هدنة من 2011 - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 6:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هدنة من 2011

نشر فى : الثلاثاء 1 نوفمبر 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 نوفمبر 2011 - 8:45 ص

لا أعتقد أننى قد قابلت عاما يشبه 2011 بأى حال من الأحوال، لا أعتقد أنك أيضا قد قابلت مثله من قبل ولا أن ذلك البلد قد طرق على بابها مثل هذا العام، ليست الأحداث الجسام بغريبة على مصر وشعبها، هذه حقيقة علمتها لنا كتب التاريخ وأفلام نادية الجندى ومن قبلها محمود ياسين. وكنت وأبناء جيلى دائما ما نتحسر على سوء حظنا الذى جعلنا نولد فى الحقبة المباركية التى افتقرت حياتنا خلالها لأى حدث مهم، لا مشروع قومى ولا هدف قومى ولا خطر قومى مر علينا طوال سنوات شبابنا الذى كاد ينقضى ونحن نصرخ: لقد هرمنا، هرمنا فى انتظار أى حاجة مهمة توحد ربنا تحصل فى البلد دى، لكن يبدو أن الله قد استمع إلى دعائنا وعوضنا عن حياتنا المملة الروتينية كلها بـ2011 وحدها، ويا له من عوض... لو حاولت تفتكر معايا تفاصيل السنة دى من أول ليلة فيها وحتى الآن لبصمت بالعشرة أنها مش سنة 12 شهر دى 10 ـ 12 سنة بالقليل، بل يتضاعف أثر أحداث 2011 عشرات المرات مع وجود كل وسائل التكنولوجيا الموجودة حاليا.

 

فى حرب 48 مثلا ما وصلهومش فيديوهات للأسلحة الفاسدة وهى بتضرب فى وش الجنود المصريين، وفى 67 ماسمعوش تسجيلات لضحكات الطيارين الإسرائيليين وهم بيطاردوا جنودنا فى الصحرا ولا أصوات الرصاص وهى بتحصد أرواحهم، فى 73 ماحدش عمل للشهدا واحد واحد صفحة على الإنترنت ولا نشر صورهم بعد ما اتقتلوا واتشوهت جثثهم. وسائل التكنولوجيا والعالم اللى أصبح قرية صغيرة النهاردة مش بس أشياء مفيدة بتخليك تحس بالآخرين لكن كمان أشياء مرهقة للنفوس والعقول.

 

كل واحد ماشى وجوه دماغه آلاف الصور لدموع ودماء، جوه ودانه بترن طلقات رصاص وآهات وصرخات، قلبه بينخلع مع كل صورة جديدة، ودمه بيفور مع كل فيديو جديد، شايل هموم العالم فى كف إيده، بيشعر بالأمل ويفقده فى اليوم الواحد عشرات المرات، فوق أعصابه ضغط آلاف الأطنان من آلام الآخرين اللى أضيفت لهمومه الشخصية فأصبح أمامه حل من اثنين: يا إما يستمر فى متابعة كل الأخبار والمآسى والحوادث اللى بتحصل حواليه كل يوم، يا إما يحاول يهرب منها ولو لفترة قصيرة عشان ما ينفجرش.

 

عشان كده أنا متفهمة لاختيار الناس اللى دخلوا فيلم «شارع الهرم»، متفهمة للناس اللى كانوا مستنيين شريط «عمرو» الجديد، متفهمة للناس اللى انجرحت قوى من خسارة الزمالك للكاس، متفهمة حتى للناس اللى نسيوا مواقف «تمورة» وتابعوه وهو «ثائر» فى مسلسله الجديد. وباضغط على أعصابى بكل ما فيه من قوة عشان أتفهم الناس اللى بيتصلوا يتناقشوا سياسيا مع الكابتن «مدحت شلبى» بل والكابتن «ممدوح فرج» كمان، متفهمة وباطلب من الجميع يتفهم، ويحاول يبعد شوية عن حقل الأحداث الملغم اللى بيلهب مشاعرنا ويتعب أعصابنا وأحيانا بيشوش على تفكيرنا وحكمنا على الأمور.

 

خد يوم إجازة من 2011، إبعد عن الكمبيوتر، إقلب قنوات السياسة والتوك شو، ما تقراش جرايد وما تفتحش الفيس بوك من موبايلك وإوعى إوعى تناقش سواق تاكسى عن أحوال البلد، كلنا محتاجين هدنة من 2011 ولو ليوم، عارفة إنه صعب ومتأكدة إن كل واحد فينا حاسس بالمسئولية وكأنه لو غفل لحظة البلد هتضيع، لكن بص لخناقاتنا فى العالم الافتراضى وبص لوشوشنا فى العالم الحقيقى هتعرف إننا محتاجين نفتح للدنيا دراعاتنا، نشم نفسنا ويدخل صدورنا هوا نضيف، محتاجين نريح تروس عقولنا ليوم على الأقل عشان تستعد لجولة جديدة فى يوم جديد، محتاجين نبعد لحظة واحدة عن الصورة عشان نشوفها فى ضوء جديد، محتاجين نختلى بنفسنا ونحاول نوقف جولات غسيل المخ اللى بتستهدفنا كل دقيقة من كل يوم، عشان قراراتنا تبقى مبنية على أسس صحيحة بعيدة عن الشحن والمشاعر الملتهبة وادعاءات التخوين.

 

خد إجازة قصيرة من 2011 وما تقلقش مش هيفوتك كتير، اللى هيفوتك هنحفظهولك لحد ما ترجع، ولما هترجع هتلاقى أحداث جديدة هتشغلك عن القديم، فى النهاية دى 2011 اللى مالهاش زى ولا باينلها آخر، قرن كامل متخفى فى صورة 365 يوم.

التعليقات