الكتابة الخاطئة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكتابة الخاطئة

نشر فى : الخميس 1 مايو 2014 - 6:40 ص | آخر تحديث : الخميس 1 مايو 2014 - 6:40 ص

كنا نعتقد، أنه مع تطور وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومع تعدد وسائط الإعلام، أن الحقيقة ستكون هى السلعة الوحيدة القابلة للتداول، حيث سيكون من الصعب إخفاؤها أو توريتها، كما أن اتساع مجالات النشر والبث (مرئى ومسموع) سيمنع الأكاذيب وسيخفيها من مشهدنا المعاصر، وأن الشائعات ستصبح ذكرىات من زمن فات، وأن كل ما نحتاجه من معلومات سيكون أمامنا بسرعة مذهلة وبكميات وفيرة والأهم أنه سيكون مغلفا بالدقة والصرامة المعلوماتية، وإذا أضفنا إلى ذلك، إمكانية أن يقوم كل مواطن بنشر أخبار وبتصحيح أخبار أخرى خاطئة، باعتباره هو صانعها، أو على الأقل شاهدها (ما يسمى بصحافة المواطن) زادت أحلامنا أكثر وأكثر، وصارت أجندة الإعلام ليست ملكا للإعلاميين وحدهم وصار المواطن هو الصانع الأول لهذه الأجندة، حتى إن أحد كبار المهمومين بتطور تكنولوجيا المعلومات، قال إن وجودها يعنى «قفزة من عالم بائس إلى عالم جديد لا يبالى بالمخاطر».

ربما يكون ذلك صحيحا بشكل أو بآخر، فى مجتمعات ليس من بينها مجتمعنا أو فى مناطق أخرى ليس من بينها منطقتنا، ومن المحزن أن نقول إن العكس هو الذى حدث، ولم تتقدم الحقائق إلى مقدمة صفوف المعلومات، بل تراجعت واندثرت واختفت، وباتت الأكاذيب تنازع الشائعات على القمة، وأخذت الأمور تنظم لفوضى هائلة، دفعتنا لعدم تصديق أى شىء عن كل شىء، خاصة أننا وصلنا للعبث بالصور التى كنا نعتبرها الحقائق المجردة، وأن الواحدة منها (أى الصورة) بآلاف الكلمات كما كان يقول أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين، حتى اقتنع الرأى العام، أن المعلومات هى سلاح الأنطمة، أو سلاح القوى التى تريد هدم الأنطمة وتحتل مكانها، وأنه لم يعد هناك شىء لله، وكله محسوب ومخطط، وبالطبع شرير، ودخلنا مرحلة أن كل فريق لا يصدق إلا نفسه، وكل حقيقة نرفضها هى كذبة، وكل معلومة نعترض عليها هى مناورة، وكل صورة لا تعجبنا هى بالتأكيد (فوتو شوب)، أما الحقيقة، فأصبحت حقائق، كل فريق يؤمن بحقيقة ويعتقد بها، وكل من يخالف حقيقته، هو كافر والعياذ بالله.

نعم نحن قفزنا من عالم بائس، إلى عالم جديد لا يبالى بالمخاطر، لكنه عالم أكثر بؤسا، على الأقل فيما يتعلق بالحقائق، فقبل التطور الهائل فى مجال تكنولوجيا المعلومات كانت الحقائق تختفى، وكانت الأكاذيب تتصدر المشهد، لكننا كنا نعرف أن الحقائق غائبة، وأن ما تروجه وسائل الإعلام محض افتراء وأكاذيب، الآن، دخلنا فى تيه معلوماتى كبير، ينتج آراء مبنية على أكاذيب، فحوصرنا بكتابات خاطئة، قاتلة أحيانا، تقتل مثل الرصاص والقنابل، ولا أحد يريد أن يصدق ذلك، رغم أن الحقيقة الواضحة الوحيدة التى لا تحتاج إلى أدلة ومعلومات، هى القتل، والحقيقة أيضا، أن الكتابة صارت قاتلة، والصورة أصبحت محرضة، والضحايا: هم الذين وعدناهم بحياة أفضل، فهل يستيقظ كل من ساهم فى ذلك ولو بحرف أو بصورة، وهل يفيق صانع القرار من غفلته ويواجه هذه التحديات القاتلة، وهل يمكن، كحد أدنى، أن نفهم ماذا نصنع بأنفسنا أيا كان موقفنا، وقبل كل ذلك: لماذا نذبح ثورتنا بسكين الحروف المقدسة وبحكم الحكماء وبأحكام القضاء وبهمجية شعبية لا تليق بنا ولا بتاريخنا، لماذا نلهو بمستقبلنا ونستغيث فى ذات الوقت، هل حقا ممكن أن نكون قد أصيبنا بهيستيريا جماعية.. هيستريا يقودها الإعلام ووقودها الناس والأكاذيب والشائعات وطغيان الباطل؟.. ربما.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات