الهجوم في عمق سوريا يلمح إلى استراتيجية إسرائيلية- أمريكية جديدة في إدارة الحرب - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجوم في عمق سوريا يلمح إلى استراتيجية إسرائيلية- أمريكية جديدة في إدارة الحرب

نشر فى : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م
الهجوم الذى وقع يوم الثلاثاء الماضى ضد أهداف إيرانية فى عمق سوريا، والمنسوب إلى إسرائيل، أثار القليل من الاهتمام، كما لو كان أمرا عاديا. ووفق تقارير فى وسائل الإعلام السورية، قتل فى الهجوم 6 أشخاص «يحملون جنسية غير سورية» و4 مواطنين سوريين. أشارت وكالات الأنباء إلى أن الهجوم استهدف ضرب خط تهريب السلاح من إيران إلى لبنان، لكن هذه الوكالات تحدثت أيضا عن أن الهجوم لم يكن عاديا، لأن إسرائيل، عموما، تهاجم أهدافا فى وسط سوريا وجنوبها، ويبدو هذه المرة أن هدفها لم يكن إرسال رسالة عسكرية إلى إيران فقط، بل أرادت أيضا إظهار قدرتها على مهاجمة موقع يبعد 700 كلم عن إسرائيل. بيْد أن هذه الأهداف التى تقع فى ضواحى مدينة دير الزور، هى أيضا موجودة فى قلب ما يمكن تعريفه بأنه ملعب الألعاب العسكرية لإيران والولايات المتحدة وتركيا وسوريا، ومن الممكن أن تنجر إسرائيل إلى عمق تدخل جديد فى المنطقة.
تعتبر محافظة دير الزور معقلا استراتيجيا يقع على المحور الذى يربط بين العراق وسوريا. ويتنافس على السيطرة عليها كل من تنظيم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الذراع العسكرية للحكم الذاتى الكردى فى سوريا، والمدعومة والممولة من الجيش الأمريكى؛ وقوات النظام السورى؛ وإيران التى توسع تمركزها العسكرى هناك منذ سنة 2019. وهى أيضا محافظة مهمة اقتصاديا، إذ يوجد فيها أكبر حقل غاز فى سوريا هو حقل العمر، بالإضافة إلى آبار نفط كبيرة كانت تحت سيطرة النظام حتى سنة 2017، قبل سقوطها فى يد الأكراد، بمساعدة أمريكية؛ ومداخيل هذه الحقول تنتقل إلى الأكراد وتمول عملياتهم التجارية والعسكرية والمدنية. إلى جانب هذه الحقول، أقام الأمريكيون قاعدة عسكرية تقدم الحماية للشركات الأمريكية المشغلة لهذه الآبار. وهذه المغانم الكبيرة يحصل عليها الأكراد فى مقابل مشاركتهم الفاعلة والجوهرية فى محاربة تنظيم داعش الذى طرد من المحافظة فى سنة 2019.
نشبت فى السنوات الماضية خلافات ومواجهات بين القيادة الكردية المحلية وبين زعماء العشائر الذين رأوا أنهم لم يحصلوا على حصتهم من الغنائم، ولم تتحقق مشاركتهم فى عملية اتخاذ القرارات، وتبدد أملهم بعد القضاء على داعش وانتقال السلطة إلى الأكراد بحصول المحافظة على إعادة إعمار مدنية واجتماعية. كانت ذروة هذه المواجهات فى نهاية أغسطس، عندما قررت القيادة العليا للقوات الكردية، ومركزها مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، أن تتحرك ضد رشيد أبو خولة المعروف بعدة أسماء، والذى تعتبره مسئولا عن الخلافات والمواجهات بين مجلس المحافظة الواقع تحت سيطرتها وبين العشائر.
• • •
أبو خولة هو زعيم إحدى أكبر العشائر فى دير الزور. عندما نشبت الحرب الأهلية، سارع إلى الانضمام إلى الجيش السورى الحر، لكن عندما سيطرت داعش على المحافظة فى سنة 2014، انضم إلى صفوفها، لكنه سرعان ما فر إلى تركيا، بعد أن أعدم التنظيم شقيقه. بعد عامين، عاد إلى سوريا وأنشأ ميليشيات خاصة انضمت إلى القوات الكردية. وبسبب علاقاته الوثيقة مع العشائر العربية وزعامته لعشيرته، ضغط الأمريكيون على القيادة التركية لتعيينه، بخلاف إرادتها، قائدا عسكريا لمجلس دير الزور. واعتقد الأمريكيون أن أبو خولة قادر على منع إعادة تجند أبناء عشيرته والعشائر العربية الأخرى فى صفوف داعش.
الدعم الأمريكى والموقع العشائرى زادا فى طموحات أبو خولة، وفاقما المواجهات بينه وبين القيادة الكردية المحلية... فى 27 أغسطس، دعا أبو خولة إلى اجتماع عمل مع قائد القوات الكردية فى المدينة، وعندما وصل مع بعض مساعديه اعتقل، الأمر الذى أدى إلى مواجهات عنيفة غير مسبوقة بين القوات الكردية فى دير الزور وبين قوات العشائر، ذهب ضحيتها، بحسب التقديرات، 150 شخصا، قبل أن يجرى التوصل إلى وقف إطلاق النار.
لكن ما يبدو مواجهة داخلية أو مناوشات، على خلفية عرقية بين العرب والأكراد، يمكن أن يشكل تهديدا للاستراتيجية الأمريكية فى شمال سوريا. فالنزاعات القومية والعشائرية والداخلية سمحت لإيران باستغلالها، ومحاولة الوصول إلى العشائر لتجنيدها لمصلحتها. وبالإضافة إلى القواعد التى أقامتها إيران على طول المحور الذى يربط البوكمال على الحدود العراقية فى دير الزور، ونقل الصواريخ القصيرة المدى من منطقة حمص إلى دير الزور، والهجمات المتفرقة بالصواريخ على القاعدة الأمريكية فى العمر، القريبة من حقل الغاز، تسعى إيران للاستثمار فى الخدمات المدنية، مثل فتح صفوف لتعليم الأولاد فى المحافظة، وشراء الكتب، ودفع رواتب الأساتذة السوريين الذين استقالوا من وظائفهم فى التعليم الرسمى السورى بسبب ضآلة رواتبهم.
فى غضون ذلك، تقوم إيران بتجنيد مواطنين، وحتى نساء، فى صفوف ميليشياتها. وتحدثت عدة مواقع سوريا إخبارية عن إقامة سرية من النساء تحمل اسم «الزهراء»، ستكون مهماتها استخباراتية. معظم أفراد السرية من السوريات، لكن يوجد أيضا عراقيات ولبنانيات، وتحصل الواحدة منهن على راتب يتراوح بين 250 و450 دولارا...
هذه التطورات، إلى جانب جهود إيران لتوسيع نفوذها وسيطرتها على المناطق الشرقية فى سوريا، يجب أن تقلق إسرائيل أكثر من شحنات سلاح تشق طريقها من سوريا إلى لبنان. فى حال فقدت القوات الكردية سيطرتها على المحافظات الشرقية فى سوريا، فإن التواصل الجغرافى بين إيران والعراق، مرورا بسوريا، وصولا إلى لبنان، سيتحول إلى «مسار سباق» من دون عوائق، وسيكون كله تحت سيطرة رسمية للنظام السورى، لكنه عمليا، سيكون فى قبضة الميليشيات الإيرانية والحرس الثورى. فى مثل هذه الحال، ستضطر إسرائيل إلى القيام بتدخل عسكرى أكبر بكثير من الهجمات المتفرقة التى تقوم بها ضد أهداف عرضية. ويبدو أن هذا التوقع بدأ يتحقق، سواء فى إسرائيل أم فى واشنطن. صور الدمار الذى تسبب به هجوم يوم الثلاثاء، والذى استهدف بنى تحتية مدنية، وفجر خلاله جسر، تدل على الاستراتيجية الجديدة التى تتجاوز العمليات التكتيكية.
ويمكن الافتراض أن تغيير أسلوب الهجمات وأهدافها يجرى بالتنسيق مع الإدارة الأميركية. فالعمليات العسكرية الأميركية ضد أهداف إيرانية محدودة بسبب القيود السياسية، باستثناء الحالات التى تتعرض فيها القواعد الأمريكية للهجوم، فترد بقوة ردع خاصة بها. وإذا كان هذا هو التوجه، يبدو أن إسرائيل لم تعد «ضيفا» طارئا فى سوريا، بل هى من يعمل على صوغ استراتيجية إسرائيلية ــ أمريكية مشتركة لإدارة المعركة هناك.

دبلوماسى إسرائيلى هآرتس
تسفى برئيل
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
التعليقات