اليونسكو والسيناريو المستحيل - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 9:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اليونسكو والسيناريو المستحيل

نشر فى : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 10:05 ص | آخر تحديث : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 10:05 ص

 فى صباح الاثنين 17 مارس عام 2008 قرر السيد رئيس الجمهورية حسنى مبارك ترشيح الأديب بهاء طاهر لتمثيل مصر للمنافسة على منصب السكرتير العام لليونسكو. كان حصول الروائى المصرى الكبير على الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» فى دورتها الأولى قد أدخل البهجة فى نفس الرئيس.

صحيح أن الرئيس يعلم أن بهاء طاهر يعد من المعارضين لنظامه السياسى، وصحيح أنه تم منعه من الكتابة فى بداية السبعينيات من القرن الماضى وملفات الأمن فى مصر من البلاستيك المقوى الذى لا يفنى ولا يستحدث، إلا أنه مبدع وفنان وأديب أصيل فى معدنه.

سأل الرئيس من حوله فلم يعرفه أحد ولكن بعد جهد جهيد عرف الرئيس أن الأستاذ بهاء طاهر قد حصل على ليسانس الآداب عام 1956 ثم حصل على دبلومة دراسات عليا ثم عمل فى الحقل الثقافى حتى منتصف السبعينيات.

ثم سافر وعمل فى الأمم المتحدة فى جنيف لمدة تقارب الخمسة عشر عاما. عرف الرئيس أنه يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية وهو أمر مهم لإدارة مؤسسة كاليونسكو، أما فى اللغة العربية فقد أثرى مكتبتها فى مجال الرواية والقصة والمسرح.

إذن فبهاء طاهر لديه خبرة العمل فى المنظمات الدولية، وخبرة التعامل الدولى وفى صدره هموم العمل الثقافى منذ بدأ يعمل وحتى الآن. اتصل الرئيس بوزير خارجيته واتفق معه أن الدولة المصرية سوف تساند ترشيح الكاتب المصرى بكل خبرتها فى هذا المجال، كما سوف تفتح الخزائن لتمويل عملية المساندة الدولية وإرسال الوفود الدبلوماسية والثقافية لإجراء المباحثات الخاصة بدعم المرشح المصرى وعلى مدار الثمانية عشر شهرا المتبقية على الانتخابات.

وقام الرئيس بالاتصال بوزير ثقافته ليؤازر الوفود الثقافية التى سوف تسافر للدول الثمانى والخمسين التى سوف تقوم بالتصويت فى انتخابات اختيار سكرتير عام اليونسكو.

تخيلوا معى أن هذا السيناريو المستحيل هو ما حدث منذ عام ونصف العام من الآن. أديب مصرى عالمى ممثلا لمصر فى مواجهة بضعة موظفين من دول مختلفة من وزراء إلى برلمانيين علاقاتهم بأنظمتهم حيوية، ومصر ممثلها يحتضن الروح الإنسانية فى تجليها الأدبى والفنى. كانت الصحافة الفرنسية بالتأكيد سوف تكتب غير ما قرأت وما تابعت من تفاصيل.

كنت فى فرنسا طوال فترة الانتخابات وتابعت ما نشرته الصحف الباريسية واستمعت إلى البرامج الإذاعية وشاهدت برامج تليفزيونية عن تفاصيل الممارسات القمعية والديكتاتورية التى يمارسها النظام المصرى ومن يمثلها فى انتخابات اليونسكو، كتب الصحفيون الكثير عن تفاصيل التدخل الأمنى فى جميع مناحى الحياة فى مصر، تحدثوا عن المعتقلين السياسيين ومصادرة الكتب وقانون الإنترنت المزمع سنه بسن السلاح، وأزمة الحكم، والتوريث، والتوتر الطائفى والقبض على كتاب المدونات وإن لم تحرق وزارة الثقافة الكتب العبرية فهى تقوم بمنع كتب من الدخول إلى مصر وتسحب من السوق كتبا مصرية وعربية أخرى.

كتبوا عن نظام فاسد شاخ، وعن وزير تربع لمدة قاربت على الربع قرن فى مقعد الوزارة التى تكره أشد ما تكره المثقفين المصريين الحقيقيين «الذين لم يدخلوا الحظيرة». كان شهر سبتمبر فى أوروبا هو شهر التشهير بالنظام الديكتاتورى المصرى ومن يمثله عن جدارة، وفهم أعمق لدور صديقنا الاستراتيجى الولايات المتحدة. وتحدث العرب والمهتمون بالعرب عن سياسة الانفراد بالقرار وعنترية القرارات والاختيارات غير المدروسة والتى لا يمكن إلا أن تحصل على الأصفار المدوية. كان الصحفيون الفرنسيون فى وسائل الإعلام المختلفة يتساءلون متى سوف ينفجر الوضع الداخلى المصرى لبدء مسيرة ديمقراطية فى دولة بأهمية مصر.

بهاء طاهر هو ممثل مصر. كان العالم سوف يتحدث عن صفحة جديدة يفتحها الرئيس مبارك مع المثقفين المصريين. عن الدولة المصرية التى تقتحم المنظمات الدولية بمفكريها ومبدعيها وليس بموظفيها من وزراء وبرلمانيين ورجال مخابرات وأمن.

جائزة البوكر وجائزة جوزيى أكيبرى وجائزة القراء فى مواجهة القرارات السيادية الممهورة بأختام رؤساء الجمهوريات المختلفة من بلغاريا إلى النمسا وغيرها. كان اليونسكو سوف يستمع إلى محاضرة من عصب وروح، وليست محاضرة من حروف وكلمات. وكانت الصحافة الأوروبية سوف تكتب..

سوف أدع القارئ يتخيل ماذا يمكن أن يكتب صحفى عن احترامه لأديب ولدولة تختار أديبا معارضا وتقف بجانبه بغض النظر عن النتائج. وبالتأكيد يمكن فى هذا السيناريو استبدال اسم بهاء طاهر بأسماء عشرات المثقفين المصريين.

لكن هذا السيناريو كتبه مؤلف وليس سياسى مصرى، فالإدارة المصرية تحتقر الأدباء وكذلك المثقفين، لا تحترم إلا رجال المال وصناع القوة والبطش.




خالد الخميسي  كاتب مصري