أوباما جزر بعد مد - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 7:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما جزر بعد مد

نشر فى : السبت 6 يونيو 2009 - 8:56 م | آخر تحديث : السبت 6 يونيو 2009 - 8:56 م

 ذاكرة الشعوب قصيرة. مقولة سليمة يستغلها الساسة منذ القدم. ولكن وللغرابة لا تنطبق هذه المقولة على ذاكرة الشعب المصرى فى علاقته مع الولايات المتحدة منذ عام 1974 وهو تاريخ بدء التقارب المصرى الأمريكى وحتى الآن، لأن اكتواءه بنيران الصداقة الأمريكية متواصل. فالوعود الحكومية المصرية للشعب المصرى لابتلاع هذه الصداقة الحديثة كانت كفقاعات الصابون، كبيرة كالبالونة، مبهرة كالسراب، كثيرة بطول نفس الطفل الذى لا يمل من نفخ لعبة الفقاعات الهوائية. بدأنا بالدويتو الشرس نيكسون وهنرى كيسنجر، ثم فورد وكيسنجر. وأعلن لنا السادات حينها أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا. لا أعلم عن أى لعبة كان يتحدث؟.. هل لعبة العسكر والحرامية بين العرب وإسرائيل؟

.. أم لعبة الوضع الاقتصادى العالمى؟.. أم لعبة البحث عن صديق قوى يعين السادات فى أزمته الداخلية ضد رجل بوزن عبدالناصر؟.. ثم جاء جيمى كارتر الديمقراطى عام 1977 وانهالت وعود الحكومة المصرية علينا كالمطر، حتى أن الناس فى الريف المصرى باتوا يتحدثون عن إرسال طائرات أمريكية سوف تمطر الفلاحين بالدجاج. وبدأت الحكومة تتحدث عن عام 1980 كعام الرخاء. وأن جيمى باعتباره يقبض على مفاتيح اللعبة سوف يفتح بها كهوف على بابا ويحل قضية فلسطين. وسافر بعدها الرئيس المصرى إلى القدس. وجاء بعد جيمى ريجان وبوش الأب الجمهوريين من 1981 إلى 1993 تم خلالها اغتيال السادات واجتياح بيروت واستعمار لبنان وقمع الانتفاضة الفلسطينية بصورة وحشية، ودك العراق مع الإبقاء على صدام. ثم جاء كلينتون الديمقراطى من 93 حتى 2001 وقالوا لنا هذا الرجل مختلف تماما عن كل ما سبقه من رجال، والمفاتيح فى يده ما زالت طازجة، وسنونها لامعة وديمقراطية، وسوف يفتح ولاشك بها كهوف الحلم.

أظن أن كلينتون لم يخيب ظن الناخبين الأمريكيين. أما فى منطقتنا العربية فقد ظلت الأوضاع فى تدهور مستمر. وجاء بوش الابن ليقدم عرضا سينمائيا ضد الإرهاب الذى صنعه بيديه. كتب له السيناريو كاتب فاشل، انتهى به الأمر بأن بدأ مع المخرج والمنتج الهوليوودى فى قتل جمهور صالة السينما فى سابقة تعد الأولى من نوعها. الغريب أن خلال كل هذه التجارب كانت الذرائع والحجج التى تستخدمها واشنطون لغزو دولة أو لتوقيع عقوبات عليها ومحاصرتها كانت لعدم امتثال هذه الدول لقرارات الأمم المتحدة أو لعدم انتهاجها الديمقراطية. كحصار ليبيا على حدودنا الغربية، أو حصار السودان على حدودنا الجنوبية، أو حصار العراق. كما ظلت واشنطون تتحايل على حقوقنا بتجاهل كامل للقرارات الدولية.

ماذا يمكن أن يقدم ديمقراطى جديد يتميز عن سابقيه بلون بشرته، كما يتميز أنه جاء بعد الفيضان الذى أحدثه بوش؟.. هل نتوقع أن يكون نوح وهو الآن قد بدأ فى بناء السفينة؟.. هل يمكنه فجأة أن يخرج قرارات الأمم المتحدة من الأدراج لأول مرة فى تاريخ علاقتنا مع الولايات المتحدة؟.. أظن أننا قد مللنا الحديث عن أى دور إيجابى يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة فى منطقتنا العربية. ارتدى أوباما ملابس القس وتصور أنه فى كنيسة جامعة القاهرة وألقى عظة دينية كتبها له والت ديزنى بلغة توراتية تليق بمرحلة ما قبل سعد زغلول. أكد فى نهايتها بآيات من القرآن الكريم ثم من التلمود ثم من الإنجيل أننا لا يجب أن نكون أسرى للماضى وأننا فى النهاية سوف ننفذ رؤية الرب لنا فى الحياة فى سلام ووئام فى عالم بلا أسلحة نووية يعود فيه الجندى الأمريكى إلى وطنه ويعيش كل عصفور فى عشه الرغيد وسط زقزقة موسيقى باخ.

أظنه يقصد أننا لابد أن ننسى ماضى البشرية كله ونندرج داخل عالم ديزنى. وفى هذا الفيلم الرومانسى الدينى جدا الذى قدمه لنا القس أوباما، هناك وطن لشعب إسرائيل العظيم ووطن لشعب فلسطين العظيم. وتحدث فى الفيلم عن التطرف ولم يتعرض عن دور دولته فى تمويل هذا التطرف، وتحدث عن معاناة الشعب الفلسطينى (وأشكره بحرارة على ذلك حيث إننى لم أستمع لرئيس أمريكى سابق يتحدث عن كرامة الفلسطينى بصفته إنسانا) لكن دون ذكر من يمارس آلة التعذيب ضد شعبنا فى فلسطين، وتحدث عن منع السباق النووى فى منطقتنا وأنه سوف يمنع إيران أن تمتلك السلاح النووى، دون أن يحدد عن أى سباق يتحدث، حيث إن حلبة السباق بها متسابق وحيد هو إسرائيل. وتحدث عن الحرية الدينية مشيرا إلى الخلافات بين السنة والشيعة فى العراق ولم يعتذر عما قامت به دولته من جهود جبارة للعمل على إحداث شق داخل شعب العراق. حاول أوباما فى القاهرة أن يرضى أذواق كل المتفرجين فتحدث بكل اللغات فلم أفهم منه غير أنه خطيب بارع يمكن أن يعمل فى السينما بعد السنوات الثمانى التى سوف يقضيها فى البيت الأبيض ويعكس تاريخ ريجان الذى بدأ بالتمثيل.

لن يكون أوباما كـ«بوش»، هذا مؤكد. ولكن هذا التأكيد ليس إلا تأكيدا فيزيائيا. فالمد يجب أن يتلوه جزر. مد ثم جزر ثم مد. جمهورى ثم ديمقراطى ثم جمهورى. هذه هى قواعد اللعبة التى يمتلكها بالفعل الأمريكيون بنسبة 100%. لعبة ناجحة اقتصاديا وسياسيا. وتوفر ديكورا ديمقراطيا إنسانيا لطيفا. وتمثل ملهاة للشعوب أفضل كثيرا من المسرحيات الإغريقية. ويكتب عنها الكتاب والصحفيون بشهقة سقوط الروح من موجة عاتية. هجوم عاتٍ على العالم ثم تراجع مع أمنيات ساذجة بالتغيير للأفضل. لا أتوقع من القادم الجديد إلا جزرا سوف يتلوه مد من القادم الجمهورى التالى. فالمد والجزر لا يغيران حقيقة أن البحر واحد.

خالد الخميسي  كاتب مصري