«قال النبى الله صمد، وخديجة أول من سجد، يرزقنى ربى بحبها، ومنها جالى الولد».. ارتفع صوت رنة موبايل إحدى صديقاتى بأغنية وائل جسار الرائعة ولحن وليد سعد البديع وكلمات نبيل خلف التى كتبها بطريقة السهل الممتنع، بالطبع أغنيات فريق العمل الجميل هى المصدر الحصرى لرنات موبايلات الكثيرات من صديقاتى طوال أيام الشهر الفضيل قبل عودة صوت «تمورة» ليسيطر على الأجواء.

هى نغمات معتادة تسمعها ولا تلقى لها بالا فى معظم الأحيان لكن ولأننا فى الـ10 الأواخر من رمضان وهو وقت تصبح آذان الجميع وقلوبهم شديدة الحساسية لكل ما له صبغة دينية حتى وإن كان رنة موبايل، لهذا أصابنى مطلع الأغنية بما يشبه ضربة خفيفة على الرأس ليذكرنى بأننى ولسنوات عديدة لم أعد أفكر فى عظمة تلك الشخصية الجميلة، فيه شخصيات كتير بتعدى عليك أثناء دراستك ليها من غير ما تحس أد إيه هى شخصيات عظيمة وتستحق التوقف عندها، السيدة خديجة رضى الله عنها من الشخصيات دى، سيدة تدير تجارة واسعة، مستقلة قوية الشخصية، ما حبستش نفسها فى البيت تاكل وتنام، ربت الأولاد وتاجرت ونجحت ولم يجد عشرات الرجال حرجا فى العمل فى قوافلها وتجارتها فرضت احترامها على الجميع فاحترمها الجميع فأصبحت ما يمكن أن نطلق عليه بمصطلحات أيامنا «سيدة أعمال» ناجحة، ما حدش من قبيلتها قال دى ست مخها فاضى وهتضيع فلوس عيالها جوزوها لراجل ياخد باله من فلوسها أصلهم «ناقصات عقل ودين».

يعمل الرسول الكريم فى إحدى قوافلها فتستمع السيدة لأقوال وحكايات من بقية أفراد القافلة عن أخلاقه وأمانته فتفكر فى الارتباط به، تعرض إحدى معارفها التوسط بينهما فلا تعترض، اختارته وقررت أن تكون هى المبادرة بعرض الزواج لإحساسها بأنه شخص جدير بالاحترام، ما اتكسفتش إن حد يقول إزاى هى اللى تعرض لأنها واثقة إنها ما بتعملش حاجة غلط، ما اتحرجتش من كونها أكبر منه لأنها واثقة إن السن مجرد رقم والأهم الشخصية والأخلاق ولما كثرت الأقاويل فى مكة عن الفارق المادى بينها وبين الرسول الكريم أعلنت أنها وهبته كل أموالها وعليه هو أن يتنازل ويتزوجها وهى الآن فقيرة بلا أموال، تساءل أهل مكة بعدها إن كان محمد سيرضى بها بعد فقرها، ده كان هو التساؤل الوحيد، وبرضه ما اتهمهاش حد منهم إنها مجنونة أو إن الرسول الكريم أكيد غرر بيها لأنها امرأة من النساء اللى هم «ناقصات عقل ودين»، يوم أن جاءها الرسول الكريم هابطا الجبل صارخا «زملونى، دثرونى» وحكى لها على واقعة لقائه بجبريل عليه السلام، كانت أعقل وأحكم من كثيرين، دثرته وطمأنته والأهم صدقته ووقفت بجانبه حين حاربه الكثيرون، ويوم أن حوصر فى شعب بنى طالب كانت عندها الفرصة فى أن تعفى نفسها من التعب والألم بعدما أعطتها قريش الخيار فى البقاء فى بيتها معززة، لكنها أبت إلا أن تشارك زوجها محنته وتقف بجانبه، ماقالتلوش أنا بنت ناس ومش بتاعة بهدلة ولا قالتله أنا فى بيت بابا لما تعرف قيمتى إبقى تعال خدنى من هناك زى ما بتعمل ستات كتير بيدوا بتصرفاتهم الفرصة للبعض لإساءة تفسير جملة «ناقصات عقل ودين» وتعميم التفسير الخاطئ على الجميع ، «خديجة أول من سجد»..

أول من سجد بعد الرسول الكريم هى امرأة، قدرت بعقلها وببصيرتها أن تدرك عظمة هذا الدين، حقيقة بيتغافل عنها كثير من المقتنعين بأن معشر النساء لا بيفكروا بمنطق ولا بيفهموا من أساسه، من يعاملون المرأة على أنها بقرة لا تمتلك من العقل والحكمة ما يجعلها تختار اختيارا صحيحا ولا أن تفيد البشرية باستخدامها لعقلها فى أى مجال من المجالات، خديجة كانت امرأة، آمنت بزوجها واختارت دينها واختارت أن تجود بأموالها وبوقتها وبصحتها من أجل نصرة فكرة سامية ودين عظيم، تفتكر لو كنا عايشين فى زمنها كنا اخترنا اختياراتها؟

كان هيبقى عندنا بصيرتها وحكمتها وحسن حكمها على الأمور؟.. فكر كويس قبل ما تجاوب لأن انت وأنا من عصر يعادى التغيير ويؤمن بشعار واحد بيقول «اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش» ويؤمن أيضا بتفسير معيب لحديث شريف يعمم على كل النساء قلة العقل وقلة الدين بشكل يعنى بأنهن مخلوقات أقل قيمة ولا ترقى إحداهن مهما عظم شأنها لمنزلة الرجال وهو بالتأكيد ما لم يكن يعنيه الرسول الكريم.