بالوثائق.. «بوابة الشروق» تتتبع قصة «جهاز الجيش».. طلب براءة الاختراع والتجارب منذ 2010.. ولا ذكر للعلاج أو للواء «عبدالعاطي»

آخر تحديث: الثلاثاء 4 مارس 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة
القاهرة: محمد أبوالغيط - لندن: أمينة حسن

بين التأكيد التام على أن القوات المسلحة اكتشفت جهازًا يمكنه علاج فيروس التهاب الكبد الوبائي سي وكذلك الإيدز بالكامل، وبين التشكيك والنفي الكامل لوجود الجهاز أصلاً، قامت بوابة الشروق بمحاولة تتبع قصة هذا الجهاز.

أسفر البحث عن وجود جهازين مختلفين، الأول يطلق عليه جهاز "سي فاست C Fast" ويعود الحديث عنه إلى سنوات مضت، وتحديدا عام 2010 وذلك عندما تقدمت القوات المسلحة بطلب لتسجيل براءة الاختراع في جنيف. أما الجهاز الثاني فهو الجهاز الذي أعلن عنه "اللواء" إبراهيم عبدالعاطي والمسمى بجهاز "كومبليت سي كيور Complete C cure" في المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الاحد.

جهاز للكشف وأخر للعلاج

تشير كل الوثائق المتعلقة بجهاز سي فاست على أنه جهاز للكشف عن فيروس التهاب الكبد الوبائي سي ولا تشير لأي علاقة مباشرة بمرض الإيدز، كما أنها لا تذكر أنه يشفي المرض، بينما جهاز كومبليت سي كيور فقد قدمه "اللواء" عبد العاطي على أنه لتشخيص وعلاج المرض، كما قال إنه بالإضافة إلى التهاب الكبد الوبائي يشفي أيضًا من مرض الإيدز.

البداية: طلب براءة الاختراع في 2010

البداية كانت بالعثورعلى طلب شهادة براءة اختراع الجهاز من المنظمة العالمية للملكية الفكرية، WIPO، ومقرها جنيف. وبالاتصال بالمقر، أفادت المنظمة بأنها لم تصدر براءة اختراع الجهاز حيث أن مثل هذه الشهادة يجب أن تسبقها شهادة براءة مسجلة في "بلد" الاختراع، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة. غير أنها نشرت الطلب الذي وردها بتاريخ 29 ديسمبر 2011.

وهو الطلب الذي تقدمت به القوات المسلحة المصرية كما هو مبين في صورة الطلب، ويحمل اسم العميد أحمد أمين إبراهيم بتاريخ 22 مارس 2010، وتم استكمال البيانات في 19 ديسمبر 2010.


الصفحة الأولى من الطلب

جهاز سي فاست :

وحسب الطلب المقدم إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية فإن الجهاز المطلوب تسجيله يحمل اسم سي فاست وهي اختصار لجملة Fast advanced screening tool، وتعني "أداة المسح المتقدم السريع". وينص الطلب على إمكانية استخدامه لاكتشاف البكتريا والفيروسات، وأيضًا لرصد المواد الصلبة والسائلة والغازات، ووكذلك المواد المتفجرة، وأمراض النباتات.

تقوم نظرية عمل الجهاز على التعرف على "البصمة الجزيئية" الخاصة بكل مادة، حسب ترددها أو ذبذباتها، ويعمل الجهاز في مدى 1- 500 متر.

وقد ورد في الطلب أن الجهاز قد تمت تجربته في مجال اكتشاف فيروس سي على العديد من الحالات في مستشفى عين شمس، ومستشفى المعادي العسكري، وبوجود لجنة من أساتذة عين شمس من مختلف التخصصات. وتذكر المعلومات الواردة في الطلب أن الجهاز قد تمكن من تشخيص الحالات بنسبة 100%، كما تمكن من تشخيص عينات الدم الموجود بها الفيروس، والخالية من الفيروس بنسبة 100%.

كما يذكر الطلب أنه تمت تجربة الجهاز أيضًا في مكانين مختلفين للكشف عن فيروس إنفلونزا الخنازير H1N1. حيث "تم التوجه إلى مستشفى العباسية للحميات وعند الاقتراب منه أشار هوائي الجهاز إلى المستشفى، ثم بعد الدخول إليه أشار هوائي الجهاز إلى أقرب غرفة توجد بها حالات مصابة بالفيروس، ثم بعد دخول الغرفة أشار الهوائي إلى المرضى بالفيروس مميزاً إياهم عن غيرهم من المتواجدين بالغرفة، كما ظل يتتبع المريض حين قام بالتحرك من مكانه".

وتكررت التجربة في مستشفى القوات المسلحة للحميات حيث كانت توجد عينة من 26 شخصًا، بعضهم مصاب والبعض الآخر سليم، وتمكن الجهاز من التمييز بينهم بنسبة 100%"، حسب ما ورد في طلب التسجيل. وهنا تمت إضافة ملحوظة بأنه "تمت الموافقة على الجهاز من مناطق التعبئة والتجنيد بالجيش المصري".

يتم استكمال الحديث عن مجالات أخرى لتجربة فكرة الجهاز، حيث يذكر الطلب أنه تم استخدامه للكشف عن المواد المتفجرة لحماية الشخصيات الهامة في مصر، كما تم استخدامه للكشف عن مرض سوسة النخيل والمعروف باسم "ايدز النخيل" في مزارع النخيل بواسطة وزارة الزراعة المصرية، وايضاً نجح بنسبة 100%.

للإطلاع على النص الكامل لطلب براءة الاختراع:

http://www.sumobrain.com/patents/wipo/Fast-series-field-advanced-screening/WO2011116782A1.pdf

وقد أرفق بالطلب صورة للجهاز.

أوراق علمية في دورات مختلفة : تجارب الجهاز منذ 2010 في 3 دول

توصلت "بوابة الشروق" إلى ورقتين علميتين نُشرتا في دوريات علمية عالمية حول جهاز "سي فاست" تشرح أسلوب عمله، والتجارب التي أجريت عليه.

الورقة الأولى المختصرة نُشرت في دورية "جريدة علم الكبد" Journal of hepatology في مارس 2011، على يد فريق علمي مكون من الأستاذ الدكتور جمال شيحة، أستاذ أمراض الكبد بكلية طب المنصورة، والدكتور وليد سمير، بالمعهد القومي لبحوث الكبد، والعميد أحمد أمين، واللواء حمدي بدر من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، (الورقة تذكر بوضوح أسماءهما وانتماءهما للهيئة الهندسية لوزارة الدفاع، لكن دون ذكر الرُتب).

وتشرح الورقة أسلوب عمل جهاز "سي فاست" حيث يتعرف على تردد جزيئات الفيروس "البصمة الجزيئة" فيميل هوائي "إيريال" الجهاز نحو المصاب بالمرض.

وتقول الورقة إنه تمت تجربة الجهاز على عينة من 879 شخصًا، منهم 159 حاملين للمرض و720 أصحاء حسب التحليل المعتاد بجهاز PCR، وتمكن الجهاز – حسب الورقة - من كشف جميع الحالات المصابة بالمرض مع هامش خطأ "نتائج إيجابية زائفة" 19 حالة، أي أن نسبة اكتشافه لحاملي الفيروس 100%، وتمييزه لغير الحاملين 97%.

للإطلاع على النص الكامل للورقة:

http://www.journal-of-hepatology.eu/article/S0168-8278(11)61186-0


الورقة الثانية

الورقة الثانية نشرت عام 2013 بشكل موسع يحمل المزيد من التفاصيل والشرح على يد فريق دولي من 6 أساتذة متخصصين، منهم مصريان هما الأستاذ الدكتور جمال شيحة، والدكتور وليد سمير، بالإضافة إلى الدكتور زاهد عزام بالمعهد القومي لبحوث الكبد بباكستان، والدكتور سعيد حامد بجامعة أغاخان الباكستانية، والدكتور بريماشيش كار بمستشفى مولانا أزاد بالهند، والدكتور شيف سارين بمعهد علوم الكبد بالهند، وذلك بالدورية العلمية "الأكاديمية العالمية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا" World Academy of science Engineering and technology.

ورغم غياب أسماء ممثليّ القوات المسلحة عن هذه الورقة، إلا انها تشير بوضوح إلى تعاون الجانب المصري مع المؤسسة العسكرية، عبر مراحل التجارب الموضحة تفصيلياً:

المرحلة الأولى:

تمت التجارب على عينة من 79 مصابًا بالمرض، تم الحصول عليهم من معسكر للجيش حيث كانوا يقضوا فترة تجنيدهم، وقد انتهت هذه المرحلة في سبتمبر 2010.

المرحلة الثانية:

بدأت منذ أكتوبر 2010 واستمرت حتى فبراير 2011. شملت هذه المرحلة المعهد القومي لكبد في مصر،بالإضافة إلى مركزين في الهند، ومركزين في باكستان. تمت التجربة على 800 شخص في مصر، 112 شخصًا في الهند، 92 شخصًا في باكستان بإجمالي 1004 شخصًا، وتمت مراعاة أن تضم الحالات موضع الدراسة من الهند وباكستان الفصائل الجينية المتعددة لفيروس سي Genotypes .

وحسب الورقة تمكن الجهاز من اكتشاف الحالات الحاملة للفيروس بنسبة 100%، وتمكن من تمييز الحالات غير الحاملة للفيروس بنسبة 97%.
(ومن المرجح أن هذه هي الفترة التي تم نشر الورقة الأولى بها مشتملة على الجانب المصري من الدراسة)

المرحلة الثالثة:

تقول الورقة إن الجهاز جرب على 1600 حالة في مصر، وفي هذه المرة تمت مراعاة التنوع في التوزيع الجغرافي، وذلك بالمستشفيات الجامعية لجامعات القاهرة وعين شمس، والمعهد القومي للكبد، ومعهد بحوث الكبد بالمنصورة، كما شمل العدد 800 حالة من الصعيد من المجندين الذين يقضون فترة خدمتهم بالمنطقة المركزية العسكرية.

وقد استغرقت هذه المرحلة 6 أشهر، من فبراير 2012 حتى أغسطس 2012.

وقد ذكرت الورقة أن جميع هذه التجارب تمت بالأسلوب المعتمد دوليًا في التجارب الطبية، والمسمى "التجارب ثنائية التعمية". وتنص مثل هذه التجارب على ضرورة ألا يعرف الباحث الذي يجري التجربة والمريض الذي يخضع للتجربة حقيقة وضع المريض الصحي، وتقول الورقة البحثية إن هذه التجارب قد شملت بالفعل مجموعات حاملة للفيروس وغير حاملة له، وكان كل من الباحث ومن تتم عليه التجربة لا يعرفان بوضع المريض الصحي الذي يحتفظ به باحث آخر بناء على التحليل المعتاد بجهاز PCR.

وتحت عنوان "اعتبارات أخلاقية" أكدت الورقة أنه تم الحصول على تصريح من اللجنة القومية للكبد، ومن وزارة الصحة المصرية لإجراء التجارب، وأن جميع الأشخاص الذين خضعوا للتجربة تم إعلامهم بها وأخذ موافقتهم عليها، وأنهم جميعًا غير مصابين بفيروس الإلتهاب الكبدي "بي" أو الإيدز.

النص الكامل للورقة:

http://waset.org/Publications/a-novel-method-for-non-invasive-diagnosis-of-hepatitis-c-virus-using-electromagnetic-signal-detection-a-multicenter-international-study-/9997292


مدى مصداقية الدوريتين

تجدر الإشارة إلى أن النشر في الدوريات العلمية العالمية يتم تقييمه حسب أهمية الدورية، وهو ما يؤثر على مصداقية قبول البحث عالميًا. الدورية الأولى "جريدة علم الكبد" هي إحدى أهم الدوريات العالمية بحكم أنها تصدر رسميًا من الهيئة الأوروبية لدراسات الكبد، إلا أن الدراسة نُشرت فيها بشكل مختصر جدًا في قسم "ملصقات" posters. أما الدورية الثانية "الأكاديمية العالمية ..." فتصنف على أنها "ناشر سلبي" أي لا تتحقق مما يُنشر بها، مما يخفض من مصداقيتها.


الهيئة الدولية للبحث العلمي: تفاصيل الاختراع غير واضحة

نشرت هيئة البحث والفحص التمهيدي الدولية International Searching and International Preliminary Examining Authorities، وهي ترتبط باتفاقات خاصة مع المنظمة العلمية للملكية الفكرية، تقريرًا يحتوي رأيها العلمي حول الاختراع المصري.

انتقد التقرير بشدة غموض تفاصيل الجهاز والأساس العلمي الذي يعتمد عليه، واعتماد طلب البراءة على تجارب سريرية مصدرها الوحيد هو مخترع الجهاز.

كما أشار التقرير إلى أن مُخترع الجهاز ذكر في وصفه له أنه يستخدم لتحديد كل المواد السائلة والصلبة والغازية، وكذلك الأمراض البكتيرية والفيروسية، لكنه لم يشرح أي تفاصيل عن كيفية حدوث ذلك، ولم تُذكر أي تجارب في هذا المجال.

وقال التقرير "إن ادعاءات وظائف الجهاز لا يدعمها وصفه مطلقًا، إلى حد أننا عاجزين عن تكوين رأي مفهوم".

للإطلاع على النص الكامل للتقرير:

http://patentscope.wipo.int/search/docservicepdf_pct/id00000018626118.pdf


الجهاز يظهر في الإعلام الدولي

كانت صحيفة «الجارديان» البريطانية أول من أشار إلى جهاز سي فاست في 25 فبراير 2013 من خلال تحقيق من مراسلها بالقاهرة باتريك كينجسلي، حمل عنوان "العلماء متشككون إزاء جهاز يكشف عن فيروس سي عن بعد"، وروى فيه مقابلة له مع الدكتور جمال شيحة.

وورد في التحقيق أن البروفيسور ماسيمو بنزاني، عميد معهد الكبد والجهاز الهضمي بجامعة لندن، قد شهد هو أيضًا تجربة الجهاز، وقال "إنه يعمل".

اقرأ التحقيق :

http://www.theguardian.com/science/2013/feb/25/scientists-divided-device-hepatitis-c

غير أن الصحيفة عادت ونشرت تقريرين متتاليين، الأول يوم 27 فبراير بعنوان "العلماء ليسوا منقسمين حول جهاز الكشف عن فيروس سي"، قالت محررته إن "الجهاز لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى الاكتشاف العلمي"، وهو ما أكد عليه التقرير الثاني المنشور يوم 28 فبراير بعنوان "جهاز الكشف عن فيروس سي يعد بالأمل ولا أكثر من ذلك."

التقرير الأول:

http://www.theguardian.com/science/sifting-the-evidence/2013/feb/27/scientists-device-remotely-detects-hepatitis-c

التقرير الثاني:

http://www.theguardian.com/science/blog/2013/feb/28/hepatitis-c-detector-sells-hope


واتصلت "بوابة الشروق" بمعهد الكبد والجهاز الهضمي بجامعة لندن. وقد رفض المسئولون التعليق على الموضوع قائلين إن ما نقله تحقيق الجارديان المنشور يوم 25 فبراير لم يكن دقيقًا على الإطلاق، وقد قامت الصحيفة بتصحيحه في اليوم التالي على نشره بالقول إن البروفيسور ماسيمو بنزاني أكد على ضرورة استيفاء كل التجارب العلمية المتعارف عليها بما في ذلك العرض على لجنة مستقلة من العلماء قبل الاقرار بفاعلية الجهاز.

جهاز الكشف عن المتفجرات في العراق

في أعقاب إعلان جهاز كومبليت سي كيور ذكرت وسائل الإعلام العالمية ومنها بي بي سي في تغطيتها أن الجهاز يذكر بشكل كبير بالجهاز الذي راج في أعقاب حرب العراق 2003 وقُدم على أنه يستطيع اكتشاف المتفجرات عن بعد، وكانت الحكومة العراقية آنذاك قد استوردت أعدادا طائلة من الجهاز بمبالغ كبيرة من شركة بريطانية، تم تقديم صاحبها إلى القضاء البريطاني فيما بعد للمحاكمة.

قضية جهاز الكشف عن المتفجرات :

http://news.bbc.co.uk/2/hi/programmes/newsnight/9377875.stm

 

ماذا عن العلاج والدكتور "عبدالعاطي"؟

خلال كل هذه الرحلة منذ 2010، كان القاسم المشترك بين كل ما نُشر في الإعلام وفي الأوراق العلمية هو الحديث عن جهاز للتشخيص فقط دون أي ذكر للعلاج، وكانت تتكرر أسماء العميد أحمد أمين واللواء حمدي بدر والدكتور جمال شيحة، لكن دون أي ذكر لجهاز العلاج "كومبليت سي كيور" أو مخترعه اللواء طبيب إبراهيم عبدالعاطي.

اللواء عبدالعاطي كان قد قال إن جهازه مسجل ببراءة اختراع ومنشور عنه ورقة علمية في دورية "الأكاديمية العالمية ..." World Academy of science Engineering and technology إلا أن ما وجدناه كله يتحدث عن جهاز "سي فاست" للتشخيص فقط، بينما يبقى جهاز العلاج وقصة مخترعه سرًا حتى الآن.

اقرأ أيضًا:

عضو فريق اختراع جهاز القوات المسلحة: بدء العلاج في يوليو.. والصورة الحقيقة للجهاز لم يتم إعلانها حتى الآن

القوات المسلحة كشفت عن جهاز تشخيص فيروس سي في مؤتمر رسمي في 2012.. ود.جمال شيحة أعلن عنه في 2011

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved