فجوة أجيال بين الأساتذة والطلاب العرب - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 9:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فجوة أجيال بين الأساتذة والطلاب العرب

نشر فى : الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : السبت 12 نوفمبر 2016 - 2:49 م


نشرت مجلة الفنار للإعلام مقالًا للباحثة –أورسولا ليندسي- تتحدث فيه عن الفارق والفجوة بين الطلاب وأساتذتهم العرب من حيث الاهتمام والسعي من أجل الحصول على التعليم ومن حيث الفرص المتاحة والاختلافات الواضحة في سلوك الجيلين. تحاول الكاتبة التوصل للعوامل الأساسية التي أدت لذلك من خلال الاستعانة بآراء مختلفة حول سلوك الطلاب وسلوك الأساتذة أيضًا، إضافة للتعرف على السياسات التعليمية السائدة. تقول ليندسي في بداية المقال أنه في مؤتمر عُقد في الجزائر الربيع الماضي، قارن أستاذ في منتصف العمر جيله بالطلاب الذين يقوم بتدريسهم. وقال إنه عندما كان شاباً، كان يعتقد بأن الذهاب إلى الجامعة امتياز ووسيلة للمساهمة في بناء مستقبل بلاده. بينما يأخذ طلابه التعليم العالي وكأنه من الأمور المسلم بها، وينظرون إليه على أنه "حقهم". على الرغم من أن الكثير منهم غير مؤهل حقاً للوصول إلى الدراسات العليا، بحسب ما يعتقد.

 


كما عبرت أكاديمية أخرى بلطف عن أسفها لافتقار الطلاب للاحترام. فعندما كانت طالبة، كان من المألوف أن تتوقف وتعرض على الأستاذ حمل كتبه. لكن الطلاب في الوقت الحاضر، كما تقول، لن يحجموا عن المساعدة فحسب بل "قد يقومون بدفعك جانباً على السلالم". فضلاً عن كتابتهم لرسائل بريد إلكتروني من سطر واحد، مستغنين عن المقدمات المهذبة.

 


لقد سمعت شكاوى من هذا القبيل من أساتذة من جميع أنحاء العالم العربي: بأن الطلاب فظين، اتكاليين يريدون كل ما هو جيد من دون السعي لتحصيله، وغير مهيئين أكاديمياً وأن أعداداً كبيرة منهم قد أغرقت الجامعات، مما أدى لانخفاض جودة الخبرات التعليمية. كما سمعت أيضاً الكثير من شكاوى الطلاب بخصوص الأساتذة: كونهم متعالين، غير خاضعين للمساءلة، ومتأخرين عن مواكبة العصر. وبأنهم، وفي أسوأ الحالات، لا يبذلون أية جهود لجعل محاضرتهم مفهومة، وأنهم يربحون من بيع ملازم المحاضرات والكتب التي يكتبونها، والتي قد يكون من الصعب – إن لم يكن مستحيلا – النجاح في الامتحانات النهائية من دونها.

 


هذه الاتهامات المتبادلة والمتكررة دفعت ليندسي للتساؤل عما إذا كانت فجوة الأجيال بين الأساتذة والطلاب قد تكون واحدة من المشاكل الأساسية في الجامعات في المنطقة اليوم (لاسيما في الحكومية منها). ففي المؤسسات التي تفشل بوضوح في تلبية توقعات الجميع، يحرض كلا الجانبين تقريباً ضد بعضهما البعض.

 


يكاد أن يكون من غير المعتاد بالنسبة للشباب أن يعبروا عن استيائهم من سلطة آبائهم، وأن يثيروا اللغط من أجل التغيير. كما أن من الصعب بالنسبة للجيل الأكبر أن يجدوا الشباب جاهلين أو جاحدين. وفي العالم العربي بأسره – وبسبب النمو السكاني وندرة وجود الفرص – فإن هناك توتراً شديداً على وجه الخصوص بين جيل أكبر أخذ كل الوظائف المتاحة تقريباً، الوظائف التي توفر السلطة، والمكانة، والفوائد المالية، والجيل الأصغر الذي ينتظر دوره بفارغ الصبر. وعليه فمن غير المستغرب أن تتواجد سلالة من هذه الدينامية الاجتماعية الأكبر في الجامعات أيضاً.

 


***

 


تضيف ليندسي أنه قبل بضع سنوات، أخبرها خبير في مجال التعليم بأن "الأساتذة هم المشكلة". العديد منهم ينشر قليلاً، ولا يقومون بإجراء البحوث، وليست لديهم ساعات عمل في مكاتبهم ولا يشجعون النقاش المفتوح في الفصول الدراسية. وحرصاً منهم على سلطتهم وامتيازاتهم، فإنهم يقفون بوجه التعليم "المتمحور حول الطالب". إنهم يرغبون في الاستمرار بالقيام بالأشياء التي اعتادوا القيام بها دائماً، ولهذا يقاومون الإصلاحات.

 


على صعيد آخر، يتقاضى الأساتذة في الجامعات الحكومية أجوراً منخفضة فيما يجد أولئك العاملين في الجامعات الخاصة أنفسهم مثقلين بأعباء التدريس والعمل الإداري المضني من دون فائدة. في العديد من المؤسسات، تعتمد ترقية الأساتذة على الأقدمية والاتصالات، بدلاً من إنتاج المعرفة أو الأداء في الفصول الدراسية. وعليه، لماذا يتوجب على الأكاديميين المحفزين بذل جهد إضافي إذا لم يكونوا سيحصلون على التقدير مقابل ذلك؟

 


لكن السبب الرئيسي في كون الجامعات في المنطقة تتعثر في أدائها هذه الأيام لا يعود إلى كون الطلاب أقل ذكاء أو أن الأساتذة أقل التزاما – الأمر يتعلق بالأرقام.

 


شهد التعليم العالي العربي توسعاً لا يصدق في النصف الأخير من القرن الماضي، وهناك العديد من الجامعات غير الناضجة. وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، فإن 97 في المئة من الجامعات العربية قد أنشئت بعد عام 1950، ولم تكن 70 في المئة من الجامعات المفتوحة اليوم موجودة قبل العام 1991. ولم يشهد عدد الجامعات زيادة فحسب بل أن معدل التحاق الطلاب بمؤسسات التعليم العالي قد ازداد أيضا بشكل يثير الحيرة، سنة بعد أخرى.

 


يؤيد العديد من الأساتذة، من حيث المبدأ، الحفاظ على مجانية التعليم العالي بوصفه حق عالمي. لكن الكثير منهم أيضاً ينظر إلى الزيادة المتسارعة في معدلات الالتحاق بالجامعات وانعدام معايير القبول في كثير من الأحيان، وكأنها قد حكمت على جامعاتهم بالنهاية.

 



لكن الأساتذة من فئة عمرية معينة يجب أن يضعوا في اعتبارهم، عندما يشعرون بالإحباط، بأنهم قد تلقوا تعليمهم في ظل ظروف مختلفة جداً عن الظروف التي يعلمون فيها الآن. لقد كانوا محظوظين: فقد كانت صفوفهم أصغر من ذلك بكثير، كما أنهم كانوا متيقنين تقريباً من الحصول على وظيفة بعد التخرج. لكن الجامعات الحكومية في المنطقة تحولت بسرعة كبيرة من مؤسسات لإعداد النخب الوطنية الصغيرة إلى مؤسسات تخدم جمهوراً ضخماً – وهو اتجاه يشار إليه عالمياً باسم "تكتيل" التعليم العالي. ولهذا فإن الأساتذة، كما يبدو للكاتبة، المربكين والمزدرين بحشود من الطلاب، ويتوقع منهم أن يقوموا بالتعليم الآن.

 


***

 


كما أن هنالك مصادر أخرى متعددة لمشاعر العزلة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب. حيث أن الأساتذة الذين تابعوا دراستهم في حقبة ما بعد الاستعمار قد يكونوا قد درسوا بلغات أجنبية ويجيدون التحدث بها بطلاقة – في حين أن الغالبية الساحقة من الطلاب الذين يعلمونهم الآن من الناطقين باللغة العربية، وأن البعض منهم، في دول الخليج، قد يجدون صعوبات في كل من اللغتين العربية والإنجليزية.

 


من جانب آخر، تغيرت العادات والأعراف في الحرم الجامعي. حيث أن الأكاديميين من جيل معين – ممن خبروا الجامعة كمكان لشيوع السياسات التقدمية أو تحرير المرأة – يشعرون بالقلق حيال التشدد الديني لدى بعض الطلاب، ويشعرون بالصدمة لدى رؤيتهم لطالبات يصرّن على ارتداء النقاب على سبيل المثال.

 


في الوقت ذاته، فإن الطلاب وصلوا إلى هذا العمر في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والعولمة، والاضطرابات السياسية. ولذلك، فإنه لا بد وأنهم يرغبون بعلاقات غير رسمية وأقل تكلفاً مع معلميهم. (في الواقع، إن واحداً من أهم عوامل الجذب للجامعات الخاصة في المنطقة، كما تشير الدراسات، هو الفصول الدراسية الأصغر حيث يتم تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة والبدء في المناقشات).

 



تختتم ليندسي بأن المسؤول الحقيقي عن الفجوة بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب هو السياسات التعليمية التي وعدت بشكل ساخر وغير مسؤول بتعليم عالي للجميع، في ظل غياب لتجهيز الجامعات بالموارد اللازمة للوفاء بهذا الوعد. وهذا هو ما حوّل العلاقة بين الطلاب والأساتذة – الذين يتوجب عليهما أن يكونا طرفي المعادلة – إلى معادلة محصلتها صفر.

 

 

 

التعليقات