ياسر محمود يكتب: نساء فى حياة الخال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:24 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحلة فى أيام عبدالرحمن الأبنودى فى ذكراه الثالثة

ياسر محمود يكتب: نساء فى حياة الخال


نشر في: السبت 20 أبريل 2019 - 10:52 م | آخر تحديث: السبت 20 أبريل 2019 - 10:52 م

الخال يكسر «التابوهات» ويوثق الزواج الأول لفاطمة قنديل.. ويروى قصة ميلاده على عتبة دار «ست أبوها»
«الكى بالنار» يكسر قلب الطفل رمان ويتسبب فى كراهيته لذات الوجه الصبوح خديجة حمدان
يوميات الخال تصف بيت يامنة بـ«المعجزة».. والقاموس يفك طلاسم الدعاء المشئوم لـ«مامتى عزيزة» على أحمد سيماعين

يا عين يا عانية

يا خاينة يا ردية
اطلعى من عبدالرحمن
واد فاطنة من عشية
بقول الله
وعزايم الله القوية

هكذا كانت تخوض فاطمة قنديل جولتها الأخيرة من حرب ضروس شنتها ضد المجهول الذى يسعى ليتخطف حبيبها رمان من بين احضانها، مستنجدة بخبراتها القديمة وحكمة الحكيمات، وبعدما أضناها البحث عن الأدوية المتاحة، لجأت إلى «الطقوس الملغزة» لتتحقق لها المعجزة وتنجح فى ان تسترد «ضناها» الذى أوشك على أن تتخطفه يدى الردا.

و«فاطنة قنديل» بحسب عبدالرحمن صاحبة إعجاز، كونها أنجبته «فى الحسومات».. والحسومات حسب التقويم القبطى ــ وفق معتقدات أهل الصعيد ــ أيام تأتى فى أوقات معينة من السنة القبطية، من يولد فيها من النادر أن يعيش، سواء كان إنسانا أو حيوانا، والمعجزة التى كانت «فاطنة» تفاخر بها، هى كونها أبقته على قيد الحياة بعد قتال مرير وحرب ضروس ضد الطبيعة وقوانين الوجود.. فحين شب عليلا لم تستمع لنصيحة زوجها العاقل الشيخ الأبنودى: دعيه يموت فى هدوء، لا تتعلقى به. اعتبرى أنك لم تنجبيه، شدى حيلك وهاتى غيره ليس له عمر».

وغير «فاطنة قنديل» هناك الكثيرات ممن شكلن جزءا كبيرا من شخصية الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله الثالثة.. ولم يكن الأبنودى ــ أو «رمان» كما كان يلقبه أهل بلدته ــ مجرد شاعر للعامية المصرية، بقدر ما كان « كنزا» حمل فى قلبه تراث الصعيد من فنون وتفاصيل حياة، فالأبنودى كان قادرا على تسجيل حركة البشر والحجر فى قرى الصعيد، متسلحا بذاكرة لم يعبث بها الدهر، استغلها فى استرجاع كل تفاصيل طفولته، وحتى تلك اليوميات التى حلت قبل أن يحل هو ضيفا على هذه الدنيا فى الحادى عشر من إبريل من العام 1938، ليترك لنا فى النهاية تراثا فى غاية الثراء تمثل فى اليوميات التى واظب على كتابتها فى ملحق «أيامنا الحلوة» الذى استمر نشره لسنوات فى جريدة الأهرام، ساردا من خلاله حكايات أبنود التى قال فيها: سأظل مدينا لها.. وسوف أظل أشكر الأقدار على أن وهبتنى تلك الطفولة الغنية، التى قد يراها البعض فقيرة وقاسية».

وعلى الرغم من أن الأبنودى نفسه لا يرى فيما كتبه سيرة ذاتية، لأنه بحسب قوله «لست نابليون أو هتلر» إلا أنه خط بالفعل سيرة ذاتية لحياة القرية فى زمن لن يتكرر، لينجح فى نهاية الأمر فى «القبض على جوهر الروح، ولب الفكرة التى تحكم حياة الإنسان المصرى الذى لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلى القديم»، ويرسم فى الوقت ذاته لوحة بديعة للمرأة الصعيدية فى أعماق القرية فى النصف الأول من القرن العشرين، وخاصة تلك النسوة اللاتى شكلت وجدانه منذ نعومة أظفاره، وتربت أذناه على الشعر من غنائهن وعديدهن وأورادهن التى يرددنها فى المناسبات المختلفة، وظهرن من وقت لآخر بين أبيات قصائده الأولى.
فاطنة قنديل
بصراحة قاسية، يحكى عبدالرحمن الأبنودى عن والدته فاطمة قنديل ــ أو «فاطنة قنديل» كما يكتبها هو ــ صراحة تصل إلى حد إغضاب الأهل فى الصعيد، ممكن يعتبرون أن الحديث عن الأم والجدة من قبيل «العيب».. ولا تبدأ قصة فاطنة على لسان عبدالرحمن من حيث وعى على الدنيا، وإنما من قبل ذلك بكثير.. وتحديدا اختار أن تكون البداية من قصة زواجها قبل ابيه، حين كانت فى الحادية عشرة من عمرها، وكان الزواج من ذلك التاجر الكبير «ابن العمدة» الذى تصفه فاطنه بأنه «فلقة باب» أو جذع نخلة مهول يسد دربا.. ويسرد الابن تفاصيل ليلة زواج والدته: «جاء اليوم الموعود.. دعكوها بالردة.. حففوها ولم يكن قد نبت لها شعر يتحفف. دقوا قالب طوب أحمر صحنوه ليحمروا به خديها.. كحلوا عينيها بما يخلفه سراج الزيت من هباب اسود».

وتروى فاطنة لولدها لحظة وصولها لبيت العريس: «عليت الزغاريت.. اتقدمت نسوان غريبة وعفشة ما اعرفهاش.. دخلونى بيت مليح وواسع وفيه فرش نضيف لكن تقول سجن».. وتنقذ الحماة تلك الطفلة الصغيرة من مصيرها المحتوم «قالت لولدها البت صغيرة سيبها سنة ولا اتنين لحد ما يخرطها خراط البنات» لتواصل فاطنة طفولتها وتقضى نحو عامين تلهوا مع بنات القرية، حتى «خرطها خراط البنات».. وتهرب الصغيرة بعد دخلتها بساعات قليلة: «كإن ورايا عشر غيلان يرمحوا ورايا.. الخوف اللى فى الدنيا ساب الدنيا وسكن فى قلبى.. أرمح أرمح وبينى وبين بيتنا ثلاث بلاد.. أرمح وأنا بدمى والخلاخيل فى رجولى تقول «شن شن» تزود فى خوفى، لحد لما وصلت بيتنا كان دمى اتصفى وركبى مش شيلانى».

وتنتهى مأساة فاطنة قنديل بالطلاق، لتستأنف طفولتها من جديد، ويستأنف عبدالرحمن حكايتها بصراحته «القاسية» والتى تغضب الأهل فى الصعيد لجرأتها وخوضها فى «أسرار عائلية»، مقررا أن يروى هذه المرة، قصة قدومه إلى الدنيا، بعدما تزوجت فاطنة من الشيخ محمود الأبنودى، والذى كان فى ذلك الحين معلما للغة العربية فى قرية نقادة، وكانت زوجته تصاحبه فى أول سفرة لها خارج أبنود، لتفاجئها آلام المخاض، ويجد الشيخ نفسه فى ورطة فقد كان يعتقد أنه من العار أن تلد زوجته فى بلد غريبة، وتلك المرأة القروية الخجولة لن تكشف عن جسدها أمام عيون نساء نقادة الغريبات عنها حتى لو ماتت فى المخاض.

كان الطريق من نقادة إلى أبنود بالغ التعقيد، إذ كان على الزوجين أن يتجها إلى النهر ليقلهما «الرفاص» إلى مدينة قوص أولا قبل أن يصلا إلى قريتهما.. وعلى متن الرفاص، تبدأ فاطنة فى إصدار أنينها وتتشبث بقفطان الشيخ الأبنودى، والذى يرى عينى «قنديلة» وقد جحظت من محجريهما، وحاجباها قد تقوسا لأول مرة منذ زواجهما، فيتلبسه الرعب.. ينظر إلى الشاطئ القريب، فيراه بعيدا، ويظل الشيخ يتمتم بالآيات القرآنية والأدعية، راجيا الله أن يؤجل ولادة عبدالرحمن، وأن يقيه شر الفضيحة، وحين يبلغان الشاطئ، تبدأ حلقة جديدة من حلقات الورطة، فكيف ستعبر قنديلة «السقالة»، كيف لها أن تتحول إلى «لاعب زانة فى السيرك» وتنجح فى عبور لوح الخشب المهتز على سطح الماء.. والمدهش أنها نجحت بالفعل، ووصلت إلى الشط، للتكوم على الأرض «مثل الذبيحة» والشيخ يتوسل إليها حتى تكتم أنينها.. وترد قنديلة: إن لم تسكت سألد هنا على البر أمام الخلق.. فيصمت خوفا، ويعاود تشجيعها على الجلد حتى يصلا إلى القطار، وهى رحلة تستغرق نصف ساعة، علاوة على نصف ساعة أخرى على متن القطار ليصلا إلى أبنود، فى حال حدثت معجزة لقطار يعرج ولا يمشى، ولا يأتى فى موعده عادة.. وتصل فاطنة أخيرا لمحطة القطار، وتستلقى تحت شجرة لبخ، غير مبالية بتوسلات الشيخ.. وفى القطار تفترش قنديلة الأرض، ويداريها الشيخ بوقفته امامها.. وتظل تكتم صرخاتها حتى يصرخ القطار، وإذا صمت، تصمت قنديلة.. وبعد ساعة يصل القطار متمهلا، فيما كان عبدالرحمن يتعجل الوصل إلى الدنيا، محتجا ورافسا.. وتأتى «الركايب» لتصطحب فاطنة إلى بيت امها «ست أبوها»، ما أن تطأ قدمها عتبة الدار، حتى ينزلق عبدالرحمن «قدما داخل البيت وقدما خارجه».

خديجة حمدان
جاء عبدالرحمن إلى الدنيا عليلا وهزيلا، ولم يتوقع له أحد أن يعيش سوى فاطنة قنديل، والتى استعانت بنسوة فى القرية لمعاونتها فى علاجه، حيث لم يكن أهل أبنود حتى الخمسينيات قد رأوا الطبيب رأى العين، وإنما كان الاعتماد كل الاعتماد على الموروث الفلكلورى، وأغلب تلك الطقوس والعادات الدوائية تثير الرعب فى نفس عبدالرحمن حتى بعدما صار رجلا.. وغالبا ما كانت النسوة هن الطبيبات، ويتذكر الشاعر الكبير تلك الجلسة التى نظمتها نسوة القرية حين باغته إسهال متواصل لثلاثة أيام متواصلة، حينها صرخت إحدى النسوة فى فاطنة قنديل: إنتى اتجننتى.. الواد مصرانه مقطوع وانتى سايباه؟، ليكون الاستدعاء العاجل للخالات سكينة ويامنة وصديقة وسيدة، واللاتى انقلبن فجأة من الخالات الودودات إلى «ذئبات كاسرات»، أتين بملاءة سوداء فرشنها على الأرض، ووضعن عبدالرحمن ابن السنوات السبع داخلها: «وقفن.. كل امرأة على طرف، وصحن وهن يمرجحننى يمينا ويسار كالمرجيحة.. بخفة أولا ثم يبدأ العنف حين يسخن الدور: يا شافى يا عافى.. شيل الأذى.. من بطن واد فاطنة من عشية.. يا عالم بالقصد والنية.. خزق عين اللى قطعت مصرانه.. ومع انتهائهن يصحن: يا رب ويقلبن الملاءة عدة مرات، حتى تقرط البطن وتحزق المصارين.. فأعوى فى رعب داخل الملاءة، دون أن يلتفتن إلى صراخى (..) ثم يلقين بى قتيلا مفزوعا أنتفضض من الرعب».

ومن بين كل جلسات العلاج النسوى التى خضع لها الخال عبدالرحمن، تعلق فى ذاكرته تلك الواقعة بكل تفاصيلها، والتى كانت بطلتها العمة الأثيرة والمحببة إلى قلبه، خديجة حمدان.. وخديجة كما يصفها «امرأة فارعة.. صبوجة الوجه، يستقر فى جبينها المشع وشم لافت لهلال ونقطة فى وسطه كعلم مصر القديم.. كانت منبسطة الملامح، مبتسمة أو شبه مبتسمة دائما كأنها ولدت على هذه الصورة.. كانت رحيمة رقيقة القلب.. كانت نسمة فى زمن قائظ.. كريمة مبسوطة الكفين، مختلفة عنهن جميعا».. ورغم كل تلك الصفات التى عددها عبدالرحمن ؛ يأتى «اليوم المشئوم»، حين يجدها فى باحة منزله وقد اتشحت بالسواد كباقى النسوة العشرة اللاتى اكتظ بهن البيت، ويقطع صمتهن المخيف حركة امرأتين هجمتا على الصبى بغتة، وتشارك باقى النسوة فى تكتيفه بجوار النار اللاتى أوقدنها ويثبتانه على الأرض وتأتى خديجة بمسمار قد أحمته على النار حتى لمع رأسه وصار له وجه شيطان، وفجأة تغرس المسمار فى عنق عبدالرحمن مرات ومرات، لتغطى رائحة اللحم المشوى أجواء البيت، ويلقونه كالسمكة الميتة على فراش فقير، ويضعن حبات القمح التى مضغنها حتى صارت عجينة على الجرح النافذ لسد الحفرة التى فغرت فاها فى عنقه.

وتنسف تلك الواقعة حب العمة خديجة حمدان للأبد، ولم يعد منذ ذلك الحين «لا وجهها صبوحا، ولا ودها مفرحا».
العمة يامنة
«دلوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟؟
حبيبى انت يا عبدالرحمان
والله حبيبى.. وتتحب
على قد ماسارجاك الغربة
لكن ليك قلب»

هكذا يتذكر عبدالرحمن العمة يامنة فى قصائده، ولعل أثرها أكبر من أن تحتويه قصيدة، فيامنة التى تقول لعبدالرحمن فى القصيدة التى حملت اسمها: مش كنت جميلة يا واد؟.. مش كنت وكنت.. وجَدَعَة تخاف منى الرجال..؟ لكن فين شفتونى..؟

كنتوا عيال» كان لها بيت له معجزات، فالبيت الواقع على جسر النزيلة فى أول أبنود، كانت معجزته تأتى مع الفيضان.. فحينها تفتح له بوابات القناطر لتندفع المياه لتغرق ما حول الترع، بل وتدخل البيوت، وكان أهم بيت هدم الماء جداره هو بيت العمة يامنة الحاج أحمد، والذى يتحول إلى مخزن للسمك، بمعنى أن القراميط والقراقير والشلبة والأمشاط تندفع إلى البيت وتنام فى ظل الفناء الخلفى، وتظل لنحو الشهرين، وحينما يلم النهر ماءه من جديد، يتسرب الماء شيئا فشيئا تاركا أسماكه فى فناء بيت العمة يامنة.. وفى اليوم الموعود يتجمع عبدالرحمن ورفاقه، نازعين ملابسهم «بلابيص» لنزح ما تبقى من الماء بمعاونة محمد مصطفى، الذى تحول اسمه فى قصائد الأبنودى إلى أحمد سيماعين، وبعد نزح الماء، تبدأ متعة الإمساء بالأسماك وتوزيعها، ليحصل عبدالرحمن على نصيبه ويعود للشى والقلى والتطجين.

يامنة أبو العلا
تلك يامنة أخرى لم تجد لها بيتا فى قصائد الأبنودى، ولكنه لم يغفل ذكرها فى استعراض طفولته، حتى أنه يصفها ويقلدها أحيانا ليرسم ملامح واضحة لتلك المرأة التى مثلت فى طفولته ما يشبه «نفير الإنذار» بصوتها المميز، وعديدها الفريد.. ويقسم عبدالرحمن أنه على ما عاش لم يضبطها يوما متلبسة بضحة أو ابتسامة أو حتى بسطت ملامح وجهها وفردتها، كانت تصرخ «فى الفرح تصرخ، وفى الحزن تصرخ» حتى أن صوتها التشاؤمى المعروف كان أول من يعلن عن غريق أو حريق.

ويسترجع الأبنودى صوت صرختها الشهيرة « بووووووه» ويستعيد تلك الواقعة التى رفعت فيها شعار «بوووووه... طر فى الساجية.. ودو فى الجنينة».. وعلى الرغم من إلمامه بقاموس أبنود اللغوى، إلا أنه لم يستطع أن يتبين ما تعنيه.. ويصف ملامح وقت صدح صوتها بتلك العبارة: «كان وجهها صلصالى جامد... وعيناها كأنهما ثبتتا بمسمارين.. وذلك الشحوب الذى اعتلى وجهها ودهنه بلون رمادى كلون تراب الفرن بعد الخبيز، أشياء نقلت الذعر من قلبها إلى قلبى».

ويفهم أخيرا معنى عويلها حين يسمع جلبة فى الدرب وما يشبه الصراخ، ليجد كبار وصغار القرية يحملون الفئوس والأحطاب و«سبايت البوص» ويهرولون فى حالة من الهرج والفزع الرهيب، فيندفع معهم ويكتشف أن النهر كسر الجسر ويتهدد البلد بعدما دخلت المياه جنينة على الغزالى، وأن الماء الذى اقتحم الجنينة نزل إلى الساقية «فقال طرررر»، وحين امتلأت الساقية فساح الماء فى الجنينة «قائلا دووو»، وهذا ما كانت يامنة تصيح به: بوووووه.. طر فى الساقية ودوووو فى الجنينة».

مامتى عزيزة
مثلها مثل يامنة أبو العلا، لم يتوقف الأبنودى كثيرا عند ذكرها، على الرغم من أنها كانت جدته أم أبيه الشيخ محمود قنديل، وهى التى ظلت على قيد الحياة حتى أنهى دراسته الابتدائية.. ويصف عبدالرحمن جدته عزيزة أم «مامتى عزيزة» كما كانوا ينادونها ــ على وزن خالتى ــ «كانت قعيدة على الأرض.. قصرها الكبر وهدها الوهن.. نمر أمامها: إزيك يا مامتى؟؟ فتنظر نحو من يخاطبها: الله يسلمك. تقولها بجفاء من كره الدنيا، والتى تشفق على الصغار من هولها.. لم يكن فى فمها سنة واحدة.. أضاعت أسنانها فى الخبز القاسى وأكل «قنديل الذرة وقرش البلح».

ولم يتبق لعزيزة سوى حفيدها محمد مصطفى الذى مات أبوه وتزوجت أمه، وظل محمد مصطفى أو «أحمد سيماعين» مع جدته تشاغبه ويشاغبها وتدعو عليه بالطاعون الذى يتشبح فى زوره، وبأن يعمى فلا يرى تحت رجليه.. وكان يصرخ كمن مات له عزيز ويصيح فى وجهها مطالبا إياها بأن تعدد عليه وتلطم وتنوح، وتبكى قائلة: ابكى يا ولية قطعى خدودك.. وعددى على «مرمد» و«مرمد» مات ... وطبعا مرمد على وزن محمد.

ولـ«مامتى عزيزة» دعاء عجيب، راح الأبنودى يبحث عن ترجمته فى القواميس، وكانت تطلق هذا الدعاء فى وجه محمد مصطفى حين كان يهددها بوضع مركوبها (حذائها) فى الكانون، فتقول له بشكل تلقائى: «حط حطيطك.. وجع نيطك»، من بحث الأبنودى يكتشف المعنى، فـ«حط حطيطك» أى أن يبرك إلى جوارها كسيحا، و«وجع نيطك» فمقتبسة من «النيط» ومفردها نياط، وهى عروق القلب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك