ترشيح البرادعي.. وتكفير التغيير - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 3:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترشيح البرادعي.. وتكفير التغيير

نشر فى : الإثنين 7 ديسمبر 2009 - 9:27 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 ديسمبر 2009 - 9:27 ص

 ها هى الأمور بدت واضحة وجلية ولا تحتاج إلى جهود فى الشرح والتفسير والتحليل، فموقف النظام والذين معه من أى بادرة تغيير حتى لو بعيدا عن المتون، حتى ولو فى أقصى أقاصى هوامش الحياة السياسية، هو موقف ثابت لا يتغير ولا يتبدل، موقف رافض لأى فكرة أو شخص أو موقف يمكن أن يذهبوا بنا إلى أى مناطق جديدة فى الحياة السياسية الراكدة والتى تقترب من حالة العفونة بسبب طول فترة الركود.

فبمجرد أن أصدر الدكتور محمد البرادعى بيانا يعلن فيه بخجل شديد ما يشبه الرغبة فى الترشح للرئاسة وفق ضوابط وشروط طبيعية، حتى انطلقت سهام الرفض من كل حدب وصوب ضد الرجل وضد أفكاره وضد تاريخه، وللمؤسف ضد وطنيته وعروبيته أيضا، ولم يخجل الذين أطلقوا السهام على الرجل من صنع أكاذيب لا تصدق، أكاذيب تسيىء لفهمهم قبل أن تسيىء له، أكاذيب تبدأ من منحه الجنسية السويدية ولا تنتهى عند موقفه من عراق صدام حسين، أكاذيب تتناقض مع نفسها، فهناك من قال إنه يعمل مع الأمريكان، وهناك من ادعى أنه يرعى المصالح الإيرانية، وثالث أشار إلى أنه مع إسرائيل، وجميعها بلا سند أو دليل أو حتى منطق يقبله أى عقل ساذج، فالمنطق هنا غائب، لأن الدافع المتوحش من ترويج هذه الأكاذيب هو اغتيال الرجل ومصداقيته ومواقفه، لأنه تجرأ وحاول التفكير بصوت مرتفع مع بعض الأصوات التى طالبته فى مصر بالتقدم بالترشيح لمنصب الرئاسة.

ماكينة النظام الإعلامية، احتشدت بكامل قوتها، وبجميع أدواتها، بمجرد وصول البيان إلى القاهرة وقبل أن يعرف البعض محتوى البيان، علقوا عليه وعلقوا المشانق للرجل، الذى على ما يبدو أنه لا يعرف مصر جيدا، كما اتهمه البعض، فالأكيد أن الرجل لا يتوقع أن يكون هناك من يتحدى العقل والمنطق ونحن فى نهاية العقد الأول من قرن جديد لا يعترف بفكرة الأسرار أو إخفاء المعلومات أو قطع الطريق على التواصل المعرفى، والرجل ديبلوماسى قد يعرف ما يدور فى مطبخ السياسة العالمى ويلامسه بيديه منذ ما يقرب من 40 عاما، لكن من الواضح أن طيبة الرجل غيبت عنه التفكير فى أنه مازالت هناك قوى شر مسحورة بالسلطة لا تعمل إلا من أجل سيدها حتى لو اتهمها أحد بالقصور فى التفكير وبالجهل فى الكثير من الأمور.

والمشكلة الحقيقية التى كشفت عنها أزمة بيان البرادعى، أن هذا النظام على اتساعه، موافق ومعارض، طيب وشرير، حكيم وأحمق، عالم وجاهل لا يرغبون مطلقا فى أى تغيير من أى نوع، وأن التغيير بالنسبة لهم كارثة يجب مواجهتها قبل أن تقع، وأزمة يجب العمل على وأدها وهى فى مهدها، فبيان الرجل هو أقرب إلى الاعتذار منه إلى القبول، ومع ذلك لم يستطع النظام صبرا على موقف أخير للرجل، وقرر رجمه بأقسى أنواع الحجارة من البداية حتى يتراجع ويرحل عن فكرته ولا يقترب من أسوار السلطة فهى حكر على من يشغلها ولا يجوز ملامسة أطرافها أو حتى الدعوة لإعادة تنظيمها، أما التفكير فى التغيير فهذا هو الكفر بعينه الذى لا يمكن السكوت عليه أو الصمت على ما يدعو إليه.

والمؤسف أن حملة اغتيال البرادعى، لم تتوقف عند الذين يعملون لدى النظام، أو الذين يوافقون عليه ويتشددون له، بل امتدت إلى هيئات وشخصيات وقوى وأصوات كان من المفترض أن تكون فى مقدمة من يرحبون بالرجل ويدعون له ويدعمون فكرته، لأنهم منذ سنوات طوال يتحدثون عن ضرورة التغيير، ويبدو أن حديثهم عن التغيير ورفع راياته كان من بين أدوارهم التى وزعها عليهم النظام، فإذا كان من بد فى الحديث عن التغيير فليكن هذا بأيدينا ومن داخلنا وتحت السيطرة الكاملة، ولا داعى لـ«الغريب» أو «الخواجة» أن يقترح علينا ماذا نفعل، لأن هذا «الخواجة الغريب» يتحدث بجدية ويطلب التغيير بالفعل، أما أصدقاء النظام من المعارضة فهم فقط يتحدثون عن التغيير كقضية يجب أن تطرح على الرأى العام، لا قضية يجب أن تتحقق لصالح هذا الوطن. ويكفى ما ذكره الدكتور رفعت السعيد بشراسة ضد الرجل بعد لحظات من صدور البيان، وكأن البرادعى هو الخصم التاريخى لحزب التجمع أو قوى اليسار فى مصر «إن كانت موجودة أصلا» بل يبدو أن البرادعى خصم للسعيد شخصيا، وعلى اعتبار أن النظام الحاكم فى مصر هو الصديق الوفى للدكتور السعيد، ومن المفترض ألا يفكر أحد فى خدش هذا النظام حتى لو بأسلوب شرعى وقانونى بالترشح لمنصب الرئاسة. ومثل السعيد هناك كثيرون من قوى وأصوات المعارضة فعلت مثله، من دون سبب واضح.

نموذج أحمد حسن ــ الحزب الناصرى» رغم أن الرجل دعا فى بيانه إلى ما يدعون إليه، إلا إذا كان حزب عبدالناصر يدعو للتغيير من باب تسلية المواطن ومشاغبة النظام.

وإلى جانب القوة الشرسة للنظام التى أطلقت السهام واضحة على البرادعى، كانت هناك أيضا القوة الناعمة الهادئة العاقلة الذكية التى قررت أن تفعل ما فعلته القوى الشرسة وفى ذات التوقيت، لأن الأمر عاجل ولا يحتمل التأجيل، ولكن بحبل من حرير قررت لفه على رقبة الرجل، مثلما كتب صلاح عيسى موضحا لنا أن فكرة ترشيح البرادعى للرئاسة هى فكرة نابعة من قرية صغيرة، وأن الفكرة طرحها مواطن ينتمى لحزب «الوفد» وأن الحزب رفض اقتراح فكرة القرية الوفدية، لأن المرشح للرئاسة سيكون من بين أعضاء الحزب.

وحتى تبدو الأمور واضحة، فليس مطلوبا من أى حكومة أو معارضة أو حتى شخصيات مستقلة أن تدعم البرادعى مرشحا للرئاسة فكل له مطلق الحرية فى اختياراته وقناعاته وهذا حقهم بالطبع، لكن الذى ليس من حق أحد، حكومة أو معارضة أو مستقلين، أن يمنعوا ترشيح أحد، فهذا ملك لأى مواطن مصرى سواء كان يعيش على أرض مصر أو عمل خارجها لبعض الوقت، والبرادعى ليس مجرد مواطن، بل رجل له مكانته الدولية سياسيا وقانونيا، وحتى الذين لا يتوافقون على التصويت له داخل صناديق الانتخاب، فمن الواجب الترحيب به كمشارك فى الحياة السياسية سواء بالرأى أو التفكير أو التغيير وقبلهم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.

المعركة باتت واضحة بين الذين يكفرون بالتغيير والذن يؤمنون به.. بين الذين عشقوا رائحة عفونة الحياة السياسية وبين الذين يرغبون فى استنشاق هواء سياسى نقى خال من الظلم والفساد وكوابيس التوريث.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات