ريشة ماعت وميزان أوزير - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ريشة ماعت وميزان أوزير

نشر فى : الأحد 5 يونيو 2011 - 9:32 ص | آخر تحديث : الأحد 5 يونيو 2011 - 9:32 ص
أدخل مرتجفا إلى قاعة العدالة المزينة بأعمدة ذات تماثيل أوزيرية، وفى صدر القاعة يجلس «أوزير» بطّلته الربانية وأمامه «لوح القدَر» المحفورة فيه لحظة القضاء، وعلى يمينه سجّل مدونة فيه أعمال البشر الصالحة والطالحة عبر حياتهم الفانية. تقف وراء أوزير الإلهتان إيزيس ونفتيس. أنظر إليهما مقطوع الأنفاس من الرهبة. وفجأة ألمح تحوت إله الكتابة والأدب والعلم، فأنحنى أمامه فى إجلال.

يستقبلنى أوزير ــ الذى يعرف أحوال الناس ــ فى قاعته ليضع قلبى فى كفة ميزانه وفى الكفة الأخرى ريشة العدالة التى ترمز للإلهة ماعت. وأبدأ أنا فى قراءة نص إعلان البراءة من الذنوب. وبعد أن أنتهى من إقرارى أننى لم أقم بعمل شرير يؤذى أحدا من الناس ولم أكن قاسيا على أحد من الفقراء ولم أتسبّب بمرض أحد من الناس ولم أقتل ولم أُعط أمرا بالقتل ولم أحرم الأطفال من حليبهم، أقرر أن أتوجه إليه بسؤال بسيط يؤرق مضجعى حتى بعد أن أموت. أسأله بصوت لا يكاد يخرج من فمى: هل سوف تنجح الثورة المصرية فى تحقيق العدالة والانتقال لنظام عام يحترم حقوق الإنسان ويؤسس لمبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص ويرسخ سيادة القانون؟ لم يجب من فوره على سؤالى. بل أخذ قلبى من كفة الميزان وناوله إلى الإله تحوت. وأمسك بالريشة النائمة على الكفة الأخرى من الميزان وقال لى بصوت وكأن ملايين البشر يتحدثون فى صوت واحد: «هذه أحلامكم المشروعة كل حلم شعرة متهدلة فى هذه الريشة». ثم وضع الريشة مرة أخرى على كفة الميزان. ثم أمسك بجمجمة قرد هائل الضخامة وقال لى: «وهذه مخاوفكم». كفة من سوف تكون أثقل من الأخرى؟ إذا كانت الجمجمة أثقل من الريشة فسوف تفشل ثورتكم فى تحقيق أمانيها وإذا كانت الريشة أثقل من الجمجمة فسوف تنتصر أحلامكم. فسألته أن يضع الجمجمة على كفة الميزان لأرى بعينى نتيجة معركة الكفتين. فقال لى: ما سوف تراه الآن يمكن أن يتغير بعد ساعة أو بعد يوم.

فلا توجد فى دنياكم نتائج نهائية. فرجوته أن يضع الجمجمة. انتظرت للحظات. بدأ اليأس يتسلل إلىّ. نظرت لى ايزيس بشفقة ربة، وحينها فقط وضع أوزير الجمجمة. لم أستطع أن أحول عينى عن عينى إيزيس ولكننى انكويت بهدير صوت هبوط كفة الجمجمة واستمعت مع هذا الهدير إلى هبوط قلبى من يد الإله تحوت. انكسرت روحى من الهزيمة المروعة. فتكلم أوزير وكأن عشرات الملايين يتحدثون بصوت واحد: «انكسار الروح سوف يهبط بكفة الخوف أكثر وأكثر. ولكن ما يضيرك وأنت فى عداد الموتى؟ فقلت له إننى ميت ولكننى فى حضرتكم الربانية حى أرزق. ثم سألته عن الطريق. فأجاب أن كل من تحدث حديث الخوف من الغد ومن الأزمة ومن الكفاف ومن البلطجة، الخوف من إعلان الحق فى التعبير عن الرأى، الخوف من النور، فهو حديث الهزيمة.

حديث يكبل الطاقات بحديد الأذهان المغلقة. وكل من تحدث حديث الأمل والخروج والنور والحلم، حديث مزدان بالأجنحة يطير لآفاق لم تطلها إلا خيالات تدفع للابتكار. فهذا حديث الانتصار. حديث الهزيمة ينظر دائما إلى أسفل قدميه ولأنه لا يتحرك فصوته عال وكلامه كلام الغرائز الأولية. وحديث الانتصار ينظر للأمام ولأنه يطير بجناحين تضربان الهواء بكل قوة فصوته منخفض وكلامه كلام العقول المستنيرة. الخوف والحلم كلٌ فى كفة. تسألنى لمن الغلبة؟ أقول لك إن لكل زمن رجاله ولكل زمن كفته التى تنتصر على الأخرى. فأنت يا بنى تحدثنى عن تاريخ الانسان منذ الأزل.

أصوات الحديد المثقلة بهدير رسائل الخوف تنتصر كثيرا وأصوات البلابل المحملة بالأمل تنتصر قليلا. معروف لكل عقل يرى من يروج الخوف، ومن يروج الحلم، وعليكم أنتم أن تختاروا لمن يجب أن تنحازوا؟

 

خالد الخميسي  كاتب مصري