معركة الكلمات - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معركة الكلمات

نشر فى : الأحد 6 نوفمبر 2011 - 11:40 ص | آخر تحديث : الأحد 6 نوفمبر 2011 - 11:40 ص

ما هى العلاقة بين الكلمات/ الصياغات اللغوية والمصطلحات من ناحية وبين الأفكار من ناحية أخرى؟ هل تخلق الأفكار الكلمات وتظل علاقتها بها علاقة الخالق بالمخلوق؟ فى الحقيقة أن الكلمات ــ كما أنها تعبر عن الأفكار ــ تؤثر فى هذه الأفكار وتغيرها أحيانا. ولأن صانع السياسات يدرك أن الكلمة سلاح، ويعرف قدرة الكلمات على صياغة أفكار عدد كبير من الناس، فقد حرص دائما على اختيار اصطلاحات بعينها، ثم يقوم بترويج هذه المصطلحات دون غيرها. كما يحرص على محاربة أية اصطلاحات يمكن أن تشكل خطورة على ما قام بصياغته وترويجه من كلمات. وهو فى هذا يحشد رجال علم ورجال سياسة ورجال دين وكتابا وفنانين وصحفيين لتثبيت الاصطلاحات التى يراها مناسبة لتوجهاته ومصالحه السياسية والمالية والاقتصادية.

 

وقد بدأت معارك الاصطلاحات منذ قديم الزمن واستمرت بنفس الضراوة حتى يومنا هذا. ولنأخذ مصطلح «الشرق الأوسط» على سبيل المثال. فقد تم تدشينه من قبل الإمبراطورية البريطانية فى منتصف القرن التاسع عشر واعتماده من الولايات المتحدة فى القرن العشرين. واستطاعت الإمبراطوريتين الاستعماريتين فرض المصطلح على العالم بما يحتويه من مضامين جيو ــ سياسية فى غير مصلحة الوطن العربى. وتلجأ الدول دائما إلى مجموعة من الاصطلاحات لتوجيه الرأى العام داخل كل دولة فى اتجاه بعينه.

 

●●●

 

مقدمة طويلة لكنها ضرورية لأتحدث عن مجموعة الاصطلاحات التى تم اختراعها واستخدامها فى مصر لتقويض الثورة، وخلق رأى عام غير متعاطف مع استمرارها. ويجب فى هذا الصدد أن أعترف بكفاءة من قام بصياغة هذه الاصطلاحات التى نجحت إلى حد كبير فى خلق رأى عام مضاد للثورة:

 

«المطالب الفئوية»: من أبرز الاصطلاحات وأكثرها حنكة. فقد قام مخترع هذا المصطلح باستخدام كلمة مطالب بدلا عن حركات اجتماعية، لمنح صورة سلبية عن مجموعة من المرتزقة تبحث عن مكاسب مالية سريعة دون النظر لمصلحة الوطن. واستخدم كلمة فئوية لإعطاء إيحاء أنها غير مجتمعية. أى أنها لا تعبر عن مصلحة المجتمع ككل. وهو مصطلح استعمله الإعلام بكثافة للتعبير عن الحركات الاجتماعية المصرية التى نشطت بعد سقوط مبارك للقيام بتغييرات هيكلية فى أطر وهياكل المؤسسات والنقابات والهيئات الفاسدة القائمة. وتم استخدام حالات تعبر بالفعل عن مطالب تافهة وقام الإعلام بتسليط الضوء عليها واعتبرها نموذجا لكل الحركات الاجتماعية التى تستكمل الفعل الثورى لإحداث تغييرات جذرية فى بنية المؤسسات المجتمعية.

 

«تعطيل عجلة الإنتاج»: هدف هذا الاصطلاح الرئيسى هو تمرير رسالة خوف للجمهور. فهناك عجلة إنتاج تدور. وبسبب هؤلاء الشرذمة من الفئويين الذين لديهم مطالب، هناك خطورة من توقف هذه العجلة. بالطبع نحن هنا أمام غموض مطلق. فلا أحد يعرف على وجه الدقة سرعة هذه العجلة ومدى الخطورة من إبطاء سرعتها. لا أحد يمتلك أرقاما يستطيع الوثوق فيها. لكن كل هذا لا يهم. الأهم أن نكرر بلا رحمة مصطلح «توقف عجلة الإنتاج» وسوف تحدث هذه الجملة تأثيرا ولا شك فى الرأى العام المصرى.

 

«الجيش خط أحمر»: أسجل إعجابى بمؤلفها. على الرغم من وجود عدد آخر من المصطلحات التى تعبر عن نفس المعنى والتى يتم تكرارها عبر الوسائط الإعلامية المختلفة إلا أننى أفضل هذا المصطلح. لم يذكر لنا أحد لماذا الجيش خط أحمر؟ وماذا تعنى كلمتى «خط أحمر» بدقة؟ ولماذا نميز مؤسسة مصرية كالجيش عن باقى مؤسسات الدولة؟ من الواضح أن الهدف من تكراره هو وضع حد للفعل الثورى الذى لا يعرف ــ لكونه ثوريا ــ معنى للخطوط الحمراء. مصطلح يسعى لإيقاف الثورة حيث أن الجيش ــ وهو خط أحمر ــ سوف يتكفل وحده بالحديث باسمها كما تكفل ــ كما يدعى ــ بحمايتها. أجدنى مضطرا أن أكرر هنا بديهيات: أن الثورات لا تعرف خطوطا حمراء أو صفراء.

 

«الوقيعة» ــ وفى مقابلها ــ «الإجماع الوطنى»: تفترض كلمة «الوقيعة» عدم إمكانية الاختلاف مع طرف بعينه يمتلك قداسة ويعتبر فوق أى نقد أو اختلاف معه. للكلمة وقع ثقيل مثل «الفتنة» فهى تثير الخوف فى نفس من يسمعها وتؤكد على المكانة الأرقى لفصيل دون الآخر. ومن ناحية أخرى يقف مفهوم «الإجماع» الذى يكفى لوأد الثورة المصرية. فالمجتمع المصرى ــ مثله مثل كل المجتمعات ــ يعج بتيارات فكرية وسياسية متباينة ومختلفة، كما يضم اختلافات دينية ومذهبية وعرقية. وفى الفترات الانتقالية بين نظام انقضى ونظام يبزغ، يجب العمل على تشكيل أطر دستورية وقانونية وسياسية تتعامل مع هذه التباينات بصورة تحقق أسس العدالة والإنصاف والديمقراطية والدفاع عن الأقليات. فالاختلافات قائمة وطبيعية، ولا يصح الحديث عن الإجماع. فكيف نجتمع على رأى وهناك عشرات التيارات الفكرية والمذهبية والفلسفية؟

 

«البلطجية»: هو مصطلح جامع مانع. مصطلح يجمع من الأحباب ألفا. من أجمل إبداعات السلطة الغاشمة. كلمة تحولت إلى سيف باتر على رقاب اللصوص والمرتزقة والشحاذين والناشطين السياسيين والثائرين والعباد والسائرين نياما. فمن يمكنه تحديد معنى دقيق لكلمة بلطجى؟ لا أحد. هذا البلطجى هو العدو المنشود للنظام داخل أى ثورة. ففى حالة سوريا هم عملاء لقوى أجنبية، وفى حالة البحرين هم الشيعة المنحازون لايران، وفى حالة ليبيا هم الشعب الليبى الذى يجب محاصرته داخل كل زنقة. وبالتالى فالبلطجى هو عدو النظام، عدو للاستقرار المنشود. وفى حالة مصر هذا البلطجى يمكن أن يكون أى مصرى إذا أراد من بيده الأمر التخلص منه. ويكفى فى هذا الصدد أن نتهمه أنه بلطجى وسوف يصبح ــ بكل سهولة ــ عدوا للشعب.

 

●●●

 

هناك عشرات الاصطلاحات التى يكررها الإعلام بغرض توجيه الرأى العام المصرى والعربى ضد حركة التغيير، علينا تفنيدها ونقدها. هى واحدة من المعارك المهمة التى يجب خوضها من أجل تحرير العقول، من أجل استكمال الثورة المصرية. فلا يمكن للثورة أن تنتصر وتحقق مطالبها بالحرية والعدالة الاجتماعية دون أن تنتصر الكلمات والمصطلحات الداعمة لها.

خالد الخميسي  كاتب مصري