محمد المعزوز في روايته «بأي ذنب رحلت» ينقد النخبة الراكدة والخانعة - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:58 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد المعزوز في روايته «بأي ذنب رحلت» ينقد النخبة الراكدة والخانعة

عبدالله محمد
نشر في: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:40 م | آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:40 م

فلسفة خاصة يشهدها العمل الثاني للكاتب محمد المعزوز، والتي تنافس على القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وهذا أحد أوجه التميز للكاتب الحاصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا السياسية ودكتوراه في علم الجمال، وتقديمه لهذا العمل الذي جاء إلينا بعد عشر سنوات لينافس أقلاماً أدبية.

وتطل علينا رواية «بأي ذنب رحلت» الصادرة عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء لعام 2018، من خلال عدسات وزوايا مختلفة، لأن حال الصوت الذي يغلفها يأخذنا بسرديته إلى السياسة والفن، والموسيقى، والرسم، ويغوص في التقلبات والمتغيرات الاجتماعية الخاصة بالمجتمع المغربي، وخمول التاريخ المتمثل في الإنسان ابن الأرض وهم أهل النخب في مختلف الميادين والمجالات.

في مستهل مقدمة الرواية نقرأ تعبيرا أشبه بما يقوم به الكاتب فيقول على لسان الراوي: "رفع يده باحثا عن أصابعه، ليدق أبواب اللغز ومنغلقات اللحظة." وهذا هو ما سيكشف لنا في هذا العمل الأدبي عن منغلقات التحول من الإيمان بالمبادئ لذبولها والوصول لحالة الركود.

عقب انتهاء مشاهدة فيلم تسجيلي لأيقونة التحرير في أمريكا اللاتينية جيفارا، يستعرض رؤوف وهو السياسي الذي يظهر لنا مدى انتهازيته وحبه للظهور على الساحة يخبرنا الراوي: "أخذ رؤوف الكلمة وسط حضور من أطر الحزب وشبابه، ليشرح السياق الذي جاء فيه عرض الفيلم. تحدث بإسهاب وباندفاع عن أوضاع اليسار في العالم والمغرب، لكنه سرعان ما انقلب حديثه إلى موضوع آخر، يتفلسف فيه عن معاني مشاركة حزبه في الحكومة أو كل الحكومات، منبها إلى خطورة ترك الكراسي فارغة. تحدث عن دلالة التحالفات وقيمتها في صناعة الفرق السياسية، لكنه أقسم بأغلظ الإيمان والبصاق يتطاير من فمه، ألا يكون تحالف حزبه إلا مع قوى اليسار والديمقراطية." و"رفع أحد الشباب يده ليسأله، ولكن رؤوفاً لم يعبأ به".

محمد المعزوز يقاوم من خلال الرواية عدة أمور مهمة، لعل أهم ما يميزها عن غيرها البعد السياسي في شخصية الكاتب، هذا العمل الذي يخبرنا عن النخبة، التي آلت إلى الركود والخنوع، مقارنة مع جيل الستينات والسبعينات، الأكثر فكراً والأكثر تحررا وكذلك الأكثر نشاطاً، فيلجأ المعزوز إلى الرواية ليعبر عن تجربته، وهي بالطبع جزء من تحولات البلد "المغرب" التي أثرت فيه وبالفعل يقدمها لنا في ثنايا هذا العمل بسرد فلسفي أقرب إلى السردية الشاعرية وربما تدخل في وفق التجريب.

مواكبة التحولات الاجتماعية والانسانية والثقافية والسياسية، ورصدها عبر مسار زمني، ورصده يكون عبر جملة سردية أتت لنا بأي ذنب رحلت، تتناول قصة الفنانة وعازفة البيانو «راحيل» والأبنة التي كبرت بعدما تركتها الأم راشيل وهي الفنانة التشكيلة التي تتزوج من فيلسوف لاحقا تفر منه هرباً.

الأم بعدما لم تجد جدوى من الحياة بهذا الفن فقررت الرحيل بشكل مفجع كان مآله الانتحار، وثنائية التضاد بين الأمل وعكسه الذي تواجهه الأبنة، «راحيل» الفنانة التي تقرر ترك العزف بعد أن وجدت أنه لا مناص من ذلك، وبين هذه الثنائية تمثل قصة راحيل بتلك الغرابة والمعانة فيطرح لنا المعزوز حالة شاعرية لسردية ممتدة بحالة من الانهزام وطغيان الشعور والخيبة ولعل تقارب القصة بين راشيل الأم وراحيل الابنة يمثل نموذجا إنساني يمتد إلى المعاناة التي تلاحق الجيل الحالي للمغرب.

مع كل هذا ينبض الأمل لدى راحيل فتعاود العزف وتقرر أن تحيي الأمل بداخلها من خلال العزف والغناء لمقاومة الركود والسوداوية بمعانيها المتراكمة بداخل السردية التي يقصها علينا المعزوز عبر ثنايا الحكاية، فهي تجد في سارتر وسيمون دي بوفوار ملاذا حين تعيش في تدبر الفلسفة والفن.

وربما قراءة القليل من الفلسفة تفهمنا الرواية، حيث يلجأ المعزوز إلى صور فلسفية متأثرة بالفيلسوف مارتن هايدجر الذي قال: "إني أميز بين الفلسفة، أي الميتافيزيقا وبين التفكير كما أفهمه. هذا التفكير هو أسهل بكثير من الفلسفة ولهذا هو أصعب بكثير عند الإنجاز وهو يتطلب عناية جديدة باللغة وليس ابتكار مصطلحات جديدة كما كنت أعتقد سابقا بل بالعودة الى المضمون الأصلي للغتنا".

وفي شرق المملكة على الحدود المغربية الجزائرية، يعود بنا المعزوز خلال مدينة وجدة التي تمثل في مخيلة خالد زوج راحيل "طليقها" نستولوجيا الماضي الذي يبحث فيها عن لحظات الصبا والنضال وشعلة الحماسة والنشاط الذي عايشه في فترة الستينيات التي كان مخلصاً فيها للمبادئ والأفكار فهذه الأفكار التي كان يؤمن بها كانت سبباً في ترك الزوجة والحبيبة.

وهكذا نرى من خلال «عبد الله» زوج راشيل الذي يعيش نفس الحنين لأحضان القرية وحالة المعاناة التي لم تنفك عن باله، فيشرح لنا الراوي حالته: "خيل إليه أن لا شيء يتكرر غير الغياب. هو البداية والنهاية دائماً، هو الأصل في الوجود وليس في الحضور، لأن الحضور مغالطة تغطي بؤبؤ العين حتى لا ترى."

وعن حالة التيه يروى: "قضى الليل والنهار يفتش عنهما في كل مكان، في كل المواقع والمعابر التي يشتبه في أن تكونا فيها هناك. أخبرته شرطة المطار بأنهما لم يغادرا المدينة. فذهب به خياله إلى أنهما قد عبرتا الحدود مع الجزائر عبر محطة "زوج أبغال" في اتجاه وهران أو تلمسان".

فقدان الزوجة «راشيل» التي كانت مصدراً للنشاط والدأب في العمل السياسي والفكري، فعبدالله الفيلسوف يعاني من تخبط مشاعره بين المعاناة والغربة عن الناس والمجتمع يشعر كأنه ينفتح فجاه على العالم فيجد هذا الجفاء والإهمال فهو لم يعد يشعر بأي ألفة تجمعه مع المجتمع.

يقاوم الكاتب من خلال الفلسفة وعلم الجمال ما آل إليه المجتمع من خلل وعزلة وفقدان القيم الإنسانية التي يتسم بها أي انسان، فالباحث والكاتب محمد المعزوز يدخل في خبايا النصوص فلسفته ممزوجة بشاعرية النص التي توضح ما كان عليه الوضع في مجتمع ثقافي كان له دور بارز في ستينات الجيل الغائب عنا اليوم الذي انشغل بالسياسية والثقافة والفن وقدم الحلول لأزمات المجتمع وبتلك الأطروحة الفلسفية التي هي مغلفة بأبستمولوجيا متأصلة بجذورها في مخيلة الكاتب وخلفياته الثقافية الواسعة قدم لنا بأي ذنب رحلت لتعيد الجيل القادم للتاريخ للتعلم من حركة الستينات الماضية التي ملئت المجتمع بالأفكار والأطروحات حول بناء مجتمع إنساني سليم له الحق في التعبير والمشاركة في الحراك المجتمعي للنهوض به نحو بناء هوية قوية تبدأ بالوعي بالذات الإنسانية والمكانية لدى المجتمع المغربي.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك