«المختطفات» قصة جحيم يلاحق فقراء نيجيريا بعد «بوكو حرام» - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد الفوز بجائزة الترجمة بمعرض الكتاب..

«المختطفات» قصة جحيم يلاحق فقراء نيجيريا بعد «بوكو حرام»

كتب ــ إسماعيل الأشول:
نشر في: السبت 9 فبراير 2019 - 12:43 م | آخر تحديث: السبت 9 فبراير 2019 - 12:50 م

المترجمة علا عادل لـ«الشروق»: تخيلت الفتيات وما جرى لهن من السرد الفيلمى فى الكتاب
عُرفت الجماعة فى البداية باسم «اليوسفيون» نسبة إلى واعظ بدأ الوعظ فى «شونة غلال»
سبعون بالمائة من السكان لا يقرأون ولا يكتبون.. والجنوب تسوده الفخامة مقابل الجدب والفقر فى الشمال
إحدى الناجيات تروى حكاية أم تركت طفليها.. وتقول: وأنا تركت أبى يبكى.. لم أكن أستطيع حمله
«المسلحون يستهدفون جيشًا واهنًا.. وشرطة لا ينشغل ثلثها إلا بحماية الأثرياء والسياسيين»
المؤلف: ما نعرفه عن «بوكو حرام» أقل مما نعرفه عن أصحاب السلطة فى كوريا الشمالية


حين قرأت كتاب «المختطفات» لمؤلفه الصحفى الألمانى فولفانج باور، حول شهادات لنساء تمكنّ من الفرار من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية فى نيجيريا، رأيت فى نومى كابوسا تختلط فيه مشاهد العنف بدماء الأبرياء قليلى الحيلة.
ولم يكن كل ما رأيت إلا جزءا من صورة لجحيم، يرصده الكتاب الصادر عن دار «العربى للنشر»، والحاصل، قبل أيام، على جائزة «الترجمة» من معرض القاهرة الدولى للكتاب.
كان ذلك الكابوس موضوع سؤال «الشروق» لمترجمة الكتاب أستاذة الأدب الألمانى بجامعة عين شمس علا عادل (ترجمت نحو ثلاثين كتابا من وإلى الألمانية)، حيث قالت إنها واجهت أمرا مماثلا، «كنت أتخيل شكل الفتيات وما جرى لهن، من واقع تأثير السرد الفيلمى الموجود فى الكتاب، بشكل يجعلك ترى ما حدث وكأنه أمامك».

 

الغابة الملعونة
«سامبيسا».. هذا هو اسم الغابة الواقعة شمال شرقى نيجيريا. تتخذها «بوكو حرام» مأوى لها، ومنها تخرج إلى القرى الفقيرة، مثل «ميتشيكا» و«دوهو» و«جولاك» و«جوبلا»، لتقتل وتنهب وتختطف الأطفال والنساء.
هدف الجماعة ــ التى تطلق على نفسها اسم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، ويسميها العالم «بوكو حرام» (التعليم الغربى حرام)، ــ هو تأسيس خلافة فى نيجيريا، ويتعاونون فى ذلك مع تنظيم القاعدة فى مالى والجزائر، وسبق لأعضاء الجماعة أن بايعوا «داعش» صيف 2014.
ووفق المؤلف، فإن الجماعة احتلت خُمس نيجيريا فى أشهر قليلة.
«كان الشك وانعدام الثقة يسودان فى بداية اللقاءات مع النساء. كنا نشعر بالخوف منهن؛ لأن بوكو حرام تجبر المختطفات على تفجير أنفسهن».
«تالاتو» و«سعدية» و«بتولا» و«رابى».. نماذج من النسوة اللاتى يتضمن الكتاب شهاداتهن، وهى أسماء مستعارة «رغبة فى حمايتهن».
وبعد إمعان المؤلف فى تقصى صور حياتهن البسيطة قبل الاختطاف، كالعمل فى الحقول، أو بيع الخضراوات فى السوق، يسرد الكتاب ما واجهن فى قبضة «بوكو حرام».

 

دولة ممزقة
«قوى هائلة تمزق نيجيريا، تلك الدولة الكائنة بين منطقة الساحل والمحيط الأطلنطى، حيث يلتقى عالم المسلمين شمال إفريقيا بمسيحيى الجنوب. مزيج من نحو 514 مجموعة عرقية، و190 مليون نسمة (...) وبينما يتمتع الجنوب بالفخامة والطقس الاستوائى، يسود الشمال الجدب والفقر (...) ولا يكاد الشمال يضم بنية تحتية؛ إذ لا تتوافر الكهرباء إلا فى 24% من المنازل، مقارنة بنسبة 71% فى الجنوب الغربى».
«بعد عام 1960، ظل الجنرالات يحكمون لفترة طويلة، ثم اعتبرت نيجيريا ديمقراطية منذ 1998، وجلبت آبار النفط فى الجنوب ثروات طائلة، كما جلبت مزيدا من الفساد؛ حيث اختلس رجال السياسة المليارات من الدولة، أما فى أقاليم الشمال الشرقى (موطن بوكو حرام) فتبدو الدولة النيجيرية دولة لصوص من الخارج، ولا يستطيع سبعون بالمائة من السكان القراءة والكتابة».

 

من «جماعة صلاة» إلى «جيش»
«تتمثل قوة بوكو حرام فى ضعف الدولة التى تحاربها (...) تطور ما بدأ على أنه جماعة صلاة صغيرة ليصبح جيشا قادرا على توجيه ضربات قوية، ويضم نحو خمسين ألف مسلح. أكثر من سبعة ملايين شخص فروا منهم...».
الجماعة التى عُرفت فى البداية باسم «اليوسفيون» نسبة إلى واعظ اسمه محمد يوسف، كان قد بدأ الوعظ فى «شونة غلال» (قبل أن يتحول إلى زعيم دينى فيما بعد)، هاجمت قرية «دوهو» بولاية أداموه الاتحادية، وغيرها من القرى، ففر الناس هاربين، إلا أن صبيا يتيما فى الرابعة عشرة من عمره، قاد «بوكو حرام» إليهم فى طريق الهرب. تروى سعدية.
وصل المسلحون إلى الفارين، ونادوا عليهم: «أنتم مسلمون، يجب ألا تخافوا!».
تعلق إحدى الناجيات: «ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ فقد قارب مخزون الطعام لدينا أن ينفد».

 

إسلامكم وإسلامنا
«إسلامكم ليس إسلامنا» هكذا قال أحد أمراء «بوكو حرام» وهم يدعون المخطوفين إلى دخول الإسلام «حتى من كانوا مسلمين».
«يمتلك (المسلحون) كثيرا من سيارات الدفع الرباعى والبيك أب» تقول «تالاتو».
رفرفت راياتهم فوق مبانى القرية. إحدى هذه الرايات سوداء مكتوب فوقها بالأبيض: «لقد غزونا مدينة الكفار!».
حين أمروا الناس بالصلاة، صرخوا فيهم: «أنتم لا تصلون بطريقة صحيحة». قالوا: «عندما ننحنى إلى الأمام فلا ينبغى أن ننحنى قليلا فقط، بل ننحنى حتى يلامس الأرض الجزء العلوى من الجسد».
قالت تالاتو: «قطعوا رأس رجلين أمامنا، أحدهما كان مزارعا والآخر حدادا. كلاهما رفض اعتناق الإسلام. صرخ الحداد: الرب واحد فقط. فربنا هو ربكم!».


قطع الرأس من وراء العنق
قيدوهما، وقطعوا رأسيهما من وراء العنق بسكين كبير. كان الحداد يصرخ: «يا يسوع! أنقذنى!».
منعوا النساء من جلب الماء، ومن كن يبعن شيئا فى السوق، لم يعد مسموحا لهن بذلك.
نهبوا المؤن. وفرضوا على الجميع الذهاب إلى المسجد الكبير يوميا بعد الظهر لتلقى دروس الإسلام.
تقول سعدية: «قالوا لنا: غدا سنبدأ تزويجكن مسلمين أخيارا. سألت الأمير: هل تريدون تزويج فتيات فى عمر ابنتى أيضا، أجابنى بأن النبى محمدا تزوج فتاة فى السابعة من عمرها».
تضيف: «عندئذٍ لم أنطق بحرف واحد».
بعد محاولات متكررة من الهرب من القرى التى تسيطر عليها «بوكو حرام» اقتادت الجماعة الإرهابية النساء والأطفال إلى مأواها فى غابة سامبيسا ذات الأشجار الكثيفة، ومن هناك، حاولت النسوة باستمرار الهرب.
«ما نعرفه عن بوكو حرام أقل مما نعرفه عن أصحاب السلطة فى كوريا الشمالية». يقول المؤلف.
«كم جارت علينا الحياة، لا أستطيع أن أعدك أننى سوف أنجو..» هذا ما قاله زوج «بتولا» لها قبل أسره بقليل.
وتروى «بتولا» وابنتها «رابى»، كيف رأتا عناصر الجماعة وهم يضربون أعناق الرجال بسيوف طويلة.
استهدفت قاذفات القنابل التابعة للجيش النيجيرى، معسكرا للجماعة التى يقودها أبو بكر شيكاو، والذى خرج فى مقاطع فيديو عدة يتوعد بخطف النساء وبيعهن. كان فى المعسكر نساء وأطفال، وقليل من مسلحى الجماعة.

 

فى طريق الهرب
فى طريق الهرب، تقول «بتولا» إنها رأت غلامين، وقد احترقت بشرتهما تماما. صرخ الطفلان أمام أمهما: «ماما فلتأخذينا معك»، لكن الأم تركتهما ومضت، فقد كان معها ثلاثة أبناء آخرين. تتساءل «بتولا»: «ما كان عساها أن تفعل غير ذلك؟».
وتضيف: «تركت أنا أيضا أبى ومضيت. خضع قبل اختطافه لعملية جراحية فى فخذه». قلت له: «يجب أن نمضى الآن، وأنا لا أستطيع أن أحملك. أرجوك سامحنى». لم يقل شيئا، جلس هناك وبكى.
ويسجل الكتاب مع الناجيات بالتفصيل، كيف تمكن من الهرب عبر دروب وممرات وعرة.

 

«جيش واهن»
«بوكو حرام تستهدف جيشا واهنا يبلغ تعداده أقل من ثمانين ألف جندى، فى بلد يبلغ عدد سكانه مائة وتسعين مليون نسمة».
أما الشرطة، فيوجد فى نيجيريا بصورة رسمية 330 ألف رجل شرطة. «إلا أن ثلث هذا العدد تقريبا لا ينشغل إلا بحماية السياسيين ذوى المناصب الرفيعة والأثرياء».
«الضحايا الذين يبلغون عن وقوع جناية، يجب عليهم أن يتحملوا بأنفسهم تكاليف إجراء التحقيق».
«لم يعد بإمكاننا أن نختبئ أكثر». يقول الكاتب.
ويختم: «ما زالت النسوة اللاتى جمعنا قصصهن فى هذا الكتاب يهربن من بيوتهن دائما ويقضين الليل فى الحقول».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك