إسرائيل.. وإسقاطات المبادرات الدولية الجديدة للصين - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل.. وإسقاطات المبادرات الدولية الجديدة للصين

نشر فى : الإثنين 5 يونيو 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : الإثنين 5 يونيو 2023 - 8:20 م

«هذا انتصار للسلام» ــ هذه هى الكلمات التى قالها الدبلوماسى الصينى الكبير وانج يى، بعد توقيع اتفاق التطبيع بين إيران والسعودية يوم 10 مارس الماضى. وشدّد وانج على أن الانتصار هو انتصار للزعيم الصينى وسكرتير الحزب الشيوعى، شى جى بينج، ولـ«مبادرة الأمن الدولية» (GSI) التى صاغها. المبادرة نفسها ذكرها أيضا وزير الخارجية الصينى تشين جانج، كأساس ممكن لحل النزاع فى أوكرانيا، وطُرحت ثلاث مرات فى حديث مع وزير الخارجية الإسرائيلى إيلى كوهين فى 17 أبريل الماضى فى سياق الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى.
خلال الأعوام العشرة الأخيرة، كانت «مبادرة الحزام والطريق» (BRI) بوصلة السياسة الخارجية للرئيس شى بينج. ولكن خلال العامين الأخيرين، تمت إضافة ثلاث مبادرات جديدة للـBRI، الأولى هى «مبادرة التطوير الدولية» ــ GDI، والتى كشف عنها بينج فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر 2021، فى أعقاب التراجع فى النمو بسبب جائحة كورونا، والهدف المُعلن لها هو مساعدة المجتمع الدولى فى تحقيق الأهداف الـ17 للأمم المتحدة فى أجندة 2030 للتطوير المستدام (SDGs) . وفى يونيو الماضى، أعلنت الصين 32 خطوة عملية لتطبيقها، تجمع ما بين المبادرات الموجودة لدى الصين وأخرى إضافية، بالإضافة إلى أدوات ومصادر تمويل جديدة، بينها إضافة مليار دولار إلى صندوق التطوير مع دول الجنوب.
المبادرة الثانية هى الـ GSI التى كُشف عنها فى أبريل 2022، كمكمِّلة للـGDI، بحسب الرؤية الماركسية القائلة إن «الأمن هو شرط للتطوير، والتطوير هو ضمان للأمن». وفى الإطار الفكرى للـ GSI الذى نُشر فى فبراير الأخير، بعد مرور عام على الحرب فى أوكرانيا، دعت الصين إلى أمن «مشترك شامل وتعاوُن مستدام»، يحترم سيادة الدول، ويتفهّم مخاوفها الأمنية. هذه الرؤية الأمنية توصف بأنها ستلتزم باتفاقيات الأمم المتحدة، وتحلّ النزاعات بطرق سلمية، وتحفظ الأمن العالمى بـ«أمن تقليدى» (مجالات ترتبط بالقتال واستعمال القوة) ، وأمن «غير تقليدى» (كالتغيير المناخى والاقتصاد والسايبر والأوبئة) .
وفى مارس الأخير، تمت إضافة مبادرة أخرى «مبادرة الحضارة الدولية» GCI، التى ستركز على المجالات الناعمة، وبينها التعليم والثقافة. وشرح وزير الخارجية الصينى أن الهدف من ورائها هو تعزيز «الوحدة، والتناغم، والاحترام المتبادل، والتفهم» بين الثقافات والحضارات المختلفة، وتشجيع العلاقات بين الشعوب، وكذلك دعم «القيم الإنسانية المشتركة».

بمَ تختلف المبادرات الجديدة عن مبادرة «الحزام والطريق»؟
فى ديسمبر المقبل، ستسجّل الـBRI عشرة أعوام على إطلاقها. المبادرة تعانى فى الأعوام الأخيرة جرّاء «مشاكل فى سمعتها»، وبينها الفساد، والديون المخفية، والضرر الذى يلحق بالبيئة وحقوق العمال (الادّعاء القائل إن الصين تدفع فى اتجاه مصيدة ديون للسيطرة على الأملاك، لا يوجد أى دليل يدعمه) . التحديات ازدادت بسبب مشاكل تمويلية، وكذلك بعض المبادرات المنافسة التابعة للـ7G والاتحاد الأوروبى والهند واليابان.
وعلى عكس المبادرات الجديدة، فإن جذور الـBRI تعود إلى مبادرات تطوير داخل الصين، ثم التصدير. أمّا المبادرات الجديدة فإن اسمها معها، كونية منذ البداية، وتدفع بقضايا تحظى بإجماع دولى واسع، كما قال دبلوماسى صينى كبير عن الـGDI: «من يستطيع معارضة تعاوُن من أجل التطوير؟» وهذا ما كان، فحتى أبريل، حصلت المبادرة على دعم أكثر من 100 دولة وتنظيمات دولية، وكذلك مباركة السكرتير العام للأمم المتحدة، وانضمت 70 دولة تقريبا إلى مجموعة (أصدقاء الـGDI) فى نيويورك.
مع دخول شى بينج، ابن الـ69 عاما، فى ولايته الثالثة من دون وريث فى الأفق، فإن المديح الشخصى الذى يرافق المبادرات، الهدف منه منح شرعية لنظام القائد والحزب الذى يقف على رأسه كـ«ماركسى استراتيجى كبير» قلق على مصير البشرية. فى نهاية المطاف، فإن المبادرات الثلاث تعكس إيمانا حقيقيا لدى بكين بـ«صوابية طريقها». بعد أربعين عاما تقريبا من النمو ذى المنزلتين، تحولت الصين من دولة ضعيفة إلى قوة عظمى اقتصاديا. وفى نظر شى بينج، إن صعود الصين هو صورة المرآة لضعف أمريكا والغرب، وكذلك هو شهادة تفوُّق لـ«النموذج الصينى». المبادرات الثلاث تقف إلى جانب الـBRI، وليس بدلا منها كخطة أساسية لنظام دولى جديد.
إن الهدف من وراء الـGDI هو التأثير فى التطور الدولى وإخضاعه للقيادة الصينية. هذه الرؤية تولى مصالح الدول المرتبطة بالتطوير أهمية على حساب حريات الأفراد. وعلى عكس «طريق الحرير» الصينية، فإن أطرا كـ(مجموعة أصدقاء الـGDI) تجتمع تحت مظلة الأمم المتحدة، وتدعم أهدافا تطويرية كونية. هذه الحقيقة تمنح شرعية دولية، وتساعد على «هضم» الأفكار غير الليبرالية التى تدفع بها قدما، كالتعاون فى مجال السايبر فى إطار فكرة «السيادة على الإنترنت» التابعة للصين ــ إنترنت مغلق ويخضع للرقابة.
إن مجرد تعريف «رؤية أمن جديدة» فى أساس الـGSI بحد ذاتها، هو بديل من «الرؤية القديمة» للولايات المتحدة، والتى تستند، بحسب الصين، إلى معادلة صفرية، ومعسكرات، وعقلية الحرب الباردة. وعمليا، إن الهدف من وراء الـGSI هو تحدّى شرعية منظومة الحلفاء التابعة للولايات المتحدة وتهدد الصين، مثل «الناتو» وAUKUS وQuadوG7. فى الشرق الأوسط مثلا، الإطار الفكرى ينادى ببنية أمنية جديدة فى الشرق الأوسط، وإقامة ملتقى أمن قومى فى بكين، وعقد «مؤتمر سلام عالمى كبير ذى صلاحيات وتأثير أكبر لحلٍّ عادل للقضية الفلسطينية».
ومع الكشف عن الـGCI، صرّح شى بينج بأن نجاح التطور الصينى «يكسر الأسطورة القائلة إن الحداثة مساوية لتبنّى قيَم الغرب». ففى الوقت الذى تعزز الولايات المتحدة صراع الحضارات، فإن الصين «تريد السماح لجميع الأزهار فى حديقة الحضارات أن تزهر». حتى الصين تستند إلى أن كل شىء نسبى فى مجال الثقافة كى تعرّف من جديد القيم الأساسية لحقوق الإنسان والديمقراطية كمتغيّرات بحسب الدولة والثقافة. بذلك، تتجنب التدخل فى الشئون الداخلية باسم «القيم الكونية الغربية» التى ترفضها وتحاربها.

ماذا بالنسبة إلى إسرائيل؟
كما فى حالة الـBRI، فإن الصين لم تقُم بعد بترتيب الجداول الزمنية والميزانية بوضوح. لذلك، تم إدراج الوساطة الصينية بين إيران والسعودية فى إطار الـGSI فقط، بعد أن نجح، بالصورة نفسها التى تم فيها إدراج مشاريع وربطها بمبادرة الحزام والطريق، حتى أنها بدأت قبل المبادرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يجب التعامل مع المبادرات على أنها مبادرات فارغة. حتى لو أن أغلبية الأفكار ستبقى على الورق، إلّا إن مكانة المبادرات المركزية فى السياسة الخارجية الصينية، تفرض على إسرائيل متابعة تطوُّرها.
فى حديث مع رئيس الدولة يتسحاق هرتسوج فى نوفمبر 2021، دعا شى جين بينج إسرائيل إلى أن «تكون جزءا فاعلا من الـGDI». إسرائيل لم تُجب بعد على الدعوة، ولم تعبّر عن أى موقف من المبادرات الثلاث، لكن فى حال قبلت الدعوة، أو دعمتها شخصيات كبيرة فى إسرائيل، فإنها ستنضم إلى مجموعة من الدول «ضد الليبرالية»، بالإضافة إلى أنها ستمنح الصين إنجازا دعائيا ضد الغرب. وفى حال انضمت وأرغمت على الانسحاب، فإن العلاقات مع بكين ستتضرر كما جرى فى العلاقات بين الصين وإيطاليا ــ الدولة الوحيدة بين دول الـ G7 التى انضمت إلى الـBRI فى سنة 2019، وتحاول التراجع اليوم. معارضة المبادرة، فى المقابل، ستعامَل على أنها خطوة عدائية وتُلحق الضرر بالعلاقات الإسرائيلية ــ الصينية. لذلك، فإن مصلحة إسرائيل فى كل ما يخص الـ GDI هى الامتناع من الانضمام، أو التعبير عن الدعم الجارف، والاستمرار فى التعاون على أساس مشاريع منفصلة. عليها التعامل مع مركّبات المبادرات، كلّ بحسب ظروفه، وذلك عبر الحفاظ على توازُن بين الحسابات الاقتصادية والسياسية والخارجية والأمنية.
أمّا الـGSI، فإن الهدف منها هو زعزعة الوجود الأمنى للولايات المتحدة والأطر التى تقودها، وضمنها الشرق الأوسط، ويمكنها أن تُلحق الضرر بالاتفاقيات الإبراهيمية، وببنية الأمن القومى الإقليمية برعاية الولايات المتحدة والـI2U2، ومنصة للتعاون الناعم بين إسرائيل والولايات المتحدة والهند والإمارات. هذا بالإضافة إلى أن بكين تميل عادة إلى الانحياز إلى مصلحة الشعب الفلسطينى، وتمنح إيران حبل نجاة اقتصاديا، وشرعية دولية، وحلولا تكنولوجية لصمود النظام. لذلك، فإن دعم الـGSI يتناقض مع المصلحة الإسرائيلية.
وأكثر من البعد الأمنى، فإن إشكاليات الدعم الإسرائيلى للمبادرات الصينية تنعكس أيضا فى الأبعاد القيمية والمعيارية. الدعم المعلن فى الـGSI لمعاهدات الأمم المتحدة جاء ليغطى على رفض الصين لإدانة الخرق الصارخ لهذه المعاهدات بالاجتياح الروسى لأوكرانيا، الذى تبرّره بكين وموسكو بأنه ردّ على توسُّع «الناتو». هذا بالإضافة إلى أن النيات الحسنة التى يتم تسويقها على أنها «نمو مشترك» و«علاقات عابرة للثقافات» فى إطار الـGCI هى لمحاربة القيم الكونية الأساسية والليبرالية التى تستند إليها الديمقراطيات، كإسرائيل. لذلك، فمن غير المستحسن توقيع هذه الاتفاقيات قبل قراءة تفاصيلها، ولا ينبغى على إسرائيل تبنّى مبادرات جديدة ودعمها قبل مراجعتها فى العمق، ومراجعة إسقاطاتها.

التعليقات