حاوى - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 8:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاوى

نشر فى : الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 10:27 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 12:51 م

 أكتب لأن السعادة تغمرنى لفوز فيلم «حاوى» للمخرج إبراهيم البطوط بجائزة أفضل فيلم فى مهرجان «الدوحة السينمائى» يوم السبت الماضى. أسباب سعادتى الغامرة كثيرة بعضها ذاتى والآخر موضوعى.

ألخص سعادتى بفوز فيلم الحاوى بالجائزة فى الآتى:

أولا: لأننى أعجبت جدا بالفيلم، فقد أعطانى دفقة دافئة من المشاعر، وسيلا لا ينقطع من الأسئلة، وحالة وجدانية شديدة الخصوصية. كما أعجبت كثيرا بأغنية حاوى، التى يقول مطلعها: «بقيت حاوى.. بقيت غاوى فى عز الجرح أنا ما ببكيش.. بقيت عارف أطّلع من ضلوع الفقر لقمة عيش.. بقيت قادر أدارى الدمعة جوايا مابيّنهاش.. بقيت راضٍ أنام رجليا مقلوبة كما الخفاش».

ثانيا: لأنه كان الفيلم المصرى الوحيد فى المسابقة، ولا أعرف فى الواقع إذا كانت الشوفينية تهمة. ولكننى يجب على الأقل أن أعترف بها.

ثالثا: وهو سبب شخصى جدا ولكنه حقيقى جدا أيضا، فمخرج الفيلم هو صديقى منذ سنوات الطفولة. فقد كنا فى نفس الفصل الدراسى فى المرحلة الابتدائية والإعدادية، وهى صداقة أعتز بها.

ورابعا: نجاح «حاوى» وحصوله على جائزة أفضل فيلم فى أول مهرجان سينمائى يدخل امتحانه هو فى الواقع نجاح لمشروع إنتاج وإخراج سينما مصرية بديلة. هذه السينما البديلة للإنتاج السينمائى التجارى شديد الرداءة، الذى تنتجه السينما المصرية (عدا استثناءات تعد على أصابع اليد الواحدة) كنت أتحرق شوقا لرؤيتها تنهض. فالتطور التقنى فى المجال السينمائى ورخص أسعار معدات التصوير ومعدات مراحل ما بعد الإنتاج من ناحية وسطوة القبح والغباء على صناعة السينما من ناحية ثانية كان يجب أن يدفع السينمائيين الشباب إلى صناعة أفلامهم بمناهج وطرق جديدة. الأمر المحزن أن هذه الحركة السينمائية بطيئة جدا مقارنة بدول أخرى ولكن نجاح «حاوى» اليوم يمكن أن يشكل دفقة صغيرة فى نهر تشجيع السينما البديلة.

خامسا: إن كل العاملين فى الفيلم أمام الكاميرا وخلف الكاميرا هم من الممثلين والفنيين والفنانين غير المعروفين فى الساحة السينمائية التجارية، عدا الممثلة «حنان يوسف»، التى قامت بأدوار شهيرة أهمها دوريها فى فيلمى «خيرى بشارة» الطوق والأسورة ويوم مر ويوم حلو. وهذا أمر يدعو للتفاؤل. فنحن دائما ما نواجه بالتساؤل الكلاسيكى: من يمكن أن يلعب هذا الدور عدا فلان وفلان؟ لا توجد بدائل على الساحة. فالخواء يحيطنا من كل جانب. وهذا ينسحب على جميع المستويات السياسية والفنية والاقتصادية. والرد فى هذا الفيلم حاسم. نعم هناك مواهب وكفاءات وقامات، ما يجب فعله هو البحث وسوف نجد أن هذا البلد يثمر من أرضه الطيبة ثمرات ذوات رائحة تميزها عن كل ثمرات العالم.

سادسا: أننى معجب بالفكرة المجنونة أن إبراهيم البطوط وهو مؤلف ومخرج ومنتج هذا الفيلم قرر أن يكون كل العاملين فى هذا الفيلم من مدينة الإسكندرية عداه لأنه من بورسعيد. فالإسكندرية هى المكان الذى تجرى فيه أحداث الفيلم. فلِمَ لا يكون أبطاله وفنيوه من هذه المدينة. والحق يقال إن الفكرة ليست مجنونة تماما، ولكنها جزء من مشروع إبراهيم البطوط والذى عبر عنه فى هذه الجملة:

«هناك الكثير من الأمور المشتركة بين طبيعة صناعة هذا الفيلم، وطبيعة الفيلم نفسه. فهو يريد صناعة علاقة بين واقع من يعمل فى الفيلم بموضوع الفيلم».

سابعا وأخيرا: إننى شعرت أخيرا بحالة طمأنينة أن الصدق يمكنه أن ينتصر أحيانا فى غابة الأكاذيب، التى نعيش داخلها. فأنا أعرف أن الصدق الكامل والرغبة الحقيقية من الجميع لتقديم فن كان وراء صناعة هذا الفيلم، الذى تكلف لا شىء. فكل من عمل فى الفيلم لم يتقاض أجرا. وأماكن التصوير كذلك. والكاميرا ملك للمخرج. والمونتاج هدية. فقد مللت من انتصار الأكاذيب والرياء ويا للفرحة أن ينتصر الصدق أخيرا.

خالد الخميسي  كاتب مصري