«بريد الليل» لهدى بركات .. رسائل لم تصل - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:14 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«بريد الليل» لهدى بركات .. رسائل لم تصل


نشر في: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:28 م | آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 2:28 م

في الشرق، عُرف أدب المراسلات منذ القرن التاسع الميلادي تحت اسم أدب المكاتبات، وكان يقسم إلى ثلاثة أقسام، المراسلات الأدبية، والمراسلات الأهلية، والمراسلات العلمية، وانتقل هذا الفن من الأندلس إلى أوروبا، ونحن بصدد النوع الثاني من أدب المراسلات الرسائل الأهلية، التي تعرف برسائل الأشواق التي تدور بين الأصدقاء والأقارب، حيث تأتي إلينا رواية الكاتبة اللبنانية هدى بركات «بريد الليل» الصادرة عن دار الآداب ببيروت، والتي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لهذا العالم 2019.

تطل علينا برسائلها الخمس، فنحن على أهبة الاستعداد للدخول في عالم ملئ بالأشخاص الذين يتكِئن إلى ركن ما للبوح، هذه خصلة من يشعر أنه مقبل على النهاية يفيض قلبه بكل ما فيه بالسلب والإيجاب والحلو والمر، مشاعر البوح تحتاج لمستقبِل يحسن الإنصاف وأن يكون جد محايد، فهموم الوطن العربي تأتي لنا في رسائل بريد الليل، حيث السعي للتواصل مع هذا العالم، ورسائل لم تصل، فمن سيقوم بهذه المهمة غير القارئ.

البريد هنا يمثل الرمزية القديمة في توصيل الرسائل والبوح بالمشاعر، سواء مكتوبة أو مسجلة، فيحمل بريد الليل خمس رسائل، متمثلة في رسالة للحبيبة، وأخرى لحبيب، ورسالة شاب لأمه، وأخت لأخيها، ورسالة شاب شاذ لأبيه، تبدأ من خلف النافذة وتنتهي بالبوسطجي الذي يكتب لنا قبل الوداع قائلاً: "الآن، أكتب رسالتي إلى من قد يأتي إلى هنا، وأضعها على بينة واضحة للعيان قرب فهرس الرسائل...".

هي حكايات لمعذبين من الرجال والنساء، فهي تمثل واقعنا الأليم والمختلف ليس للأفضل بل للحقيقة الصادمة الموجعة عن تعساء مهاجرون كسالى منفيون فاقدون لأوطانهم ومنازلهم وهوياتهم، عن تلك الأماني الزائفة، رسائل مليئة بالبوح والندم على ما مضى، موجزها لاذع، عن حب مهجور، ومومس، ومجرم تلاحقه تفاصيل الذكريات المفزعة، رسائل المأساة الكبرى مأساة الأوطان، ضمائر فضحتها رائحة نتنة، ووعود زائفة بحياة هادئة ليس متاح فيها ما هو إنساني، بل هو التعاسة التي نراها الأن في أوطاننا العربية.

الكلمة أمانة ولأنها كذلك فعانى الكثير من الكتاب والصحفيين، وليس واضحا الحبيب العاشق الذي يكتب رسالة لحبيبته هل هو صحفي أم موظف قائلاً: "إذ من يكون في مثل حالي لا يرفض عملا بأي أجر كان. أي أجر في وضعي هو أجر محترم، هذا صحيح لكن العمل... عملت. عملتُ عند ذلك العسكري الانقلابي الذي فتح جريدة ليعلم الخليفة أصول الديمقراطية". ليفتح لنا سبل للكلام عن أهمية الكتابة، حين شرح لنا إعجاب رجل الأمن بقوته وسطوته على القلم، فيقول: "تعجبه لعبة قوته على الرجال الذين يكتبون ولا بد من أنه كان يتساءل ماذا تنفعنا الكتابة".

مأساة المواطنين في البحث عن عمل في هذا التيه خارج الوطن وداخله أيضاً: "انشغلنا في البحث عن عمل آخر يشبه بالطبع ذلك الذي طردنا منه، يسندنا ولو لبضعة أشهر لذا كان علينا، من أجل ذلك، أن نصمت تماماً وأن نبدو مطيعين قنوعين. فمن دون عقد عمل، لا سبيل إلى الشكوى".

نقطة تطفو بنا على السطح لنستفيق من هذه الرسائل التي وصلت إلينا، هي نقطة الوصل بين خمسة أشخاص هاربون و مهاجرون، لا يجمعهم سوى أنهم عرب، فهل يهمش العالم العربي لهذه الدرجة، في ظل هذا الانفتاح على الآخر، الرسائل لا تصل ولن ولم تصل، كل ما يصل لنا هي هذه الرواية التي تأتي بلغه بسيطة، فهدفها أن توصل لنا أفكار معينة قصدتها الكاتبة فهي بعيدة كل البعد عن التواصل التكنولوجي بل تواصلنا مع بعضنا البعض في عالمنا العربي تحمل الاعترافات في مجملها أنواع من الندم والتبرير والألم والدموع والحزن والتشاؤم والكثير من المشاعر الإنسانية التي يعاني منها هؤلاء المهاجرين بعيداً عن أوطانهم.

الشخصيات في الرواية يعلمون أن رسائلهم لن تصل، وربما هي ليست مكتوبة لتصل، فليس هناك عنوان ترسل إليه الرسائل، ففي تعبير بديع حين استنطقت الروائية هدى بركات البوسطجي ليعكس لنا ما يشعر به الآخر المتمثل في أهالي من تركوا أوطانهم من أجل لقمة العيش ففيهم الزوجة والابن وأب أسرة حين يوصلهم رسائل الغائبون عن أوطانهم، نجد وحل الأمية التي يعيش فيها العالم العربي المتمثل في الأهل، ولربما قصدت الكاتبة لفتح هذا الجرح ليقرأ بعضنا بعضا، نتكلم عن ما بداخلنا قبل فوات الأوان، فنحن نتكلم بلغة مختلفة وفي مكان غير ما نحن فيه الآن، صرنا نتحدث بلغة مادية بحتة تأثرنا بتلك الفلسفة، صرنا ننساق وراء أيديولوجيات لربما لم تتناسب وفق عروبتنا وأوطاننا وبيئتنا الثقافية.

الحكايات الخمس لم تكتمل لربما قصدت بذلك هدى بركات أن يشارك القارئ في عملية البوح، وأن يساهم في الكتابة، نرى أن بعض الرسائل كانت تكتب ويلهيا حرف وبعض النقاط «سـ...»، كمساهمة لعصف ذهن القارئ في تخيل بقية الحكاية، وأن يكتب رسائله هو الآخر رسائل من كل البقاع رسائل تختلف عن ما نحن نراه في هذه الديستوبيا التي يعانيها كاتبو هذه الرسائل، وعلى عدم اكتمال أي حكاية ربما هذا الشكل لا يجعلها رواية كاملة فلا نرى شخصيات رئيسية أو شخصيات ثانوية، فالشخصية الرئيسية هي التي تتواجد في المتن الروائي بنسبة كبيرة.

وتبرز من مجموع الشخصيات الرئيسة شخصية مركزية تقود بطولة الرواية، ولم نر الأبعاد الثلاثة من البعد التكويني حيث يشمل الجانب الخَلْقيّ كالطول والجمال، أو الأخلاق كالصدق والأمانة، وكذلك البعد الاجتماعي وهو يرتبط بالشخصية من محيطها الخارجي الذي يظهر لنا الجوانب الثقافية والمكانة الاجتماعية والعلاقات الأخرى، وكذلك البعد الوجداني أو النفسي أي كل ما يؤثر على الشخصية من مكنون نفسها كالرغبة والمزاج والمشاعر المختلفة، وهذا لم نره مكمل لبعضه في هذا العمل السردي لهدى بركات.

فالعمل عانى من الاختزال إلى أنه لم يكتمل لأن تأثير هذه الأبعاد الثلاثة مهمة فقد تتكون لدى الشخصية حالة نفسية معينة بسبب عيب خَلقيّ مثلاً، وقد تسبب هذه الحالة اعتزال الشخصية للمجتمع أو فقدانه لعلاقاته مع الآخرين وليس بالضرورة أن تظهر هذه الأبعاد في متن الرواية لكل شصخية لكن لا يوجد شخصية دون الأبعاد السابقة، كذلك الزمن بأبعاده الثلاثة أيضاً، زمن وقوع الأحداث وزمن كتابة الأحداث، وزمن قراءة الأحداث، وزمن توقيت الحدث قد يكون ( صباحا أو مساء الساعة الثامنة مثلاً) أو في الشتاء أو الصيف، أو حدثياً، زمن الاحتلال النكبة عام الفيل، وزمن مدة الحدث أي المدة التي استغرقها الحدث في وقوعة، وهذه العناصر المهمة لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل مستفيض. والرواية تعد أقرب لمعالجة سينمائية عن خمس قصص قد تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم سينمائي كالأفلام التي يتشارك أبطالها تيمة الهروب والشتات والضياع.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك