أحمد البرعى يكتب لـ«الشروق» عن قانون «النقابات العمالية»: ما أشبه اليوم بالأمس

آخر تحديث: الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 - 12:06 م بتوقيت القاهرة

• كان من الأفضل أن تنتخب الجمعية لجنة لمراقبة حسابات المنظمة النقابية وأوجه الإنفاق ويكون من حقها الإبلاغ عن المخالفات المالية

• إذا كانت الحكومة تصر على أن «الوحدة النقابية هى تعبير عن إرادة العمال» فإن التفسير الصحيح لمبادئ الحرية النقابية يتعارض وفرض هذه الوحدة بقوة القانون

• يتعارض حظر تلقى تمويل من أفراد أو منظمات أجنبية مع حق المنظمات النقابية فى الاستفادة من انتماءاتها الدولية للمنظمات العمالية العالمية

• القانون السابق سيسبب لمصر حرجا شديدا بما تضمنه من أحكام تنتقص من حقوق العمال خاصة وأن مصر تستعد للفحص الدورى لحقوق الإنسان

• «التنظيم الأوحد» و«البنيان الهرمى» فى القانون السابق موضع نقد من لجنة الخبراء فى منظمة العمل الدولية

• أكدت أحكام القضاء الدستورى حق العمال فى تكوين منظماتهم النقابية دون تمييز وبغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية أو انتماءاتهم

إذا كنا قد اخترنا لهذا التعليق عنوان «ما أشبه اليوم بالأمس» فذلك لسببين:

الأول: أن ما سنوجهه من نقد لأحكام هذا القانون، إنما هى ترديد للملاحظات السابق إبداؤها من جانب لجنة الخبراء بمنظمة العمل الدولية، على القانون السابق رقم35 لسنة1976 وتعديلاته، وكانت سببا فى وضع مصر على القائمة السوداء منذ 2008، حتى رفع اسم مصر فى يونيو2011 بعد إطلاق الحريات النقابية فى مصر، ثم وبسبب الممارسات الحكومية المتخبطة والقمعية، عادت مصر إلى القائمة السوداء فى يونيو2017.
الثانى: هو أن هذا القانون سيسبب لمصر حرجا شديدا بما تضمنه من أحكام تنتقص من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمال خاصة وأن مصر تستعد للفحص الدورى الشامل لحقوق الإنسان، فى المفوضية العليا لحقوق الإنسان فى جنيف فى شهر فبراير القادم.
وأود فى هذا الصدد، أن أذكر، بأن هذا القانون «غير دستورى»، يذكرنا بقانون الجمعيات، الذى وصف من انتقدوه بكل الأوصاف لأنهم وجهوا النقد لهذا القانون، ولكن عندما وجه أعضاء الكونجرس الأمريكى نفس الانتقادات للقانون سارع أحد كبار رجال الدولة ليؤكد «أن قانون الجمعيات الأهلية ليس قرآنا وسندخل بعض التعديلات عليه».
وليس لى من تعليق على ذلك، إلا التذكير بـ «أسدٌ على وفى الحروب نعامة».
بعد هاتين الملاحظتين، نبين فيما يلى:
أوجه العوار الدستورى، ومخالفة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها مصر.
أولا: القانون تضمن «تمييزا» بين نقابات الاتحاد العام «الذى أبطل القضاء المصرى تشكيله منذ عام 2006» وبين النقابات المستقلة
وتفصيل ذلك، ما تقرره المادة الثالثة إصدار من القانون: «تحتفظ المنظمات النقابية العمالية التى تأسست وشكلت بقانون بشخصيتها الاعتبارية، كما تحتفظ بجميع ممتلكاتها، وتستمر فى مباشرة اختصاصاتها تحقيقًا لأهدافها طبقًا للأحكام المنصوص عليها فى القانون المرافق ولوائح نظمها الأساسية.
وتثبت الشخصية الاعتبارية لغيرها من المنظمات النقابية من تاريخ توفيق أوضاعها أو تأسيسها وفقًا لأحكام القانون المرافق.
وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون القواعد، والإجراءات، والمواعيد اللازمة لتوفيق أوضاع المنظمات النقابية، على ألا تجاوز ستين يومًا، تبدأ من اليوم التالى لنفاذ هذه اللائحة».
وهذا النص يخالف صراحة، أحكام الدستور المصرى، وكذلك الاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها مصر:
ذلك أنه يحتفظ بالشخصية المعنوية للنقابات التابعة للاتحاد العام لنقابات العمال، ولا يتطلب منها، كما فعل مع النقابات المستقلة، توفيق أوضاعها، وهذا بالطبع تمييز بين «الاتحاد العام» و«النقابات المستقلة».
ولكن خطورة النص، لا تقف عند حد التمييز، بل هى ــ وكما سنبين حالا ــ أنه يهدف إلى العودة بالحركة النقابية إلى الوراء، والإبقاء على «التنظيم الأوحد» ويتضح ذلك جليا، إذا تم الربط بين أحكام المادة الثالثة / إصدار والمادتين 11، 13 من القانون.
وباستقراء أحكام المادتين، مضافا إليهما، نص (المادة الثالثة / إصدار) يتضح أنه لن يكون ممكنا للنقابات المستقلة تكوين لجنة نقابية فى أى منشأة كان الاتحاد العام قد قام بتشكيل لجنة بها.
وقد أدركت منظمة العمل الدولية هذا «العوار» وما فيه من مخالفة لمستويات العمل الدولية، وعلى الأخص الاتفاقيتان 87 و98 المتعلقتان بالحرية النقابية وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية واللتان صادقت عليهما مصر، لذلك فإنها عند التعليق على نصوص مشروع القانون.
«على الرغم من أنه لا يوجد بالنص ما يشير إلى احتكار التمثيل النقابى مثلما ورد بالقانون رقم35 لسنة1976 المتضمن الإشارة على نحو قصرى إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، إلا أن هناك عددا من النصوص التى يتعين ضبطها لكى لا تفضى إلى وضع مماثل مستقبلا».
ولكن القانون صدر، دون أن يراعى تلك الملاحظة، وهو ما يؤكد، مقدمة هذا المقال: ما أشبه اليوم بالأمس:
فلقد كان «التنظيم الأوحد» و«البنيان الهرمى»، فى القانون السابق (35 لسنة1976)، موضع نقد من جانب لجنة الخبراء فى منظمة العمل الدولية.
وذلك نظرا لمخالفة هذا «التنظيم المفروض على العمال، لكون الاشتراك فيه إجباريا»، للمواد2، 5، 6 من الاتفاقية 87 والتى تتعلق بـ «حرية العمال فى تكوين منظماتهم النقابية والانضمام للنقابة التى يختارونها».
لذلك، تلاحظ لجنة الخبراء، أن نصوص قانون النقابات المصرى 35 لسنة1976، وعلى الأخص المواد7، 13، 14، 17، 19 و52، تمثل قيدا على حرية العمال فى تكوين نقاباتهم، واختيار النقابة التى يرى العامل الانضمام إليها. خاصة وأن تلك النصوص تصادر حق العمال الراغبين فى ذلك، فى تكوين منظماتهم النقابية خارج نطاق الإتحاد العام القائم، أو خارج نطاق النقابات العامة، التى أجاز القانون تكوينها لمن يعملون فى الصناعات المتماثلة أو المتشابهة أو المرتبطة، أو المشتركة فى إنتاج واحد، وهو ما يجعل للعمال الاختيار بين الانضمام للمنظمات القائمة، أو تركها، دون أن يكون لهم حق إنشاء منظمة خارج الهيكل التنظيمى المحدد قانونا.
وإذا كانت الحكومة المصرية، تصر فى جميع ردودها، على أن «الوحدة النقابية هى تعبير عن إرادة العمال»، فإن التفسير الصحيح لمبادئ الحرية النقابية، لا يتعارض والوحدة النقابية، إنما يتعارض وفرض هذه الوحدة بقوة القانون. وهو ما دعا لجنة الخبراء، دوما وبحق، إلى المطالبة بتعديل نصوص قانون النقابات، سالف الإشارة إليها، لأن «تفضيل العمال لتوحيد الحركة النقابية فى مرحلة من المراحل لا يحرمهم من الحق فى تكوين منظماتهم خارج الأطر القائمة».
وتجدر الإشارة، إلى أن العوار الذى أصاب النصوص المشار إليها أعلاه، لا تقتصر على مخالفتها للاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها مصر، وأصبحت هذه الاتفاقيات جزءا لا يتجزأ من القانون المصرى الداخلى (مادة151 من الدستور) بموجب نص المادة 76 من الدستور والتى تقرر: «إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم فى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم».
وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا يجوز إنشاء أى منها بالهيئات النظامية».
ثانيا: القانون الجديد – كسابقه – مخالف للمادة الثالثة من الاتفاقية87 والمتعلقة باستقلال النقابات إداريا وماليا
ذلك، أن المادة الثالثة، المشار إليها، يجرى حكمها على النحو التالى:
1ــ لمنظمات العمال وأصحاب الأعمال الحق فى إعداد لوائح النظام الأساسى والقواعد الإدارية لها وانتخاب ممثليها فى حرية تامة وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها وصياغة برامجها.
2ــ تمتنع السلطات العامة عن أى تدخل من شأنه أن يحد من هذا الحق أو يعوق الممارسة المشروعة له.
والمتمعن فى أحكام القانون الجديد، لا يجد اختلافا بين القانون35 لسنة1976، وبين القانون الجديد: حيث إن هذا الأخير يغل يد النقابات العمالية فى إدارة شئونها ويعهد بإدارة النقابات للجهة الإدارية، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن المادتين 41، 42 من قانون النقابات 35 لسنة1976 تمثلان خروجا على ما تقرره المادة الثالثة من الاتفاقية87 لسنة1948 من استقلال النقابات بشئونها المالية الإدارية.
فالمادة (6) من القانون تعطى لوزير العمل سلطة «وضع نماذج لوائح النظام الأساسى والنظام المالى والإدارى»، ويفرض القانون الجديد على الحركة النقابية «نموذجا مسبقا – مشابها للتنظيم الذى كان يفرضه القانون76 من ثلاثة مستويات:
ــ اللجنة النقابية (أو مهنية) على مستوى المنشأة أو المحافظة.
ــ النقابة العامة.
ــ الاتحاد النقابى (مادة10 من القانون).
مبقيا بذلك على مكونات المؤسسة هرمية الطابق كما كان الأمر فى ظل القانون35 لسنة 1976.
وتحدد المواد 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35 قواعد تشكيل الجمعيات العمومية للمنظمات النقابية، وعدد أعضاء مجالس إدارة تلك المنظمات أسلوب إدارة (إنشاء هيئة المكتب، كان الأولى أن تترك كل هذه الأحكام للائحة النظام الأساسى).
كما حددت المادة (44) مدة الدورة النقابية بأربع سنوات.
وفيما يتعلق بالاستقلال المالى للنقابات، قررت المادة60 من القانون أن «يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات، بغير مقابل، مراجعة حسابات المنظمات النقابية، والمؤسسات، والمشروعات التابعة لها، والتى تلتزم بالرد على الملاحظات الواردة بتقرير الجهاز، والعمل على إزالة أسبابها».
وكان من الأفضل، أن تنتخب الجمعية العمومية للمنظمة النقابية «لجنة مراقبة» تتولى الرقابة على حسابات المنظمة النقابية وأوجه الإنفاق، ويكون من حقها الإبلاغ عن المخالفات المالية.
ولكن القانون – ينطبق عليه – ما قلناه فى صدر هذا المقال «ما أشبه اليوم بالأمس» فهو لا يعدو أن يكون ترديدا لأحكام القانون35 لسنة1976.
وقد لاحظت اللجنة التى زارت القاهرة لإبداء ملاحظاتها على مشروع القانون، ما يلى:
ــ لا تجرى الانتخابات النقابية تحت إشراف قضائى بشكل تلقائى وإنما يمكن أن يحدث ذلك الإشراف إذا طلبت المنظمات ذاتها أو إذا جرى الاعتراض على نتائج الانتخابات.
ــ يتعارض حظر تلقى تمويل من أفراد أو منظمات أجنبية مع حق المنظمات النقابية فى الاستفادة من انتماءاتها الدولية للمنظمات العمالية العالمية. كما يتعين أن يكون متاحا لهم تلقى تمويل موارد أخرى شريطة أن يتسق ذلك مع أهداف المنظمة.
ــ يجب أن يقتصر دور الجهاز المركزى على مجرد تلقى التقارير للمنظمات، ويكون التقصى عنها فقط فى حالة وجود شكوى ذات اعتبار أو دعاوى قضائية. ويمنح الجهاز المركزى للمحاسبات دورا أكبر فقط فى حالة طلب منه ذلك من جانب المنظمة النقابية ذاتها.
ثالثا: الأعداد المبالغ فيها لتكوين منظمة نقابية وتعارضها مع الواقع المصرى.
أشرنا، فيما سبق (البند الأول)، إلى أن المادة (الثالثة / إصدار) تؤدى، بالاشتراك مع المادتين 11، 13 إلى عودة الاحتكار النقابى، بما قرراه من أن:
مادة11: «للعاملين بالمنشأة الحق فى تكوين لجنتها النقابية بما لا يقل عن مائه وخمسين عضوا منضمًا لها».
وللعاملين بالمنشآت التى لم تستوف النصاب فى الفترة السابقة أو التى يقل عدد العاملين بها عن مائه و خمسين عاملًا، وللعاملين من ذوى المهن والحرف، تكوين لجنة نقابية مهنية عمالية على مستوى المدينة أو المحافظة – حسب الأحوال – لا يقل عدد أعضائها عن مائه وخمسين عاملًا وذلك بالاشتراك مع غيرهم من العاملين المشتغلين فى مجموعات مهنية أو حرفية، أو صناعات متماثلة، أو مرتبطة ببعضها، أومشتركة فى إنتاج واحد، على أن تعتبر المهن المتممة، والمكملة لبعض الصناعات، داخلة ضمن هذه الصناعة، وفقًا للمعايير الدولية المطبقة فى هذا الشأن».
مادة13: «يكون إنشاء النقابة العامة من عدد لا يقل عن خمس عشرة لجنة نقابية تضم فى عضويتها عشرين ألف عامل على الأقل، ويكون إنشاء الاتحاد النقابى العمالى من عدد لا يقل عن عشر نقابات عامة تضم فى عضويتها مائتى ألف عامل على الأقل».
وتعقيبا على هذه الأحكام، لاحظت منظمة العمل الدولية «أن الحد الأدنى الذى اشترطه القانون قد يفضى عمليا إلى وضع احتكارى للتمثيل النقابى بشكل يخالف الاتفاقية87، ويعد شرطا مبالغا فيه اشتراط 20000 عامل لتكوين نقابة عامة ومائتى ألف عامل لتكوين اتحاد نقابى وضع احتكارى مخالف للاتفاقية87».
وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن لجنة الحريات النقابية فى منظمة العمل الدولية قد تعرضت لهذا الموضوع صراحة وقررت:
ففيما يتعلق بالبنيان النقابى، لابد وأن يترك للعمال كامل حريتهم فى تحديد كيفية تكوين النقابة، وتأتى على رأس الصعوبات، التى قد يواجهها العمال، فى هذا الصدد، أن يتطلب المشرع الوطنى، حدا أدنى مرتفعا الأعضاء لتكوين النقابة، بحيث يصير الأمر أكثر صعوبة، بالنسبة للعمال، الذين يرغبون فى تكوين نقابة جديدة. ومن ناحية أخرى، فإنه لا يتصور، أن يسمح لنفر قليل من العمال، قد لا يتجاوز عدده أصابع اليد الواحدة، بأن ينشئ نقابة. لذلك توصى لجنة الحريات النقابية، فى هذه الحالة بـ «تحديد حد أدنى لعدد الأعضاء من أجل تأسيس منظمة أو استمرارها ويجب أن يكون هذا العدد على مستوى معقول بحيث لا يعرقل تكوين المنظمة». حقا، إن تحديد هذا العدد، أمر يتوقف على الظروف الخاصة بكل بلد، ولكن لجنة الحريات النقابية، قررت فى هذا الصدد، أن اشتراط عدد خمسين عاملا لتكوين نقابة أو استمرارها، (وفى حالة أخرى مائة عامل)، هو أمر من شأنه عرقلة تكوين النقابة، أو يجعله مستحيلا. لكن اللجنة راعت أيضا، ضرورة أن يكون العدد المكون للنقابة معقولا، فقررت أن تحديد الحد الأدنى، لتكوين النقابة، بـ 20 عضوا، أمر معقول.
ومن ذلك يتضح أن الأعداد التى تطلبتها المادة11 لتكوين لجنة نقابية أو المادة 13 لتكوين اتحاد عمال، مبالغ فيه بشكل كبير، وخاصة أن المادة11 بصياغتها الحالية تتطلب أن تكون نسبة العضوية 100% وهى نسبة مبالغ فيها، خاصة وأن نسبة العضوية فى أكبر النقابات فى العالم لا تتجاوز نسبة الـ 35%، علاوة على أن نسبة المنشآت التى يعمل بها أقل من 100 عامل فى مصر، تصل إلى 70% من المنشآت، وهو ما يعنى أن غالبية العمال سيكون من الصعب عليهم تكوين منظماتهم النقابية.
رابعا: استقلال النقابات العمالية ومبادئ الحرية النقابية تقررا ــ ليس فقط بالدستور والاتفاقيات الدولية، بل وأيضا بأحكام القضاء
فلقد كان للقضاء المصرى دور هام فى تعزيز أو إصدار الحرية النقابية، والإقرار الفعلى بحق المفاوضة الجماعية، حيث أصدر القضاء سيل العرم من الأحكام التى أرست معالم الحرية النقابية.
1ــ فقد أكدت أحكام القضاء الدستورى على مبدأ الحرية النقابية، وحق العمال فى تكوين منظماتهم النقابية، ودونما تمييز فيما بينهم، وبغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية أو توجهاتهم أو انتماءاتهم، وأن الحق فى تكوين تنظيم نقابى، فرع من حرية الاجتماع، ويجب أن يكون الانضمام إلى النقابة عملا إراديا فلا يكون الانضمام إلى نقابة ذاتها أو تركها عملا قسريا، وإنما تتمثل الحرية النقابية التى كفلها الدستور بنص المادة (56) فى إرادة اختيار المنظمة النقابية التى يطمئن الشخص إليها.
2ــ كما أقرت المحكمة الدستورية العليا، بأن من حق كل مواطن فى الانضمام إلى أكثر من نقابة، متى توافر فى شأنه شروط القيد فى كل منها.
3ــ وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا، على أهمية تواجد النقابات العمالية فى أنها تتوخى الدفاع عن مصالح أعضائها من العمال المنضمين إليها، وكذلك حماية حقوقهم المشروعة، وتطوير أوضاع وشروط العمل، والنهوض بثقافتهم وتطوير كفايتهم المهنية، وحثهم على دعم المال العام وحماية الإنتاج، فضلا عن رعايتهم صحيا واجتماعيا هم وعائلاتهم، وكانت المنظمة النقابية، بالنظر إلى أغراضها هذه وعلى ضوء طبيعتها وكيفية تكوينها، تعد من أشخاص القانون الخاص( ).
4ــ عدم تدخل الجهة الإدارية، فقد أرست المحكمة مبدأ هاما، هو حق المهنيين والعمال فى تكوين تنظيمهم النقابى، ووجوب أن يكون تصرفا إراديا حرا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، وكذلك حرية النقابات ذاتها فى إدارتها لشئونها، وتكون بمنآى عن تدخل الجهة الإدارية.
5ــ الحق فى تكوين الاتحادات، فقد عهد الدستور بنص المادة (56) منه إلى القانون تنظيم الحق فى تكوين الاتحادات على أساس ديمقراطى، وإذ كان هذا الحق هو فرع من حق الاجتماع الذى يتدخل مع حرية التعبير ليكون أحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون.
6ــ يكون للمنظمة النقابية، الشخصية الاعتبارية، وأنها تختص بمسألة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم، حيث تتمتع المنظمات النقابية ومن بينها اللجنة النقابية بالشخصية الاعتبارية ولها حق التقاضى للدفاع عن مصالحها والمصالح الجماعية لأعضائها والتى تنشأ عن علاقات العمل – ويجوز للجنة النقابية التدخل فى جميع الدعاوى المتعلقة بعلاقات العمل تحقيقا لأهداف تلك المنظمات وهى حماية الحقوق المشروعة لأعضائها والدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروفهم وشروط العمل.
7ــ حق المفاوضة الجماعية، فقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن عقد العمل المشترك، هو اتفاق تنظيم بمقتضاه شروط العمل بين نقابة أو أكثر من نقابات العمال، أو اتحاد نقابات العمال، وبين واحد أو أكثر من أصحاب الأعمال الذين يستخدمون عمالا ينتمون إلى تلك النقابات أو المنظمات الممثلة لأصحاب الأعمال.
وبعد هذا العرض، نخلد إلى نتيجة هامة، وهى أن القضاء المصرى على اختلاف درجاته وتشكيلاته، وعلى مر تاريخه، قد أولى بالحرية النقابية اهتماما خاصا، وذلك لإرساء معالم هذه الحرية، ووضع الأسس القويمة لها، والتى جاءت جميعها مؤكدة على أن حق تكوين النقابات والانضمام إليها هو حق دستورى، كفله الدستور بين جنبات مواده وصفحاته، بغض النظر عن معتقداتهم وآرائهم السياسية، أن ذلك ليس مرهونا بإرادة السلطة الإدارية، كما أن للمنظمة النقابية الشخصية الاعتبارية فى الدفاع عن حقوقها ومصالحها، ومصالح وحقوق أعضائها، ولها فى ذلك حق انتخاب مجلس إدراة لها، مرشح ومنتخب طبقا للقانون، كما يحق للمنظمات النقابية، إبرام عقود العمل المشتركة فى ضوء حقها فى المفاوضة الجماعية، نيابة عن أعضائها، وفى هذا إبراز لدور القضاء المصرى، فى التأكيد على حماية الحرية النقابية، والإقرار الفعلى بحق المفاوضة الجماعية.

• ملاحظات ختامية:

ونود فى ختام هذا العرض الإشارة إلى حكمى مادتين استحدثتا بعد المناقشة النهائية للمشروع فى البرلمان:
أما المادة الأولى فهى المادة الثانية / إصدار، والتى تقرر «تعتبر ممتدة الدورة النقابية الأخيرة من تاريخ انتهائها طبقًا لأحكام القانون رقم 35 لسنة 1976 بإصدار قانون النقابات العمالية، كما تستمر تشكيلات المنظمات النقابية المنتخبة فى هذه الدورة فى مباشرة اختصاصاتها طبقًا للأحكام المنصوص عليها فى القانون المرافق، وذلك حتى يتم انتخاب التشكيلات الجديدة خلال تسعين يومًا من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية لهذا القانون».
وتهدف هذه المادة إلى تغطية جميع القرارات التى اتخذتها اللجنة الإدارية المعينة فى الاتحاد والتى لم يكن لها الحق فى مباشرة أى تصرفات فى أموال الاتحاد، فمهمة تلك اللجنة كانت قاصرة – بحكم كونها لجنة إدارية – على تصريف الأعمال اليومية للاتحاد، لأنها لم تكن منتخبة، فلا يثبت لها سلطات المجلس المنتخب.
وأما المادة الثانية فهى المادة77، والتى تقرر «يكون للعاملين بالوزارة المختصة الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص صفة الضبطية القضائية بالنسبة للجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved