بعضها تحول إلى «مؤسسة حكومية»: عن التكية فى مصر.. مأوى للمتصوفة وسبيل للمساكين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعضها تحول إلى «مؤسسة حكومية»: عن التكية فى مصر.. مأوى للمتصوفة وسبيل للمساكين

إنجى عبدالوهاب:
نشر في: السبت 20 أبريل 2019 - 6:10 م | آخر تحديث: السبت 20 أبريل 2019 - 6:10 م

1811 محمد على باشا أقام أول تكية مصرية فى الحجاز لخدمة الحرم المكى وتوزيع العطايا على الحجاج
فى بدايتها كانت لتعليم شئون الدين ثم تحولت إلى مطاعم خيرية
تكايا الملوك الخيرية حاضرة فى الموروث الشفاهى للمصريين

 


تداولت مواقع التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة صورا لـ«مطعم فاروق الخيرى» أو ما يطلق عليه المواطنون «تكية الملك فاروق»، وفى رحلة للبحث عن الموروث الشفاهى لـ«تكايا» ملوك مصر وسلاطينها، بحثت «الـشروق» الجذور التاريخية للتكايا، ثم تفقدت المناطق التى أنشئت بها، مستعرضة ما تبقى من التراث الشفاهى الذى علق فى أذهان المصريين، بخصوص تلك التكايا، التى أنشئت فى البداية بأهداف دينية كمأوى للمتصوفة، ثم رويدا رويدا تحولت إلى سبيل للمساكين ونجدة لمن هم على سفر، وصولا إلى اقتصارها على تقديم الطعام للمساكين، فى عهد الملك فاروق آخر ملوك مصر الذى أنشأ هو وشقيقته الأميرة فوزية تكايا خيرية أيضا، يتطابق هيكلها التنظيمى مع التكية التى أنشأها جدهم محمد على باشا فى أراضى الحجاز؛ ولا تزال حكايات هذه التكايا عالقة فى أذهان المصريين؛ إذ استطلعت «الشروق» حكايا أهالى باب الشعرية حيث أقيمت تكية الملك فاروق فى العام 1932، وكذلك حكايا أهالى حى الناصرية بمنطقة السيدة زينب، والتى تحولت فيما بعد إلى مقار حكومية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، عقب قيام ثورة يوليو عام 1952، لينتهى بذلك عهد الـ«تكية» تماما فى العام 1957 بإصدار جمال عبدالناصر قرارا رسميا بإغلاقها.

«جدى حكالى أن تكية فاروق الأول كانت بتفطر يوميا 1500 واحد، وفيه سفرجية، وموظفين لإطعام الفقراء، وموظفين لتسجيل احتياجاتهم»، هكذا جاءت رواية عبدالجواد السيد صاحب محل أبو حمزة للملابس بجوار مطعم فاروق الخيرى، الذى يقع فى أحد الأزقة الشعبية القديمة، وتحديدا، فى منطقة باب الشعرية؛ فعلى بعد نحو 50 مترا من تمثال محمد عبدالوهاب المبنى حديثا فى ميدان باب الشعرية، يقع مطعم فاروق فى مبنى قديم ذى لافتة جيرية محفور عليها اسم الملك وتاريخ تأسيس مطعمه الخيرى.

وظلت «تكية» الملك فاروق تقدم الطعام المجانى لأهالى بعض الأحياء الفقيرة، لعقدين كاملين، منذ أن افتتحها الملك فاروق فى العام 1932، وحتى تمت مصادرتها ضمن أملاك الخاصة الملكية، بقيام ثورة يوليو 1952، ومن ثم أغلق لثلاثة أعوام قبل افتتاحه ثانية كمقر لوحدة من وحدات التضامن الاجتماعى.

وقد نشرت مجلة «المصور»، فى عددها الصادر بتاريخ ٣ أكتوبر ١٩٤١، بعض الصور التى التقطتها عدسة المجلة تصف رحلة أسرة فقيرة لمطعم فاروق الخيرى، لتناول حصة مجانية من الغذاء فى رمضان، وخروج الأسرة فرحة بـ«الـطبيخ» و«الخبز».

لم يدر أحد ما إذا كان نشاط المطعم الملكى الخيرى يقتصر على شهر رمضان أم أنه كان ممتدا طوال العام، لكن الحاج عبدالغنى إسماعيل 70 عاما، صاحب أحد محال الورق فى منطقة باب الشعرية، نقل لنا حكايات والده عن التكية قائلا إنها كانت تحوى طاقما من الطباخين القائمين على خدمة الفقراء طوال العام، وأنها ظلت تقدم خدماتها للمواطنين، لنحو 20 عاما، وأن فقراء المنطقة كانوا يقصدونها بـ«حلة» فارغة، ليخرجوا منها ممتلئة بـ«الطبيخ» وأرغفة الخبر، وهى رواية أيدها الحاج عبدالمحسن توفيق، صاحب ورشة الورق المتاخمة لمبنى مطعم فاروق الخيرى، أما الحاجة إنصاف 67 عاما، الجالسة أمام المبنى، فنقلت لنا رواية أخرى، نقلا عن حكايات حماها مصطفى محمد نصر الدين، المتوفى قبل 15 عاما، والذى كان أحد طباخى البكوات فى عهد الملك، قائلة إن مقار التكايا كانت تستقبل احتياجات المساكين، بين عابر سبيل يقصد طعاما، أو مسكين يقصد كساء أطفاله، أو فقير يبتغى وجبة يومية لبيته، أو جلبابا يكتسى به، وهى رواية مشابهة لأخرى رواها لنا عبدالجواد سيد، صاحب أحد محال الملابس فى المنطقة.

• «تكية الأميرة فوزية الخيرية 1935»

دشنت تكية خيرية باسم الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق فى عام 1935، وعمرها لا يتجاوز الـ13 عاما. ففى حى السيدة زينب، وتحديدا فى نهاية شارع الناصرية، حيث تجار «فواكه اللحوم»، ففى المنطقة الشعبية ذات الطابع الخاص، ووسط الأزقة السكنية الفقيرة يقع مقر «مطعم الأميرة فوزية الخيرى».

ثمة روايات لا تزال عالقة فى أذهان أهالى الحى تفيد بأن الأميرة أنشأت المطعم الخيرى، وخصصته لتقديم الطعام والمساعدات المادية للمساكين، على الرغم صغر سنها، وهى رواية نقلها لنا الحاج محمد شعبان أبوالسعود، صاحب أحد محال فواكه اللحوم أو«السمين» بمنطقة الناصرية، الواقع على بعد أمتار من مطعم الأميرة الخيرى، والذى روى لنا نقلا عن جده المتوفى قبل 60 عاما، عن عمر يناهر 94 سنة، والذى عاصر الحقبة الملكية، أن الأميرة فوزية زارت منطقة السيدة بسيارتها الفارهة، بصحبة سيارة أخرى محملة بالملابس والأغطية، لسكان المنطقة فى أواخر الأربعينيات.

وأضاف الحاج أبو السعود «زمان الدنيا كان فيها خير وكان عدد المصريين قليل، إحنا كنا فبريكا وكل أسرة بتخلف 10 عيال عزوة، صحيح مكانش فيه فلوس لكن كان فيه خير».

ثم واصل «الملك فاروق كان معتادا يصلى فى مساجد السيدة، وخصوصا جامع الأحبار، وجامع الإسماعيلى، وكان بيسلم على الناس».

وقابلت «الـشروق» بعض أحفاد أحد العاملين فى مطعم الأميرة الخيرى، الذى يعلوه «تكية» توفر ملابس وأغطية للفقراء، حسب رواية عائلة الحاج شحاتة، فعلى بعد أقل من نحو 15 مترا، من مطعم الأميرة الخيرى بالناصرية، والذى تحول إلى مكتب تابع لوزارة التضامن الاجتماعى، يقع منزل عائلة شحاتة، وأسفله جزارة على شحاتة، الذى كان ضمن طاقم موظفى مطعم الأميرة الخيرى: «إحنا سمعنا مشوفناش، جدى قالنا إن الأميرة كانت بتيجى وتوزع ملابس على الفقرا، هو مات من 10 سنين وكان عمره 96 سنة».

انتهى عهد التكايا الخيرية والصوفية أيضا بعد قيام ثورة يوليو، ففى العام 1952 صودرت مبانى التكايا الملك فاروق وشقيقته الأميرة فوزية لتتحول إلى منشآت حكومية، تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى، وفى 1957 أصدر الرئيس جمال عبدالناصر، قرارا بإغلاق جميع التكايا الصوفية، فأغلقت 7 تكايا ونجت التكية المولوية من قرار الإغلاق لكونها مقرا للمركز الثقافى الإيطالى آنذاك.

• «تكايا مصرالعثمانية.. صوفية المذهب مملوكية الطابع»

يختلف المؤرخون حول جذور «التكايا»، وهل هى عربية، أم فارسية، أو عثمانية. لكنهم لا يختلفون تطور أهدافها من دينية وعظية إلى خيرية عبرنحو 9 قرون، منذ أنشئت فى مصر. «تكية» كلمة تركية تعنى مكانا للراحة والاسترخاء، وهى قريبة للغة العربية أيضا إذا ما أرجعناها للفعل العربى «اتكأ» أى استند، لكن المستشرق الفرنسى، كلمان هوار، يعتقد أن الكلمة تعود إلى أماكن العبادة الفارسية، التى كانت توفر مساعدات و«سبيل» للمارة، وتلك الكلمات جميعها ليست بعيدة عن التكية التى نشأت لأغراض دينية ثم رويدا رويدا أصبحت لأغراض خيرية.

أما الجذور التاريخية للتكايا المصرية فيعتبر البعض التكايا من المنشآت الدينية التى حلَت محل «الخنقاوات» التى ظهرت فى مصر على يد صلاح الدين الأيوبى، فى العام 569 هجريا أى 1173، إذ خصصها للفقراء المتصوفة، وخصص لها وقفا كوسيلة للتعليم الدينى المذهبى، وتعليم المريدين وعابرى السبيل؛ فكثير من علماء الآثار والعمارة الإسلامية يرجحون أن «التكية» تطور لـ«الخانقاه» التى أقيمت منذ العصر الأيوبى، واستمرت وازدهرت خلال العصر المملوكى؛ إذ تتشابه مع الخانقاه من حيث الوظيفة كمبنى روحى تقام به حلقات المذهب الصوفى، وبينما تكون الدراسة فى الخانقاه إجبارية، ويتولى مشيختها كبار العلماء والفقهاء وتمنح الدارسين بها إجازات علمية، فلا إلزام فى التكية، ومن ثم فلا تقوم فيها فصول للدراسة المنتظمة، وإن كان الأمر لا يخلو من عقد محاضرات للوعظ والإرشاد.

برزت تسمية «التكايا» فى مصر فى عهد الدولة العثمانية كملجأ للفقراء، ووسيلة دعوية لمريدى المذهب الصوفى. وتتميز التكايا المصرية فى هذا العهد بالجمع بين الطرازين العثمانى الخاص بـ«تكايا الدراويش» التى كانت تقام فى تركيا العثمانية، والطراز المملوكى الخاص بالخنقاوات، ولا يدرى أحد فربما انتقل مفهوم التكايا إلى تركيا العثمانية مع الفتح الإسلامي؛ حسب كتاب ليموند ريفتشرز، «تكايا الدراويش: الصوفية والفنون والعمارة فى تركيا العثمانية» التى ترجمته الدكتورة عبلة عودة، وأصدرته هيئة أبوظبى للثقافة والتراث.

ويذكر أنه بقدوم الأسرة العلوية تصاعد الاهتمام بالمذاهب الصوفية فى مصر، تحت الولاية العثمانية، وتزايدت التكايا ذات الطابع الصوفى العثمانى، ولكن مع إضافة البعد الخيرى لها بتوفير الطعام بها كسبيل للمارة، وضمن هذه التكايا: البكتاشية، والعجم، وأبوالدهب، والبسطامية، والمجاورين، والخلوتية، وتعد التكية المولوية من أبرز التكايا العثمانية؛ والتى تحولت إلى مركز ثقافى بعد افتتاحها فى مارس 2009، وكذلك التكية السليمانية.
وبحسب ورقة بحثية للدكتور محمد السيد الدغيم، الباحث بكلية الدراسات الشرقية بلندن، بعنوان «محمد على باشا من وجهة نظر عثمانية» نعرف أن محمد على، والى مصر نقل مفهوم التكية إلى السعودية بعدما تبرع بإنشاء أولى التكايا المصرية، فى الحجاز فى العام 1811، بهدف خدمة الحرم المكى،و توزيع العطايا على جميع الشعوب الإسلامية التى تقوم بفريضة الحج.

وبحسب ما أورده إبراهيم باشا رفعت، الذى كان كومندان بعثات الحج المصرية، فى كتابه «مرآة الحرمين» أن عدد الأشخاص المستفيدين من التكية كان يبلغ فى الأيام العادية أكثر من 400 شخص، ويرتفع العدد فى شهر رمضان ليصل إلى أكثر من 4 آلاف فى اليوم الواحد، فضلا عن موسم الحج، وكان وجباتها تقدم مرتين يوميا صباحا ومساء.

أما الهيكل التنظيمى للتكايا فهو مبنى أو سبيل طعام يشرف عليه «ناظر» و«معاون» و«كتبة» يخدمون جميعا الفقراء، وتتكون التكية من طاحونة للقمح، ومطبخ به ثمانية أماكن يوضع عليها ثمانية أوان من الحجم الكبير، بجانب مخبز للخبز، ومخزن، وحجرات للمستخدمين.

ظلت العطايا والمخصصات المصرية للحرمين عبر التكية المصرية قائمة لنحو 172 عاما؛ إذ تأسست التكية المصرية مع دخول جيوش محمد على، أراضى الحجاز فى عام 1811م، ورغم خروج مصر من شبه الجزيرة العربية عام 1840 وانتهاء سيطرتها السياسية عليها، ظل الحجاز يعتمد على مخصصات الحرمين الشريفين التى ترسلها مصر؛ ففى عام 1860م، أصدر سعيد باشا والى مصر مرسوما بمضاعفة تلك المخصصات، ورغم نشوب خلاف بين المملكة المصرية ونظيراتها السعودية عقب انتهاء الدولة العثمانية على يد كمال أتاتورك عام 1923 جراء التنافس على قيادة العالم الإسلامى، ظلت التكية المصرية قائمة، حتى هدمت بحجة توسعة الحرم عام 1983.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك