سياسة الأحضان الدافئة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياسة الأحضان الدافئة

نشر فى : الإثنين 2 مارس 2009 - 1:46 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مارس 2009 - 1:46 م

 الآن الصورة أصبحت واضحة جلية وشفافة وكاشفة للمشهد العام فى العلاقات المصرية ــ الأمريكية.. اليوم السيد جمال مبارك «أمين السياسات فى الحزب الوطنى» فى واشنطن لتدشين مرحلة جديدة فى هذه العلاقات الخاصة التى تعانى منذ سنوات «خمس سنوات تقريبا» من توتر ليس بخافٍ على أحد.. وهى خطوة واضحة فى اتجاه البحث عن حضن دافئ يحل الكثير من المشكلات الداخلية والخارجية. وبعيدا عن السؤال التقليدى والممل: لماذا جمال مبارك؟، وهو لا يشغل أى منصب رسمى فى الحكومة، ويتقلد فقط منصبا مهما داخل حزبه، علينا أن نسأل عن مستقبل هذه العلاقة الخاصة والممتدة منذ 35 عاما «منذ زيارة الرئيس نيكسون للقاهرة عام 1974»، إذ إننا بصدد قضية تخص مستقبل الدولة المصرية، لا شأن من شئون الحزب الوطنى الحاكم.

الواضح من الصورة هذه المرة أن الأمور تسير عبر منهج جديد ومختلف عما كان يحدث من قبل، فوفقا لمعلومات دقيقة فهذه الرحلة جاءت بعد دراسة مستفيضة لانطباعات النخبة الأمريكية «حوالى 500 من صناع القرار، وأشهر الباحثين السياسيين» حول الإيجابى والسلبى فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وكذلك نقاط الاتفاق والاختلاف بين الإدارتين، كنقطة للانطلاق من جديد بعد فترة حكم الرئيس بوش الذى أقل ما يوصف به أنه رئيس خال من المضمون، وبالتالى كانت العلاقة كذلك.. فقط توترات أمسك بها الطرفان، المصرى والأمريكى وأصرا على المناطحة حتى آخر دقيقة فى حكم بوش «منح إسرائيل ضمانات خاصة» على حساب دول المنطقة.

والمبشر، أن الملف تتابعه جهات عديدة داخل الدولة المصرية، فإلى جانب الرئيس «والسياسة الخارجية من مهامه الأصيلة» يظهر فى الصورة مجلس الوزراء، حيث يقوم د. نظيف بإدارة الملف عبر هذا المنهج، الذى يستند إلى مفاهيم علمية، بعيدا عن العشوائية المعتادة، ويستند إلى ترتيبات خاصة داخل مناطق نفوذ الحكم الأمريكى، وطبعا تتابع الخارجية الأمر باعتبارها الوزارة المسئولة داخل الحكومة عن هذا الملف، وكل ذلك يبدو أن هناك من فكر فى ضرورة فك الارتباط بين السياسة التى لا تفهم سوى فى المصالح، وبين سياسة الأحضان الدافئة التى لا تفعل شيئا سوى منح شعور بالأمان لـ«المحضون»، إن جاز التعبير.

وإذا استمرت الدولة فى هذا الاتجاه فعليها أن تكمل المشوار وأن تحدد علاقاتها مع الولايات المتحدة وفقا للمصالح الوطنية المصرية. وبالتالى، يجب ترشيد هذه العلاقة فى إطار المصالح الثلاث الرئيسية: المصالح الاستراتيجية، وهى تتعلق بدور ومكانة مصر على المستويين؛ الإقليمى والدولى، ثم المصالح الاقتصادية، وهى عديدة ومفيدة، وللحق استفادت منها مصر كثيرا، ويجب دعمها أكثر، ثم المصالح العسكرية التى تسير بخطى ثابتة ومستقرة منذ سنوات طويلة.

وأعتقد أن إدارة الرئيس أوباما مهيأة تماما لاستقبال الإشارات والرغبات المصرية فى إصلاح العلاقة، فهى على ما تبدو «حتى الآن» إدارة نفعية تبحث عن المصالح الأمريكية، إلى جانب أنها تشتمل على مكون أخلاقى يدعمه السيد أوباما شخصيا.. لذا نقول: إنه من الممكن أن تكون العدالة واردة عند هذه الإدارة، وبالتالى يمكن إقامة علاقات نفعية لا تهين الطرف المصرى أو تستخدمه أو تسحقه، مثلما فعلت إدارة بوش التى كانت تتحكم فيها الأيديولوجيا سواء فى البيت الأبيض، أو فى مكتب ديك تشينى، أو فى مجلس الأمن القومى، وحتى فى وزارة الخارجية وإن كانت أقلهم فى إعمال الأيديولوجيا..

إلى جانب أن هذه الإدارة لم تتفاعل مع عملية السلام، بل لم تكن موجودة غالبية الوقت، وإن وجدت كانت تقدم الردىء لها، مثل موقفها غير العقلانى من «حماس»، وهو الموقف الذى أضر بجميع الأطراف بما فيها الحليفة إسرائيل، ويكفى أن نقول: إن هناك أشخاصا كانوا داخل إدارة الرئيس بوش يعملون صراحة على تفكيك العلاقة الخاصة مع مصر، باعتبار أن دعم أى طرف عربى هو خصم من رصيد إسرائيل لدى أمريكا، ولأن الأيديولوجيا هى التى كانت تحكم، فهناك من كانوا يبحثون عن مصلحة إسرائيل أكثر مما يبحثون عن مصلحة أمريكا، على سبيل المثال لا الحصر ،إليوت برامز، عضو مجلس الأمن القومى، الذى تعيش نصف عائلته فى إسرائيل.

يبقى فى هذه العلاقات قصة ربط المساعدات الاقتصادية بالتطور الديمقراطى فى مصر، أعتقد أن هذه المطالبة ستستمر، ولكن بشكل أكثر تهذيبا وأدبا مما كان يحدث، فهناك قوة دفع ذاتى داخل أمريكا تبحث عن ذلك، ولكن ليس على طريقة بوش الذى كان يعتبر ترويج الديمقراطية هدفا أساسيا من السياسة الخارجية الأمريكية. وهو كلام صعب التعامل معه، لأنه يحوى مضامين تدخل فى شئون دول أخرى، إلى جانب صعوبة تفهم أن تكون تلك سياسة خارجية لدولة كبرى، مثل الولايات المتحدة.

العلاقة مع أمريكا، علاقة واسعة وعميقة فى جميع المجالات ومن الصعب تجاهلها، أو حتى اختزالها فى توترات صغيرة أو شخصية، ومن الصعب أيضا التفكير فى هذه العلاقة باعتبارها علاقة أمان واطمئنان ورعاية. فهذه علاقة سياسية مجردة من المشاعر تبحث عن المصالح.. لا علاقة عاطفية مجردة من المصالح تبحث عن المشاعر فى الأحضان الدافئة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات