لأ راجل - عز الدين شكري فشير - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لأ راجل

نشر فى : السبت 4 أبريل 2009 - 4:28 م | آخر تحديث : السبت 4 أبريل 2009 - 4:28 م

 فى تعاملنا مع العالم الخارجى، لماذا نهتم لهذه الدرجة بأن نأخذ مواقف تبين أننا «رجالة»؟ كنت أفكر فى هذا السؤال وأنا أستمع لأحد عمال الصوت بالتليفزيون المصرى، وهو يشرح لى كيف أن إعطاء إسرائيل مهلة زمنية محددة لقبول المبادرة العربية للسلام ــ وإلا أعاد العرب النظر فى الموضوع برمته ــ هو الإنجار الرئيسى للقمة العربية بالدوحة. سألته ما الذى «أنجزته» القمة بذلك؟، فقال لى «لا شىء، ولكن على الأقل وقفنا موقف رجالة».

قبلها بشهر قالت لى إحدى قيادات الرأى العام: إن الفصائل الفلسطينية التى رفضت تمديد وقف إطلاق النار مع إسرائيل فى ديسمبر أحسنت صنعا. سألتها كيف، إن كانت النتيجة هى قيام إسرائيل بقصف قطاع غزة بهذه الوحشية وقتل المئات من الفلسطينيين؟، ردت بأن إسرائيل ستقتل الفلسطينيين فى أى حال، «وعلى الأقل يكونوا وقفوا وقفة رجالة وأوضحوا للعالم من هو المعتدى». هذا الحرص على رجولة الموقف يفسر التأييد الشعبى الجارف الذى حصل عليه رئيس الوزراء التركى أردوغان عندما انسحب غاضبا من الندوة التى جمعته والرئيس الإسرائيلى احتجاجا على عدم إعطائه الفرصة للرد على ما قاله بيريز فى مداخلته.

كيف حدث هذا؟ كيف محونا الفارق الضخم بين الموقف وبين الفعل؟ بأى معجزة نفسية استطعنا أن نَقنَع بالموقف ونرى فيه إنجازا ولا نسأل حتى عن الفعل الذى سيعقب اتخاذ هذا الموقف؟ كيف نرى فى موقف أردوغان بطولة ونتغاضى عن أنه رئيس وزراء دولة لا مواطن؟ أى أن لديه القدرة على تحريك جيوش واتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض تغير من واقع الأمور. كيف نقنع من شخص مثله بأن ينسحب من ندوة؟ وما الفارق بين أردوغان وبينى إذا؟ أنا أيضا أستطيع أن أنسحب من ندوة، وأن أغضب وأهاجم ــ لفظيا ــ رئيس إسرائيل. لكن ألا يفترض أن يكون رئيس وزراء تركيا قادرا على تحريك عناصر القوة التى لا أمتلكها أنا؟ تركيا، عضو حلف الأطلنطى، التى تفتح سماواتها للطيارين الإسرائيليين ليتدربوا فيها، وتتعاون عسكريا واستراتيجيا وأمنيا مع إسرائيل، تأكل عقولنا بانسحاب من ندوة وتصريحين ناريين لدرجة أن يتظاهر الفلسطينيون الضحايا فى قطاع غزة مساندة لأردوغان؟ هل يعقل هذا؟.

التفسير الوحيد الذى لدىّ هو أن اليأس قد تمكن منا. اليأس من إنجاز أى شىء؛ من تحرير الأرض أو استعادة الكرامة أو التقدم أو التنمية. اليأس من تغيير الواقع لا يترك لنا سوى «المواقف». واليأس عملية نفسية مركبة، تتضمن إنكار الواقع عندما يكون هذا الواقع مؤلما بأكثر مما يمكن للمرء احتماله. الفعل يتطلب التعامل مع الواقع، أما المواقف «الرجولية» فلا تشترط ذلك. إذا انتصر عليك عدوك، فما عليك إلا أن «ترفض الهزيمة». وإذا أقام عدوك دولة متقدمة على أرضك، أصبحت قلعة عسكرية تطور أسلحة وتبيعها للصين والهند وتركيا وروسيا، وأصبحت واحدة من أكبر قواعد التكنولوجيا فى العالم، فما عليك إلا أن «ترفض الاعتراف بها». ثم ماذا؟ لا شىء، لكن على الأقل تكون وقفت موقف رجالة.

ليسامحنى القارئ، ولكن فى مصر التى أريدها ـ تلك التى ستأتى بعد أن نصل لآخر الخط ـ لن يهتم المواطن بالمواقف الرجولية، وإنما بالأفعال الرجولية. حينما يقف أحدنا ويتخذ وقفا حنجريا سيشير له المواطن بأن «ينجز» وأن يشرح له ماذا ينوى أن «يفعل» بالضبط لتحقيق ما يقوله. لن يسأل المواطن الحكومة عن «موقفها» إزاء قضية ما وإنما عما تنوى أن تفعله إزاء هذه القضية وعن النتائج المترتبة على أفعالها ومدى جدواها وكيف تؤدى هذه الأفعال لتحقيق الهدف الذى نريده. لن يبتهج المواطن عندما تقول القمة العربية إنها لن تبقى المبادرة العربية للسلام طويلا، وإنما سيسأل القادة العرب عما ينوون فعله إذا سحبوها، وما ينوون فعله إن لم يسحبوها. لن يصفق لأردوغان حين ينسحب من ندوة، بل سيقول له: «لأ راجل، والآن أرنى ماذا ستفعل!».

التعليقات