التمييز.. صراحة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمييز.. صراحة

نشر فى : الثلاثاء 2 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 أبريل 2013 - 8:00 ص

إن حجم التغيير فى التشريعات المصرية فيما لم يكن محل خلاف قد جاوز المدى، وتحول إلى أحد أسباب الصراع فى مصر، لأنه من المفهوم أن تحدث تغييرات كبرى فى اتجاهات تعيد إلى مصر وجه الحضارة وتذكرنا بقوة ورصانة المنظومة التشريعية المصرية، وتؤكد ما يطلق عليه العالم أجمع العدالة، وإحدى هذه القواعد، وقد تكون الأشهر، هى مكافحة التمييز، سواء على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو غير ذلك، وهى قاعدة موجودة بالفعل أمام قانون الانتخابات المنظور أمام مجلس الشورى، ولأننا نعلم جميعا أن التمييز باستخدام الشعارات الدينية هو إحدى الممارسات الشهيرة فى بلادنا منذ عقود فقد كان طبيعيا أن نجد حظر استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية مستقرا فى القانون المصرى منذ أمد.. أما أن ينزع هذا النص من القانون الجديد، فإن المعنى بمفهموم المخالفة هو أن المشرع يجيز استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية، ولا ينال من هذه الإجازة باستخدام الشعارات الدينية، النص فقط على عدم التمييز، فأيضا من غير المتصور أن يكون العالم أجمع متجها فى صياغة التشريع إلى التفصيل والتدقيق فى كل ما يصل إليه بصره وما يدركه عقله ونحن ننطلق فى الاتجاه المعاكس فبدلا من رصد هذه الكارثة نغض الطرف عنها وفى حين يكون لدينا النص على حظرها نمحوه كدعوة صريحة لارتكابها ولا ندرك أننا نسير عكس اتجاه العالم ونشرع شريعة الغاب، ولن يكون لنا حق أن نرفع صوتنا فى أى مكان فى العالم لنتهم غيرنا بالتمييز ضدنا كعرب أو كمسلمين ولن يكون مقبولا فى أى محفل دولى ان يترشح مصرى لأى موقع أو منصب، وسوف تتصدر مصر صفحات التهكم والنقد بل سيكون هذا الرجوع للخلف درسا من الدروس التى تقدمها الدول لأبنائها ليعرفوا كيف تتخلف الشعوب وكيف تسعى بسوء ادارتها إلى التقسيم والصراع وكيف تنتهى الحضارات حتى وإن كانت الأقدم فى التاريخ.

 

لا أعرف الدوافع الحقيقية وراء محاولات إلغاء هذا النص، وأنا غير مهتم أصلا بأثر ذلك على العملية الانتخابية، فكلها أمور إجرائية تذهب فى النهاية لاختيار بعض الشخصيات والأسماء لممارسة الرقابة والتشريع لبعض الوقت، لكن الإعلان صراحة عن التمييز داخل المنظومة القانونية، هو المشكلة الأهم والتى تعكس أفكار من يحكم، وهى أفكار ليس بالضرورة تتوقف عند قانون الانتخابات، وإنما من الممكن أن تذهب أبعد من ذلك، وفى قضايا تؤثر على وحدة الأمة، خصوصا أن السماح باستخدام مثل هذه الشعارات سيكون بمثابة الإعلان الصريح للصراع على الهوية، والذى هو ــ بلا شك ــ خطر محيق يزيد حالة الاستقطاب احتقانا، والأخطر أن المشكلة ليست كما يتصور البعض فى اختلاف ديانة قسم من الجماهير، ولكن من أبناء الديانة الواحدة، أولا بين التيارات الدينية والتيارات المدنية، ثم خلافات داخل ذات التيار، فالأكيد كما شاهدنا وتابعنا خلال الفترة الماضية، أن حجم الخلاف عميق فى فهم كل فريق للدين، ومفهوم تطبيقهم للشريعة، ومن هنا نتصور أن تكون الشعارات عاكسة لهذه الخلافات، والتى وصلت إلى داخل الفريق الواحد، ولا يلتفت البعض إلى أن كل هذه الخلافات هى من نتاجات بشرية، وسيبقى أمر حسمها صعبا للغاية، لذا كان من الأفق كما كان ينص القانون من البداية، على حظر استخدام هذه الشعارات، خصوصا أن الدستور ينص صراحة على عدم التمييز.

 

قد يرى البعض أن هذه أمور بسيطة، ولا تستحق النقاش والجدال على أساس أنه فى لحظة الانتخابات كل يعبر عن نفسه صراحة وبالطريقة التى يختارها، بما فيها الشعارات الدينية، وأن التجارب خلال العامين الماضيين أثبتت ذلك بجلاء، وأن أحدا لم يستطع منع أحد من استخدام الشعارات الدينية فى الدعاية الانتخابية، بما فيها الانتخابات الرئاسية، نعم كل هذا صحيح، لكن التشريع والمنظومة القانونية كانا بعيدين تماما عن ذلك، وأن حدوث خروج مؤقت عن قاعدة قانونية فهى أمور ممكن أن تمر، لكن أن نعلن عدم التمييز صراحة فتلك مصيبة، وبداية طريق لا يمكن ان يصل أبدا إلى شواطئ آمنة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات