو نتخيل.. جميعا نعرف أن الحال ليست جيدة، وجميعا نعرف أيضا أن الأمور آخذة فى التدهور.. ولكن ليس لهذه الدرجة، ولا بهذا المستوى الذى يكاد يقترب من الانحطاط والهبوط والدنو، بشكل لم تشهده مصر من قبل فى أى عصر من عصور الاستبداد. وللأسف هى عصور كثيرة وغامرة.. وعامرة فى تاريخنا السياسى القريب والبعيد.

المشهد المؤسف الذى يتصدره الحزب الوطنى، بات من الواضح أنه ثابت وراسخ ولن يتبدل فى القريب العاجل.. فالحزب يخطو إلى الأمام كل يوم خطوات واسعة فى السيطرة على الجو السياسى بجميع تفاصيله من أصغر قرية وحتى العاصمة الكبرى، ولا يتوقف عن توزيع المكاسب للكبير والصغير.. وباتت عضوية الحزب الوطنى وحمل عضويته الورقية (الكارنيه) من وسائل تحقيق الشخصية فى مصر المعاصرة.. ويغلب هذا خارج القاهرة طبعا، ووصلت الأمور إلى أن ضباط الشرطة فى لجانهم الليلية يسألون عمن يحمل هذا الكارنيه السحرى ليفلت من الكمين، ويبقى من لا يحمله لعواقب الأسئلة الحادة.. وربما بعض الركلات والصفعات، وهى شكاوى لا تتوقف.

الحزب كما ظهر فى خطابه السياسى خلال المؤتمر الأخير، أنه جاد فى الاستحواذ على كامل الحياة السياسية بأى شروط للعبة، سواء كان موضوع ترشيح جمال مبارك للرئاسة مطروحا أو غير مطروح، ويكفى خطاب السيد أحمد عز أمين التنظيم (وأسجل إعجابى الشديد به) الذى يتباكى على المقاعد التى فقدها الحزب فى انتخابات 2005، ويدعو لوحدة الحزب (وهذا حقه طبعا) فى الانتخابات المقبلة العام المقبل (2010).. بما يعنى أنه يريد مقاعد أكثر.. وغيابا أكثر للمعارضة بجميع أشكالها وأنواعها وتياراتها.. وبالطبع فى مقدمة هذه الأصناف الصنف غير المحبب لدى الدولة والحزب وهو ضعف محظور من وجهة نظره ونظرهم وهم الإخوان المسلمون.

خطاب عز الذى يشتبك مع الجميع، وأحيانا يشتبك مع نفسه وداخله (أى داخل الحزب) يذهب بوضوح شديد وبجلاء لا شك فيه إلى ضرورة احتكار السياسة للحزب الوطنى.. وهذا أيضا حقه، إذا لم يكن الحزب يلعب بنفس الشروط مع بقية الأحزاب والقوى السياسية.. لكن المعلومة الوحيدة التى غابت عن السيد عز، فى خطابه المهم، أن أجهزة الدولة التنفيذية كلها تعمل من أجل صالح الحزب، وبالتالى لا يوجد تكافؤ فى الصراع على جذب الجماهير، وبالتالى تصبح الرغبة فى احتكار السياسة عملا غير مشروع يجب أن يتوقف عنه الحزب فورا، حتى يكون هناك فارق واضح لا لبس فيه بين الدولة والحزب.. وبعدها، نبحث ونتكلم عن الحزب الأفضل فى الشارع.

كل هذا لا يمنع أن الحزب الذى يرغب فى احتكار السلطة ــ بشكل غير شرعى وغير مقبول ــ يعمل بجدية من أجل تحقيق أهدافه.. فاللافت للنظر فى المؤتمر الأخير للحزب، أن ما شاهدناه يعكس جهدا ودأبا من الواضح أنه استغرق كثيرا من الوقت والعمل، كما يعكس جدية بالغة فى تحسين الصورة، وتعديل الأهداف مثل محاولة استهداف تحسين حياة الفلاح، والإعلان عن انحياز الحزب للطبقات الفقيرة، فحتى لو كان ذلك يخالف عقيدة قيادات الحزب ونجومه.. فهذه هى السياسة.. وهذا ما كانت تطالب به الأصوات الصارخة بتحقيق العدالة الاجتماعية.. أما الشىء اللافت فى عمل الحزب، فهو ما تفعله قياداته الفعلية، بالعمل بعيدا عن وسائل الإعلام وتحديد الأدوار بدقة.. حتى أصبحنا أمام كيان منظم منضبط له تقاليده.. حتى لو كانت من زاوية أخرى هى انضباط من أجل تغليب الباطل على الحق.

هنا تحديدا أستطيع أن أجد تفسيرا لسواد وتشوه المشهد السياسى فى مصر.. فالأسف لا يأتى من تجاوزات الحزب الوطنى ولا من ممارساته الباطلة والباطشة، ولكن الأسف كل الأسف، هذا المشهد من صنع المعارضة المصرية بجميع صورها وأشكالها.. من مواقف الأحزاب إلى حركات الاحتجاج. فالوفد.. لا يقوى على ذكر الحقيقة ولاعلى فعل الصواب.. فقط صخب والكلام عن تاريخ مجيد دون أى جهد فى الشارع السياسى، أو بذل أى عمل حقيقى من أجل طرح بديل للحزب الحاكم، أو حتى تقديم أى نقد واقعى لما تفعله حكومة الحزب الوطنى، والتجمع.. صار ذكرى، مجرد ذكرى، تفيد بأن هذه البلاد كانت بها قوى يسارية فى زمن ما، بالرغم من أن هذا الوطن فى أمس الحاجة لضغوط اليسار فى اللحظة التى تتجه فيها الدولة بكل العنف ناحية اليمين.

وبقية الأحزاب.. من الناصرى إلى الأحزاب التى لا نعرف أسماءها، ولا نعرف من هم قادتها.. هى مجرد أرقام يتباهى بها الحزب الوطنى حينما يريد الحديث عن التعددية الحزبية وعن أزهى عصور الديمقراطية.. وغالبية أعضاء هؤلاء، سواء من نعرف أو من لا نعرف، لا يفكرون إلا فى الأضواء.. فى العدسات.. فى برامج التليفزيون.. فى مانشيتات الصحف.. أما التفكير بجدية، أو العمل على مداهنة الحزب الوطنى، فمن الواضح أن هذا عمل شاق لا طاقة لهم به، ولا رغبة.. ولا يبدو أنه يحقق أهدافهم التى تبدأ وتنتهى فى وجود مميز، هو ما يمكن أن نطلق عليه «فاترينة المعارضة».

بالطبع الأمر لا يحتاج إلى جهد لتفسير موقف بقية من هم على ساحة المعارضة أو فى واجهة «الفاترينة».. فأخبارهم تحولت من مواجهة النظام إلى مواجهة أنفسهم، وبدلا من انتقاد الحزب الوطنى وما يفعله، صاروا يذبحون بعضهم كلما أمكن فى كل وسائل الإعلام.. أو الشكوى من كل شىء حتى من زملاء التنظيم الواحد.. أو الحركة الواحدة.. وبعضهم أصبح لا يخجل من انسحابه من أى تجمع، معلنا بكل صراحة، أنه انسحب لأنه لا يعمل من أجل فلان أو علان.. وإنما يعمل من أجل نفسه.

لهذا ولغيره الكثير لا يتسع له المجال فى هذه الرؤية العابرة.. يبدو أن هناك ضرورة لوجود معارضة جديدة، معارضة تعمل من أجل الوطن، لا من أجل نفسها، معارضة نشطة تملك أفكارا وآليات لمواجهة محاولات الوطنى لاحتكار السلطة.. هذه المعارضة، موجودة بالفعل فى العمل العام.. فى الحركات الاحتجاجية.. فى النقابات.. فى الجامعات، طلبة وأساتذة.. معارضة نعرفها ونلمسها فى الكثير من المواقع المهنية.. بين الأطباء والمهندسين.. حتى من بين رجال المال والأعمال والتجار.. فقط هى بعيدة عن العدسات والمانشيتات.. معارضة موجودة لا ينقصها إلا قيادة.. تعرف كيف تعبر عنهم وعما يحتاجه الوطن وسط هذا المشهد المؤسف المكلل بالسواد.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات