وصايا عادل عصمت.. مانفسيتو لجيل يريد التغيير - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:58 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وصايا عادل عصمت.. مانفسيتو لجيل يريد التغيير

عبدالله محمد
نشر في: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:41 م | آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:41 م

قليلة هي النصوص التي تنقلك في رحلة زمنية قريبة من جذور الأصل الذي غاب عنا اليوم، هذا ما وجدته في رواية عادل عصمت "الوصايا"، الصادرة عن دار الكتب خان للنشر والتوزيع، التي تنافس على القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. تأتي الوصايا منتمية لأعمال سردية بديعة خالدة في ذاكرة الأدب العالمي وروائع الأدب العربي مثل خماسية مدن الملح لعبد الرحمن منيف والثلاثية لنجيب محفوظ، وأعمال خيري شلبي ورواية مائة عام من العزلة لجابرييل جارثيا ماركيز.

هي خليط من أحاديث الجد والأم وحنين لأحضان الريف وحالة الإنكسار التي أصابت المجتمع بأكملة إثر نكسة 1967، يسكب فيها من الذاكرة الوجدانية منذ نهاية الخمسينيات، فيدون الزمن ويقدمه لنا بسردية ندخل إليها لنغترف منها لتنشلنا من مادية، فهي وصايا حكيم أتت لنا بعد كثير من الدأب والمعافرة والاشتغال على مشروع واضح المعالم.

الوصايا قطع من النفس ترى فيها حدود الأراضي الزراعية الواسعة وشريان ممتد من النيل، يكبر لنا عدسة التاريخ لنرى فيها ملامح سكان الريف متجسداً في أهل طنطا، هذه الروح الصوفية التي أتت من نزيف الذاكرة بين الأرض والسماء، لينقلنا مع عشر وصايا كل وصية تحتضن حكاوي يستدعيها القاص والأديب عادل عصمت ليستند عليها في تشريح الحالة الزمنية للذاكرة الوجدانية الخاصة به فهو قدم ملحمته الكاملة كهدية جد لجيل مٌقدم على التغير بإرادته الحرة التي لابد معها النجاح والتعلم من سقطات هذا الحفيد "الساقط".

كل وصية مغلفة بحكايات "دار سليم" يسردها الراوي العليم بانسياب مؤكدًا معنى هذه الوصية، التي يتركها الجد لحفيده والتي استطاع أن يعكس من خلالها فلسفته ورؤيته لكثير من قضايا الحياة بشكل عام وكل ما يتعلق بالإشكالات الكبرى التي تواجه وتزحم النفس البشرية خلال عشرة وصايا هي: "خلاصك في مشقتك"، "إياك والعمى"، "المتعة عابرة كالحياة"، "كن يقظا وقت الفرح"، "الثروة مثل الدابة عليك أن تسوقها"، "أحذر أن تقتل أخاك"، "الأحزان سموم القلب"، "تحمل الألم"، "المحبة دواء أيام الباطل"، "أعظم الفضائل دواء أيام الباطل".

الجد الذي برغم معرفة بلادة الحفيد إلا أنه يصر على نقل خلاصة تجاربه، وفي محاولة لصب فلسفته في جعبة حفيده لتتناقلها الأجيال القادمة، وهي قريبه الشبه بتربية الشيخ لمريده.

يستدعي الراوي العليم الجد ليحكي لحفيده قائلا:"جدك تألم كثيرأ، وعرف ما استطاع معرفته. معرفة ليست مثل معارف الكتب. معرفة ثقيلة مثل الألم"، الجد ينبه حفيده إلى أن تلك الوصايا بمثابة ألم سيواجهه عند تطبيقها، حيث يتحمل ما يكره. هي وصايا الجد الذي تألم إثر بعده عنها فعرف قدرها فهو يقدمها لحفيده بمزيج من الألم ليلقى بها إلى مستقر قلبه حتى لا تفارقه هذه الفلسفة التي تكونت عبر سنين من الخبرات التي مر بها الجد، والتي قد تشد إنتباه الحفيد المتمثل هنا في القارئ "الجيل القادم" في العودة لأدراج التاريخ ليقرأ مستكشفاً ألم الحرب خاصة حرب النكسة وما قبل الانتصار في حرب أكتوبر 1973 عليه أن يغوص في أغوار التاريخ لينقب عن العدو الخفي الذي أصبح يفرض حداثة غريبة وأصبحت وحش له أنياب كبيرة، فالقراءة، هنا، تجعلك تقف على معرفة أرضك والأرض غالية لا تقدر بمال.

قدم عصمت وجبة تاريخية وهي "ببليوغرافيا" خاصة يغلفها الشجن وانسيابية السرد الذاتي حول حياة عائلة مصرية تسكن ريف طنطا، هذه السردية أتت بلغة عذبة وبسيطة تملؤها مفردات عامية لتقريبها من القارئ ولنقل الصورة الفعلية من دون تضخيم أو تقزيم لا تكاد تشعر بضيق مع تداخل العامية في النص، وهذا ما قدمه لنا عصمت في الوصايا، وصايا "ذات" استمعت لحكاوي الجد في سن الصبى، عاصرت الحكاية قبل أن تنقلها لنا فشعرت بألمها ومرها، نقل لنا صورة حية مليئة بالعفوية والضجر والفرح والحزن والنكسة.

في وصايا عادل عصمت ستشعر أنك مقدم على عالم خاص ومختلف فالقاص يهمس في أذنك بلغته وسرده المعجون بحكاوي الريف، فيقدم التقاليد والثوابت المجتمعية فلا يخرج عنها ولا يثور عليها ولا يدخل معها في تحدي بل يقدمها في إطارها، بلغته الغنائية وشعريةً خاصةً يمتاز بها القاص والكاتب عادل عصمت، التي لا تكاد تشعرك بالضجر أو الضيق، ستظل تحتفظ برونقها الخاص ليتربع عصمت مع هؤلاء بهذه الملحمة الكاملة "الوصايا".

عادل عصمت أعادني إلى حكاوي جدتي التي تبلغ الآن سبعة وتسعون عاما، التي أخبرتني فيها عن سر الأرض وعلمتني الصبر بل كانت تقذف به إلى خيالي الخصب فعلمت أن ثمة عتمة سأمضي إليها وهذا الصبر هو بمثابة طوق نجاة أو أشبه بالضوء سأستخدمه في الوقت المناسب.

في الوصايا وجدت من خلال العودة للماضي حكاوي أبي وشعرت بهذا جداً لشوقي له بعد فراق دام 13 عاما، فوجدته فيها حي يعلمني ويلقنني دروسا، وتنقل لي عبر عشرة وصايا أنا في أمس الحاجة إليها، وجدتي إلى الآن تقص بحكاويها، وهي تلقيها بعناية شديدة إلى قلبي وأنا استقبل منها بالحب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك