رواية «النبيذة».. سرد سينمائي عن العراق

آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 4:25 م بتوقيت القاهرة

عبدالله محمد

تأتي رواية النبيذة للكاتبة العراقية إنعام كجه جي الصادرة عن دار الجديد في بيروت لعام 2017، والتي تنافس على القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. "تاج الملوك تعرف نفسها. عاشت ثلاثة أعمار في عمر واحد، ما عادت تتوقع مزيداً من الأقدار والمصادفات. لكن مجاورته ليست قدرا ولا مصادقة. إنها حساب ما فات."

تنطلق الكاتبة من هنا حيث تاج الملوك البطلة التي ستحكي لنا تلك الحكاية، فهي إمراه أنيقة ذو ثقافة رفيعة، والمتحررة التي تعيش في ثلاثينات القرن الماضي ببغداد تحت لواء الحكم الملكي، فالتاريخ مادة ملقاه على رفوف المكتبات في انتظار من يتقدم إليه ويغوص فيه، من هنا نبدأ، من العراق، ومن دفتر التاريخ، وبعدما استقالة وزارة أرشد العمري تسند بريطانيا الوزارة إلى نوري السعيد.

كانت الأهداف المرسومة لنوري من قبل الإدارة البريطانية هي الضمان المقدم لبقائه في الوزارة رغم المعارضة الشديدة لسياسته الداخلية في البلاد ومن بين تلك الأهداف القضاء على جميع معارضي الاحتلال البريطاني وتوجيه الضربات الشديدة إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي وقف بقوة ضد المشاريع البريطانية. وقد حقق نوري السعيد كل المهمات التي جاء من أجلها إلى الحكم ومنها توجيه ضربة شديدة إلى الحزب الشيوعي العراقي، الحزب الأكثر معارضة لتنفيذ المشاريع التي تريد بريطانيا تحقيقها.

تبدأ تاج عبد الحميد تقلب في دفاتر التاريخ حول العراق وعن معاهدة "بورتسموث" مع بريطانيا، إلى الارتباط بجاسوس حيث المكان باريس فتقوم بالعمل لصالح المخابرات الفرنسية، مروراً بحالة الحب والهيام بتاج التي يقع في أثرها منصور البادي العاشق المحب فهي قصة تمتد إلى خمسين عاماً فتاج الصحفية التي اشتهرت كونها المرأة الأولى التي تدير أول جريدة في بغداد، مرورا بفلسطين ومصر ولبنان إلى فنزويلا.

ينتقل منصور البادي للقارة اللاتينية فيدرس القانون ويعمل فيها كمستشار لأهم شخصية فنزويلية، إلا أن هذا النجاح لا ينسيه بلدة الأرض التي خرج منها إثر استيطانها عناصر من العصابات اليهودية، ليكون له حلم كتابة تاريخ العائلة باللغة الاجنبية كونه يرى أن الأجيال القادمة لن تفهم اللغة العربية، ومع العودة إلى العراق مرة أخرى حيث العقدة السياسية التي ربما لا هرب منها في أي عمل أدبي والتي تتمثل هنا في شخصية ابن الشيخ، ومرورا بـ "وديان" الفتاة العراقية الجميلة العازفة والتي تعمل في فرقة موسيقة، تتعرض لحادثة همجية من قبل ابن الشيخ يكون مآلها إلى أصابتها بالصمم لتصبح الفتاة الجميلة ضحيه السلطة الذكورية.

الرواية تحاكي القارئ بأسلوب سينمائي بارع، فتستخدم الكاتبة سرد بـ "فلاش باك" خلال 80عام من شرق باكستان إلى غرب فنزويلا، فهي تحكي كما لو أنها مخرج سينمائي بارع أستخدم ادواته الذاتية لحكي سيرة بديعة، لعلها تذكرنا بتجربة المخرج ألفونسو كوارون عن فيلمه "روما" الدرامي الذي تم إنتاجه في المكسيك الذي يحكي فيه تفاصيل ذاتية، فكانت الكاتبة إنعام كجه جي تقدم لنا بحرفة عالية روايتها عبر مسار زمني تنقلنا معها، لتفتح لنا أبواب من التاريخ عبر روايتها "النبيذة".

قدمت لنا الكاتبة روايتها بلغة بديعة وجميلة غلفتها برقة وجاذبيه تلك المرأة "تاج" ومدى قوتها الهائلة التي تذكرنا برجل المستحيل، فهي المرأة الفاتنة العبقرية الخ تلك الصفات، أما بالنسبة لنوعية العمل فهي ليست رواية تاريخية على كثرة التمهيد الذي تستخدمه الكاتبة إنعام كجه جي في التعرف على تاريخ بلدها العراق خلال فترة الأربعينات مروراً بما حدث من أمور سياسية واجتماعية واقتصاديه للعراق إلى وقتنا هذا.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved