محاكمة مبارك والمشهد العام - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاكمة مبارك والمشهد العام

نشر فى : الأحد 7 أغسطس 2011 - 10:51 ص | آخر تحديث : الأحد 7 أغسطس 2011 - 10:51 ص

 أشكر مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والقضاء المصرى فبفضلهم أصبحت رجلا مشهورا. فخلال الأيام الماضية أجريت عشرات اللقاءات الصحفية مع كبرى الصحف العالمية بخصوص محاكمة القرن. كما أصبحت رجلا أحظى بالأهمية من أصدقائى الذين شهدوا رنين هاتفى المستمر أمام سيل المكالمات من كبار الصحفيين عبر العالم يسألوننى عما يحدث فى الشارع المصرى. كما بدأت أتلقى دعوات على الإفطار من معارف لم ألتق بهم منذ فترة لأنهم سمعوا عن مداخلتى فى إذاعة فرنسية وتلفزيون ألمانى. يا لى من رجل أهم من أحمد زكى فى فيلم «زوجة رجل مهم»، أخيرا تخطى الكاتب فى أهميته رجل البوليس.

كان السؤال الرئيسى والمتكرر: «كيف يمكن رؤية محاكمة مبارك داخل المشهد العام للمرحلة الانتقالية التى يجب أن تشهدها مصر من حكم سلطوى ومستبد إلى حكم عادل وإنسانى؟» و«كيف يمكن لمحاكمة مبارك أن تشارك فى صنع عملية الانتقال للمرحلة الديمقراطية؟»، وهو سؤال يدخل بنا مباشرة فى قلب الموضوع. فهناك ثورة اندلعت لإسقاط نظام سياسى وبناء نظام جديد. ولبناء النظام السياسى الجديد يجب أن تمر البلاد بمرحلة انتقالية تمهد الطريق لهذا النظام. وبالتالى لا يمكن النظر إلى أى أحداث سياسية دون النظر إلى ارتباطها بالمنظومة العامة لهذه المرحلة الانتقالية. وهنا نقع فى إشكالية شديدة التعقيد: هل محاكمة مبارك باعتبارها مطلبا سياسيا وشعبيا وثوريا وقانونيا لا خلاف عليه تشتبك مع المنظومة العامة للمطالب الثورية لبناء نظام جديد؟ يؤسفنى أن أخبركم أن الإجابة تأتى بالنفى القاطع.

●●●

كتبت مقالا فى شهر أبريل الماضى بعنوان: «القرابين لا تصنع المستقبل» جاء فيه: «بدأ المجلس العسكرى يرفع من مستوى المقبوض عليهم فى هدوء ودون تعجل للتأجيج من الهياج الجماهيرى من ناحية ولإعطاء شعور أنه ينفذ مطالب الثورة من ناحية أخرى، حتى وصل أخيرا، بعد كريشندو درامى يليق ببيتهوفن، إلى القبض على رئيس مجلس الوزراء السابق ورئيس مجلس الشورى السابق. ثم فى مشهد مسرحى يتم القبض على نجلى الرئيس. وبالطبع يحدث الخبر حالة فرحة شعبية عارمة وتهليل غير عادى لأداء المجلس العسكرى ممثل الثورة المصرية. ويظل الأفق مفتوحا فما زال مبارك فى المستشفى. الكريشندو لم يصل بعد لذروته».

وصل الكريشندو الآن إلى ذروته ودخل مبارك قفص الاتهام بعد يومين من فض اعتصام التحرير بالقوة والقبض على العشرات بشكل تعسفى لكى ينضموا إلى القائمة الطويلة للمدنيين الذين يحاكمون عسكريا، يحاكم مبارك بينما المصريون تحت وطأة قانون تجريم الاعتصام، وفى الوقت الذى لا نعرف فيه من يقوم بصياغة كل المراسيم والقوانين التى تسقط على رءوسنا رغم أن الشفافية هى شرط رئيسى لتحقق نظام سياسى عقلانى، ولم نمتلك بعد حقنا السياسى والاجتماعى فى تأسيس نقابات وجمعيات أهلية وفقا لقوانين ديمقراطية، وفى تأسيس أحزاب بالإخطار، ولا نعرف ما هى معايير اختيار وتعيين المحافظين خلال الأيام القادمة، وفى ذات الوقت الذى يُرفض المطلب الذى يحظى بتأييد أغلبية القوى السياسية والخاص بالنظام الانتخابى بالقائمة النسبية المغلقة وبإلغاء كوتة العمال والفلاحين، وكلها شروط واجبة فى مرحلة التحول الديمقراطى، ناهيك عن عدم فتح ملفات مغلقة لا حصر لها مثل ملف اتهامات زاهى حواس وملف تفجير كنيسة القديسين وغيرها الكثير.

●●●

نعم محاكمة مبارك شرط أساسى للتحقق الديمقراطى ولكننا لا نستطيع رؤيتها بشكل سليم إلا داخل المشهد العام: مشهد صياغة وابداع نظام سياسى إنسانى وعقلانى وعادل ولديه القدرة على حماية الأقليات، ونحن لم نأخذ بعد أولى الخطوات تجاه هذا المشهد.

خالد الخميسي  كاتب مصري